فقط...ليلنا! |
رأيتك البارحة شريداً.. تبدو كأنك في مطلع الخريف! |
تبدو حزيناً، غائماً، حيث كل الأشياء في داخلك تميل إلى الصمت، أو إلى الرحيل! |
تبدو بدون حلم.. حيث تحديقك الذي يمطر وجهي- كما عودتني- بالتأمل، وبالقراءة لأعماقي.. قد اضطرب، وتبعثر في كل هذا اللامدى الممتد.. فشعرت أن وجهي قد ضاع مني، لأنك جعلتني أجد وجهي دائماً في عينيك.. أكتشف وطن وجهي في نظرتك التي تتأمله كلما التقينا. |
كأنك لا تريد أن تنظر إلى وجهي هذه الليلة. |
ـ لماذا تشيح بوجهك عن وجهي؟! |
سألتك.. فلم تجب |
ـ هل ارتكبت ضدك فعلاً أغضبك؟! |
أعدت السؤال.. فلم تلتفت! |
حدقت إلى وجهك. لا.. بل إلى جانب وجهك، أما بقية ملامحك.. فقد أخذتها مني بعيداً، بعيداً! |
ـ إلامَ تحدق.. فيم تفكر؟! |
طرحت عليك السؤال، لم يجبني صوتك.. أعطيتني ملامحك، فرأيتها غاضبة، متوترة.. كأنك لا ترغب أن تتطلع إلى وجهي! |
ـ ((لا الله يا الدنيا))! |
همست بهذه العبارة قريباً من سمعك. كأنك لم تسمع. |
لم تكن أنت. |
رأيت نفسي بجانبك.. دون سنوات نضجي، دون طفولة حبي لك، دون ذلك المرح الذي ينثر فرحنا بين أضلعنا مثل غيث الربيع.. كلما جمعنا الشوق معا! |
رأيتك تدفعني إلى الاضطرار لأن أفعل شيئاً يختلف تماماً عن كل الذي تعودته أنت من تصرفات شخصيتي معك! |
لم أتعود أستعطفك عندما تغضب، ولا أستعطف أي إنسان! |
لم أعوّدك على رقة تحلم أنت أن تفيض مني إليك.. حتى إنك تصفني أحياناً بالقسوة. وأسأل نفسي- بعد وصفك هذا- مرددة في حيرة: |
ـ هل صحيح أنني أشح حناني معك؟! |
هل أنا إنسانة تبدو غير طبيعية أحياناً.. إلى درجة التعامل معك بتصرفات غريبة؟! |
ربما يحدث ذلك أحياناً، لكني ألوم نفسي، وأشعر بضيق شديد، كلما عرفت أنني أغضبتك، أو آلمتك.. وهذا يحدث مني معك أنت وحدك فقط! |
قد أبدو غير مبالية مع الكثير، وحتى مع صديقاتي أحياناً.. ولكني حين أفتعل هذه اللامبالاة معك، أعود إليك متقربة.. أحاول أن أرضيك! |
هذه الليلة تختلف! |
لم أحتمل غضبتك، ثم سقوطك في التوتر الملحوظ.. ولا حتى كثافة الحزن التي غمرت وجهك! |
أشعر أن هذه الليلة بالذات، هي ((ليلنا)) كله.. منذ أن رأيتك، وعرفتك.. وحتى أثناء هروبي منك، وبعد أن جمعتنا العودة إلى التوحد، واللقاء. |
هذه الليلة تختلف عن كل الليالي التي امتزجنا فيها، وتعارفنا أكثر، وتكاملت فيها مشاعرنا العميقة! |
أشعر في هذه الليلة بأني أحبك بكل ذرة في وجداني وكياني.. مثلما أحببت أرضي، وانتمائي، وعمري! |
ضحكت منك، وأنت تقول لي في الليلة الماضية: |
ـ أصدقيني.. من تحبين، أنا.. أم رجل آخر صارحتني مرة بأن صوته الهادئ العميق يجذبك، ويشدك حزنه الذي يجسد نبله، وتعجبك معرفته! |
ـ قلت لك: لا أنكر ما قلت.. لكني أحبك أنت وحدك! |
عدت إلى مشاكستي، وسألتني. |
ـ أصدقيني مرة أخيرة.. ألم تحاولي ولو للحظة أن تقارني بين شخصيته وشخصيتي؟! |
تنبهت إلى سؤالك.. ربما حدث ذلك، لا أدري! |
لكني بعد أن تيقنت من حبي لك.. بعد أن ارتبطنا، وتوحدنا، وصرت لا أطيق بعدك عني.. لم أعد مطلقاً إلى تلك المحاولة. |
أنت تختلف عنه!! |
أعترف لك.. كلاكما لا يشبه أحداً، ولا أحد يشبه الآخر! |
هل تراك غضبت من كلمتي هذه؟ |
لعلك- لحظتها- في مساء الأمس، قد أردت تجاوز اعترافي، فابتسمت، ثم قلت لي بإصرار: |
ـ أجيبي عن سؤالي: من تحبين؟! |
ابتسمت.. تجولت ابتسامتي في حدقتيك، وأجبتك: |
ـ تريد أن تعرف؟ أنا أحب أنا. أي أحب شخصي ونفسي! |
أكيد أنك احتسبت إجابتي هذه في نفسك بأنها هروب من سؤالك، برغم أنك وصفتني مرة بأنني أنانية! |
لا عليك.. لكن شرودك وغضبك هذه الليلة يشدني إليك أكثر.. يجعلني مختلفة عن طبيعتي ((العاطفية)) التي تعودت عليها مني! |
اقتربت منك، جذبتك إلي.. أحاول أن أطري أعصابك.. أن أجعلك تنفث غضبك وترتاح! |
كنت تبدو متجهماً، صلباً، عنيداً، متوتراً.. لا تريد أن ترضى. |
وسَّدت رأسي فوق كتفك، وهمست في أذنك: |
ـ يا عيوني لا تغضب.. هل يرضيك أن أؤكد لك أنك لم تعد في عمري ((أي رجل))؟! |
وجدتك متشدداً.. ولكني لمحت دمعة تحتار في عينيك، وتصدها بقسوة. |
ـ قلت لك: تكلم.. إذا أردت أن تشتمني فافعل ولن أحتج. اضربني إن أردت! |
أخذت كفك وقبلتها، وضربت بها خدي! |
لم أكن أنا.. هذه الليلة! |
اندهشت أن أفعل معك هذا كله.. فعندي استعلاء لو عاملت به أحداً، فلا بد أن يغتاظ، أو تصعب عليه نفسه، ولكني أعرف لمن أوجه هذا الاستعلاء.. فهناك من يستحقه ليعرف حجمه. |
أنا لست مغرورة.. ولكني أجيد قراءة نفوس الآخرين! |
ـ قلت لك مراراً: أنت وحدك الذي تمكنت أن تقرأ نفسيتي، وأن تراني من الداخل، أن تعري أعماقي! |
ـ أجبتني يومها: لو كان ما تقولينه صحيحاً.. فتأكدي أنني اكتشفت في أعماقك إنسانة رائعة، باهرة، جذابة، متميزة.. لكنك تحتاجين- فقط- لمن يفهمك. |
أنت فهمتني جيداً، وعرفت أشياء كثيرة عني ومني لم أسمح لأحد أن يطلع عليها! |
والسبب؟! |
إنني ارتحت إليك في البدء. ووجدت فيك ما يتوحد بأشياء كثيرة في، وأحببتك بهدوء.. حتى إذا عدت إليّ مجدداً، فوجئت أنك تفتح ذاكرتي، وتوقظ مشاعري، وتُشعل حرائقي، وتضيء شموعي في آن واحد! |
أحببتك، وترددت أن أعترف لك بحبي! |
لأنني وثقت من حبك لي.. تأكد عندي أنك تحبني، وخفت! |
أخافني حبك.. وصرت أردد بين نفسي، وفي إصغائك لي: |
ـ يا خوفي من هذا الحب.. ماذا بعده؟! |
ـ سألتني: ولماذا تخافين؟! |
ـ أجبتك: لو كرهتني بعد هذا الحب الجامح.. كيف ستكون كراهيتك. ما هي طريقتك لنسياني. في أي شعور لديك سأستقر، أو أهوى وأتلاشى؟!... |
انثالت كل هذه الأفكار والصور، وأنت بجانبي شارد، تشيح وجهك عني. |
كنت أحدق إلى البحر الممتد أمامنا، وقد أوغل الليل بعد منتصفه، وبقيت هذه الأمواج البيضاء الهينة التي تدفعها الريح مع ماء البحر من المنتصف حتى ترتطم بالثبج فتفقد بياضها! |
لا أدري.. لماذا تصورت مشاعر الإنسان مثل هذه الموجة البيضاء التي تندفع مسرعة من البعيد، ثم تتلاشى تحت أقدام الشاطئ: باردة، وتغيب! ذلك هو الذي أخافني من اندفاع حبك معي وإليّ. |
أريدك موجة عنيفة، بيضاء ناصعة.. تستمر ولا تتوقف اندفاعتها، ولا تنطلق إلى شاطئ ترتطم وتتكسر عنده. |
اختلفنا كثيراً، وتصالحنا بسرعة.. لأن الحب يتقد ولا يخبو! |
ترى... كيف نتصالح حينما نختلف بعد ذلك في اعتيادية الحب، أو برودته؟! |
هل تصالحني بنفس هذه السرعة التي يبادر كل منا فيها إلى الآخر، ويحتضنه، و يصالحه؟! |
أم.. هل ينتظر كل واحد منا الآخر- فيما بعد- ليبدأ هو بمصالحة رفيقه؟! |
أم تراك لا تهتم... فيكون غيابي عنك انفكاكاً من قيد أسر حياتك وقلبك؟! |
أسئلة باتت تخيفني في هذه الليالي، خاصة بعد شعوري بأنك حينما وثقت من حبي لك.. بدأت تأخذ زمام المبادرة بالخصام والغضب.. لأصالحك؟! |
لا تفكر أنني لمت نفسي لما احتضنتك، وامتصصت غضبتك.. بالعكس، كنت سعيدة لأنك تغار علي بهذا الحماس والغضب. سعيدة لأنني أريد أن أصالحك! |
أنا أيضاً صرت أغار عليك.. عندما أسمع من تتحدث عنك أكرهها، لا أطيق أن أتقبل ذلك المعنى في الأغنية المشهورة لأم كلثوم: ((ولما أشوف حد يحبك.. يحلا لي أجيب سيرتك وياه))! |
أنا أريدك وحدي... هل فهمت؟! |
أريد منك أيضاً أن تذيب من داخلي الشعور بأنني سأفقدك يوماً ما. |
ولكن... كيف نُعرّف الحب.. ما هو، وكيف نحافظ عليه؟! |
ذكرتني بعبارة قالها ((ريلكه)) كقصيدة شعر: |
ـ ((لا الآلام معروفة.. ولا الحب! |
ولا ما يبعدنا عن الموت.. معروف))! |
لكني معك.. أريد أن أردد شطراً من قصيدة أخرى لشاعر غربي، سنغنيها معاً، ونردد: |
ـ ((أتمنى أن أعلّم العالم.. |
كيف يغني بنغمة رائعة))! |
الذين يحبون.. هم الذين يبدعون الأنغام الجميلة المتناسقة، وأنت في حياتي هذه الأنغام، وأنا أيضاً في حياتك أروع نغم. |
أنت قلت لي ذلك. |
ـ الآن أسألك: كيف تملأ هذا الليل نغمة رائعة؟! |
ها أنا أضم إلى صدري تناقضاتك: فرحك وحزنك، طفولتك وخريفك، جنونك وتأملاتك، صفاءك وقلقك.. فهذا هو الحب. |
أبقى أنا- حبيبة- في عينيك.. طوال العمر! |
* * * |
أنت تبكي الآن. طفرت. من عينيك دمعة الخلاص من الغضب والألم. |
ـ يا حبيبي... لماذا نتعذب معاً بحبنا، والحب خلاص وفرح، وقيمة؟! طوقت كتفي بذراعك، وعاد تحديقك الحبيب إلى وجهي. |
سرى صوتك في ليلنا الساجي يعلن ميلاداً آخر.. إرواء لتخيلنا العطشان، قلت لي: |
ـ أنا أحبك! |
ـ همست لك بسؤالي الدائم: بتحبني ليه؟! |
ـ قلت لي: لأنك.. قدري الأجمل! |
* * * |
|