فقط...قسوتها |
شعرت هذه الليلة بتعب يحصد نفسيتي.. بتوتر يكسر أعماقي. |
فكرت أن لا أحادثك هذا المساء. ليس هو الشعور بالملل منك. ولكني رغبت أن أخلو إلى نفسي، وأعتزل في غرفتي. لكنني تذكرت أنني مدعوة على العشاء هذه الليلة عند ابنة عمي بمناسبة قدومي إلى مدينتهم. |
ـ سألت نفسي: كيف أذهب بهذه النفسية؟ لا بد أن يتساءل الجميع هناك. لست في حاجة إلى مزيد من الأسئلة.. تكفيني هذه الأسئلة التي يضج بها رأسي! |
وحين كنت أفكر في عزلتي المريحة.. تعالى رنين الهاتف، وفاجأني صوتك. |
ـ قلت لك: لماذا اتصلت بي؟ لقد قلت لك إنني سأتصل بك. |
سألتني بطريقتك التي تلح بها أحياناً، للتعبير عن قلقك علي: |
ـ صوتك متعب.. ماذا بك.. ما الذي يتعبك.. أخبريني؟! |
لا أريد أن أخبرك الآن. لعل طبيعة فيك.. أصفها ب ((شهوة السؤال)) تدفعك دائماً.. فتريد أن تعرف كل شيء، وفي الحال! |
هذا صعب جداً... على الأقل في نفس اللحظة، لأنني حينذاك أضيق بثيابي التي ألبسها. |
إذا كنت ستتحدث عن عيوبي.. فهذه إحدى عيوبك! |
أكره أن يسألني أحد: ((إيش فيك))؟ |
وأنت تسألني- كعادتك- ولا تتوقف. |
أنا- كعادتي- أيضاً.. لم أحتمل أسئلتك، حتى ولو كانت للاطمئنان علي. |
فهل ترى هذه ((النقطة)) من عيوبي، أو من ملامح قسوتي عليك؟! |
ثرت عليك في أسئلتك.. ولكني- قبل ذلك- حاولت أن أثنيك عن شهوة السؤال فيك. |
ازداد إلحاحك.. وتصاعد توتري! |
كنت- بالفعل- متعبة.. في صدري حشد من الكآبة والوحشة.. أعاني، ولكن لا أقدر أن أحدد أسباب معاناتي بالضبط، ولكنها مجموعة ترسبات أو تراكمات، لعلها صغيرة في حجمها الفردي. |
صدقني.. لم يكن هناك سبب، ربما تذكرت موقفاً، أو كلمة، أو ذكرى.. ربما اكتشفت تبدل أشياء في حياتي كنت أتمنى لو استمرت ولو لم أفقدها من حياتي. |
تركتك وحدك- بدوني- في هذه المدينة التي تتمدد اتساعاً، والتي أحببناها معاً. |
قلت لك قبل أن أسافر: |
ـ سأغيب عنك بضعة أيام.. لا بد أن أسافر وأرى أختي، فقد اشتقت إليها |
كثيراً، وهي أيضاً تلح علي في السفر إليها لأنني من وقت طويل لم أرها.. بل إنني منذ أن عاد كل منا إلى الآخر أصبحت لا أحادثها بالهاتف إلا قليلاً. |
انشغلت بك.. وهي قد اشتاقت إلي، فكان لا بد أن أسافر إذن. |
سأكون صادقة معك.. لا تغضب مني! |
ـ عندما فكرت في السفر.. لم أفكر فيك، برغم أنك أشعرتني بأن سفري القصير هذا سيكون أكبر همومك طوال غيابي.. الله يعين الصادق!!. |
يومان، أو أكثر- قلت لنفسي- لن أشعر فيها بالاشتياق لك.. بل- أحياناً- ونحن معاً في هذه المدينة.. يخيل إلي أنني أكاد أسأم منك. |
ـ قلت لي قبل أيام: قد أسافر إلى الخارج لمدة أسبوع في رحلة عمل. |
يومها.. لم أجبك. أعدت الخبر، وسألتني: |
ـ ألاّ يهمك هذا الخبر!.. أليس لديك شعور ما تستقبلين به هذا الخبر؟! |
ـ قلت لك وأنا أضحك: سلامتك... سافر! |
يومها- أيضاً- أحسست أنك حزنت بعد إجابتي هذه! |
لعلك كنت تتوقع أن أحزن.. أن ((أرجوك)) لا تسافر.. أن أقول لك على الأقل: سأشتاق إليك.. توحشني بطول غيابك! |
لم أقل لك ذلك.. نسيت، أو... ما نسيت، فقط.: ما أردت أن أقول! |
فهل تعتبر هذا الأسلوب: قسوة؟! |
ـ سألتك: ((هالحين.. ليه كشرت.. أنا قلت كلمة غلط))؟! |
ضحكت حينذاك بسخرية، وأجبتني: |
ـ لا.. العفو. كلامك كله عدل! |
لم تهن علي.. أحسست أني قسوت، سألتك: |
-إنت زعلت من إجابتي؟! |
ـ قلت لي: حتى أكون معك صادقاً، فأنا ما زعلت.. يمكن حزنت، لأني توقعت منك اللهفة، والتعبير عن الشوق في غيابي، وحنان المحب.. على الأقل مجاملة، لكني بصراحة اصطدمت بقسوة جارحة منك لعواطفي! |
على فكرة.. ((إنت ليه ما سافرت))؟! |
نسيت أسألك بعد أيام.. كنت أتمنى أن تسافر، كما قلت لك مرة.. لأكتشف في نفسي إن كنت سأشتاق إليك، أم أنك هذا الشخص العادي في حياتي! |
أو لعلني أريد سفرك، لأرتاح من هذا الانشغال بك! |
((ها... لا تقول قسوة بعد؟!))
|
لكن... أفكر بعض الوقت في مقياس الأشواق عند الناس.. في ذلك الذي يسمونه ((فراغاً)) في حياة إنسان يبعد عنه الذين يحبهم أو يحبونه.. أو في ذلك الذي يطلقون عليه: ((الفراغ العاطفي))! |
هل صحيح أن هناك فراغاً عاطفياً؟! |
أنا أنظر إلى الناس كلهم يتعاملون بالعاطفة.. حتى في الماديات، وإلا أنا غلطانة؟!! |
* * * |
أنبسط جداً كلما تأكدت أنك تحبني ((حيل)).. يعني ما عندك فراغ عاطفي! |
أنبسط -أيضاً- أنني في حياتك: حقيقة، وامتلاءً عاطفياً، وشعوراً تقول لي عنه: إنك لو فقدته فسوف تشعر بالوحشة، وبالضيق، وبالأسى! |
هل أنا أنانية.. أم الحب هو الأناني؟! |
لكني في بعض الوقت أشتاق إليك، بل لعلني أشعر بالارتياح، وهدوء هذه النفس، ربما لأنني انتصرت على اندفاع تفكيري فيك.. وهذه قدرة، أحبها أن تكون معي من مميزاتي.. وأرجوك لا تفسرها بأنها: قسوة! |
يمكن.. في لحظات أخرى: أشتاق إليك، حتى وأنت معي في نفس المدينة.. لو غاب وجهك أو صوتك عني لساعات، وأقلق عليك، وأصبح متلهفة لرؤيتك.أعرف ماذا تود أن تسأل عنه الآن.. لقد سألتني مرة: |
ـ أتصور بعض ردودك على كلامي معك، وكأنها كدمات.. قصدت أن تحدثيها في قلبي عنوة.. كأنك أردت بالفعل أن تؤلميني، بينما أنا أتوق منك إلى ((هدهدة)) لهذا الطفل في أعماقي! |
هل تعتبر ذلك قسوة أيضاً؟! |
إني أسألك.. يا حبيبي يا بايخ! |
إني أشعر نحوك بحب.. يخيل إلى أنني لم أمنح مثله لإنسان غيرك. |
وحين أفكر فيك.. أسترجع كلماتك الرقيقة، وأصداء صوتك.. فإن خفقاتي تستغرق في اسمك.. مثلما تقول لي أنت عني دائماً: |
برغم قسوتك ((الأحيانية)) وشعوري لحظتها أنك تحاولين إبعادي عنك.. لكني لا أتصور، ولا للحظة، أنه من الممكن لي أن أستغني عنك، ولا أطيق بعادك عني من جديد! |
أنت تجيد الكلام، ولكنك عصبي لا تحتملني أبداً.. وأنا، ليس من عيوبي القسوة، كما تقول، بل صرت أحتد كثيراً، ويحلو لي أن أعاندك أكثر! |
إذن.. ما الذي رماني في التعب النفسي هذه الليلة؟! |
لا تفرّح نفسك –أيها الرجل المغرور بي- طبعاً لست أنت السبب، ولا بعدك عني، ولا اشتياقي لك. |
كنت أحادثك بالهاتف من سفري... وكنت أنت تسألني عن أحوالي. |
لاحظت عليَّ أنني كنت متوترة قليلاً. سددت إلي سؤالك المعتاد، والأكثر ألحاحاً: |
ما الذي يضايقك؟! |
قلت لك في البدء: لا أدري.. كنت سعيدة عندما كان المطر يغسل المدينة كلها يوم أمس. اليوم عادت الشمس إلى الانتشار! |
ضحكت أنت.... كأنك تستفزني. سألتني: |
وهل هذا سبب وجيه.. أم أنك لا تودين أن تحكي لي؟! |
لاحظت أن صوتك قد تبدل.. حين ازداد توتري. لم أفكر لحظتها إن كنت قد غضبت أو ستغضب. لم يهمني كثيراً أن أتأكد.. لأنني لا أريد من أحد أن يحاصرني بمثل أسئلتك، فكأنك تستجوبني! |
لا أحب من أحد أيضاً –حتى أنت- أن يملي علي أفكاره، ولا أن يوجهني ويفرض آراءه. |
أنت فعلت ذلك.. حتى كنت أحادثك وأعاني من توتري، ومن قلقي النفسي. |
لماذا تحاول أن تتدخل في شؤوني الخاصة، وأن تقول لي: لو فعلت كذا، ولو لم تفعلي ذلك؟! |
أكره الشخص الذي يشعرني أنه يلومني، أو يقول لي: أخطأت. |
ـ قلت لي: أنا لا أفرض عليك رأيي. بالعكس.. أردت أن أشاركك التفكير، وأن أتعاون معك في تفسير بعض الأشياء، والاقتناع بتقبلها. مجرد مشاركة، وأنت تعتبرين ذلك كله تدخلاً! |
أحياناً.. ودي أحكي! لك كل شيء، أشكو لك، وأطلب رأيك.. لكني أريد أن أفعل ذلك بمزاجي.. أن لا تدفعني أنت إلى ذلك.. أن لا تشعرني أنك تريد أن تعرف كل شيء! |
أحياناً- أيضاً- أناديك في أعماقي حين أكون متضايقة، وأتمنى لو أريح رأسي على كتفك وصدرك، وأغفو.. فأشعر بالأمان. |
أعرف أن الحب أمان.. ولكني أخاف على نفسي وعليك من هذا الحب. |
لكني في توتري.. أجبتك: |
ـ هذه ليست مشاركة.. أنتم الرجال تعتبرون المرأة دائماً في حاجة إلى حمايتكم، بينما أنتم تلوذون إليها. |
غاب صوتك قليلاً.. وكنت في توتري ذلك أريد أن أجرحك. وجاءني صوتك حزيناً: |
ـ على العموم.. أنا آسف لتدخلي، أردت فقط أن أخفف عنك! |
ـ أجبتك: لا تخفف عني أرجوك، فأنا متعبة جداً، وأموري الذاتية لا تخصك.. أستطيع أن أحلها وحدي، ولا أحتاج لمن يحلها بدلاً عني.. أنت لن تتخذ بالنيابة عني قراراً يصلح لحياتي. لقد مللت منك.. مللت من عملي أو مسؤوليتي في العمل، فهذا العمل يستحوذ على المهم من وقتي، ويشعرني أنني أهمل طفلي الوحيد، وأهمل رغباتي الخاصة. طفلي أيضاً يضايقني أحياناً. بين دقيقة وأخرى يدخل ليقول مشكلة تخصه، وعلي أن ألتفت له وأحل هذه المعضلة بالنسبة له. نشاطاتي الاجتماعية غير منظمة، وأحياناً أكرهها، ومرة أنجذب إليها، أشياء كثيرة تطاردني، وتحاول أن تسرق حتى الوقت، وتدوس فترة راحتي. |
ـ قلت لي: فهمت الآن ثورتك.. كأنني أنا أفعل كل هذا الاضطراب في حياتك.. كأنك تفصحين الآن عن ضيقك مني. |
ـ قلت لك: إفهم ما تريد.. أنت لا تتفاهم. مع السلامة! |
* * * |
أقفلت الهاتف في وجهك، ولكني شعرت أنني نفثت غضبي وكربي فيك.. صببت عليك نقمتي وضيقي وسأمي وقيودي التي أراها تعيقني عن ممارسات الحياة التي أحلم وأريدها. |
وكأنني هدأت بعد ذلك. راجعت نفسي. لعلني تجنيّت عليك، ولا بد أن اعتذر لك، لأنني بالفعل أحبك، وأنت الوحيد الذي يحتملني، ويحتمل حتى قسوتي عليه. |
استرجعت كلماتك عندما كنت تقول لي. |
ـ أجدك أحياناً قاسية معي، كأنك تقصدين هذه القسوة.. لماذا؟ |
هل أنا قاسية يا حبيبي، وهل هذه القسوة من عيوبي؟! |
ربما أنني لا أجيد التعامل معك برقة الغزل، وترديد كلمات الحب المعتادة.. لأنني لا أحب الاعتياد حتى في الحب. حبنا يختلف عن كل ما تعوّد عليه المحبون.. لا بد أن أشدك. أن أثيرك. أن أغضبك. أن تستفزني. أن أعاندك.. أن تتقبلني بعيوبي، وأتقبلك بعيوبك. |
لقد أتعبتني.. أنت مجنون، وعاطفي وحساس، وهذه الصفات في الرجل تتعب المرأة.. وما تسميها عيوباً عندي لا بد أنها تتعبك.. وأجمل الحب هو المصكوك بالتعب! |
تعال إليَّ الآن.. ((أوحشتني)) جداً، إلى درجة التعب بك!! |
* * * |
|