شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عريس الشهاده
أضيئت واجهة ((فيلا)) الوجيه، ورجل الأعمال ((خالد السعيد))، وتناثرت الأضواء الملوَّنة تغمر الشارع العريض، وشرعت بوابة ((الفيلا)) لاستقبال المدعوين، بينما تراصت السيارات أمام سور البيت.
الليلة يحتفل ((خالد السعيد)) بنجاح ابنه ((فارس)) وحصوله على الثانوية العامة، وقد وقف في ردهة ((الفيلا)) يستقبل مع ابنه أصدقاءهما الذين توافدوا للاحتفال بهذه المناسبة، والفرحة تغمر وجه الأب.. مغتبطاً بالمرحلة الطويلة التي قطعها ابنه ((فارس)) في سنوات الدراسة التي تلاحقت، دون أن يرسب ابنه عاماً واحداً.. بينما أخذت من عمره في طيَّات المعاناة والقلق، ومنحت عمر ابنه نضارةً وشباباً.
وحين وقوفهما معاً في انتظار الأصدقاء.. وضع يده على كتف ابنه، وقال له:
ـ لقد رفعت رأسي عالياً، وأنت تواصل دراستك بجد وتفوق، وها أنت قد حصلت على الثانوية بنسبة 85%، وأريدك أن تستمر بهذا المستوى، الجامعة ليست أصعب، ولكنها بوابتك إلى المستقبل، وإلى الاستقرار والأمان.
ـ قال فارس: أرجو أن أكون عند حسن ظنك يا أبي، كل ما أتمناه أن لا تقلق، بل تثق في تصميم ابنك.
ـ قال خالد: الأيام تجري يا ولدي، وأتطلع إلى اليوم الذي أراك فيه قادراً على تحمل مسؤولية الحياة، والأيام تتبدَّل، ولن تستمر على حال واحد.. إيقاعها يتغيَّر.. ظروفها أيضاً تتغيَّر، وهذا الإيقاع السريع يدفعنا أن نلاحق العمر، ونلاحق الظروف والفرص كذلك.
ـ قال فارس: لقد تعلَّمت منك الكثير، فاطمئن يا أغلى أب.. المهم أن لا تتزوج امرأة أخرى تأتي بها ((ضرة)) لأمي !!
ـ قال خالد ضاحكاً ومندهشاً في نفس الوقت: ومن أين جاءك هذا الحدس؟!
ـ قال فارس: من أمي.. من خوفها عليك، وعلى بيتنا، إنها في قلق دائم كما ألاحظ من تعبيرات وجهها، ومن بعض كلماتها، التي تفلت منها أحياناً.
ـ سأله والده: ماذا تقول أمك؟!
ـ أجاب فارس: إنها تردد مقولة إن الرجل إذا كثرت عنده الفلوس.. أول ما يفعله هو الزواج.. من ملامح التغيير والتجدُّد!
ـ قال خالد: صحيح.. لقد أنعم الله علينا بمكاسب من عائدات هذه الشركة التي أنشأتها للمقاولات بعد استقالتي من الوظيفة، وفتح الله عليَّ رزقاً من عنده، جعلنا نعيش في بحبوحة.. لكن قلق أمك غريب.
ـ قال فارس يمازح والده: لكن.. قل لي يا أبي، ألم تخطر على بالك فكرة مثل هذه التي تقلق أمي.. خاصة وأن سفرك كثير، ورحلاتك متلاحقة؟!
ـ قال خالد: ستكبر أكثر، وستجرِّب، وستعرف أن الزواج ليس لعبة، ولا مزاحاً، ولا عبثاً، ولكنه مسؤولية، والتزام، ولعله عبء في بعض الأحيان.
ـ قال فارس: وهل أمي ثقيلة يا أبي؟!
ـ أجاب خالد: يا ولد.. أمك في وزن الريشة! وقد رضيت بالعيش معها، ورضيت هي أيضاً، واحتمل كل منا الآخر في عيوبه.. فأي إنسان لا يخلو من العيوب، ولكنها رحلة طويلة.. أثمرت شبابك هذا، وشباب أختك ((عهد)) الذي أخذ يتفتَّح، أسكت.. لقد أخذ الضيوف في التوافد.
امتلأ الصالون الطويل بأصدقاء الأب والابن، وتعالت الضحكات، وتحلق البعض حول لعبة ((البلوت))، وامتدت على الأرض ((ليَّات)) الشيشة التي تبدو مثل الخراطيم، وتجمَّع نفر آخر في ركن الصالون يتحدثون، وينتقلون بأحاديثهم وحوارهم من موضوع إلى آخر.
بينما أتخذ أصدقاء ((فارس)) غرفة أخرى مجاورة للصالون.. حتى لا يحسوا بحرج أمام والد ((فارس)) وأصدقائه ممن هم في أعمار آبائهم.. يتبادلون الأحاديث التي تتفق وأعمارهم.
و ((فارس)) يتجول ما بين الصالون والغرفة الأخرى.. ويصدر تعليماته إلى خادم ((فلبيني)) ليأتي بالشاي. ويبدِّل رؤوس ((الشيش)).. بعد أن تعلَّم هذا الخادم الفلبيني وأتقن تجهيز ((الشيشة))!
وارتفع صوت الشيخ ((عبد الحق)) صديق ((خالد)) الحميم ينادي على ((فارس)).. فلما رآه أمامه، سأله:
ـ ما هو التخصص الذي ستختاره يا فارس؟!
ـ قال فارس: دعنا ننتهي من زحمة التسجيل في الجامعة يا عم عبد الحق.
ـ ألم تسجل إلى الآن؟!
ـ أه... خليها على الله. كل يوم أذهب إلى الجامعة منذ السابعة صباحاً، سجّلت بعض المواد القليلة، وما زال الكثير يلفني في دوامة.
ـ ولكن يا ولدي.....
ـ إنه جو جديد علينا نحن الذين تخرجنا من الثانوي، ولا نعرف ماذا نفعل، هناك موظف هندي يشخط في الطلبة، بل ويعاقبهم لو رفعوا أصواتهم، وموظف آخر من بلد عربي.. يمنحنا المادة التي يختارها حسب الكلية.
ـ معليش يا ولدي.. هذه بداية المتاعب في الحياة.. لا بد لكي تحتكَّ بالناس أن تواجه الكثير.
ـ الله معنا... كله يهون في سبيل المستقبل.
ـ فارس.. فارس.
هذا صوت صديقه المشاكس ((همَّام))، هرول إليه في الغرفة الأخرى، وجد أصدقاءه يضحكون.
ـ ماذا هناك، لماذا تصرخ هكذا يا من يحمل أسفاراً؟!
ـ اسمع يا سيدي.. الأخ المحترم ((مروان)) يريد أن يتزوج!
قهقه الجميع ثانية، قال ((مروان)) لهم:
ـ ومالو؟!.. الجامعة تريد الاستقرار، خلاص ((صياعة)) الثانوي انتهت. بدي أنجح بتفوق.
ـ قال فارس: يا شيخ اتلهي. والا علشان ناوي تتخصص في الديكور.. بدك زوجة ((ديكور)) للبيت؟!
ـ قال مروان: ديكور إيه يا متخلِّف.. ابنة عمي فتاة مثَّقفة، وخايف يلطشها واحد غيري.
ـ قال فارس: يا سلام! ليه هي سيارة في فترينة، والا.....
ـ قاطعه مروان: خلاص... كلكم متخلفين، كل واحد فيكم يفكِّر بانحراف. طبعاً (( الصياعة)) ما خلصت.
ـ قال ثالث: يا عمي خلينا ((نهيِّص))، الزواج بدري عليه في أعمارنا هذه، لذة الهوى في التنقل، روح اتفرج لما توقف أمام بوابة البنات في الجامعة.
ـ قال فارس: والله سخافة، كيف ترضي على نفسك كده، تشوف واحد يعاكس أختك بنفس طريقتك؟!
ـ قال آخر: آه.. دخلنا في الجد، ((فارس)) خلاَّها دراما.
ـ قال مروان: ولا دراما، ولا حاجة، ((فارس)) معاه حق، بيتكلم بالمنطق.
ـ قال صديق رابع وهو يسخر: تعرف إيه عن المنطق؟!
ـ قال فارس. اتفضلوا على العشاء.. علشان تنكتموا يا عيال ((صُيَّع))!
أطفأ حارس ((الفيلا)) الإضاءة، وأقفل الباب بعد أن ودع ((خالد)) وابنه آخر الضيوف.
واسترخى ((فارس)) فوق سريره يحملق في الجدار تارة، وفي السقف تارة أخرى.. يسترجع حوار أصدقائه، وحوار صديق والده، ويحلم بحفلة أروع من هذه حين يحصل على البكالوريوس.
واستعاد انتباهه على صوت قرع باب غرفته، وأطلَّ وجه اخته ((عهد)) مبتسماً كعادتها، وهي تقول له.
ـ هاي، العريس مبسوط؟!
ـ عريس إيه؟.. بدري جداً.
ـ على فكرة.. أصحابك مؤدبين جداً.
ـ وإيه عرفك بأصحابي يا ((لمضة))؟!
ـ ما شاء الله.. أصواتهم واصلة لفوق هنا عندنا، وشفتهم لما خرجوا ((مزغودين)) من الضحك!
ـ وكمان شفتيهم؟!
ـ من البلكونة في الظلام، لازم أشوف أصحاب أخويا.
ـ عال.. وإيه كمان؟!
ـ اعطيني شريطي اللي أخذته علشان تسجِّله.
ـ ما سجلته. روحي نامي.
ـ لازم تكون فرحان، إنت مكشّر وعابس ليه؟!
ـ تعبان. تصبحي على خير.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1089  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 100 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الرابع - النثر - مقالات منوعة في الفكر والمجتمع: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج