شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بعاد كنتم...!؟
لاحظ ((خالد)) أن زوجته شاردة الذهن منذ جلسا أمام التلفاز، وذهب ((فارس)) و((عهد)) للنوم. كان يراقبها من مجلسه وهي صامتة.. يفيض وجهها بتعبير الحزن.
كان كل منهما يحاول أن يشعر الآخر أنه يتابع برامج التلفاز.. وفي الرأس زحام من الأفكار والخواطر.
((إلهام)).. تعتقد أن زوجها مندمج مع البرامج، ومنشغل عنها..
فلا يلحظ شرودها.
و((خالد)) يراقبها متلصص النظرات.. حائر الأجوبة عن أسباب انشغال زوجته.
ومر وقت طويل.. يغرق في هذا الصمت ويغرقهما.
وكأن ((إلهام)) تنبَّهت بعد سرحتها الطويلة، فقامت من مقعدها.. تقول لزوجها:
ـ عن إذنك.. أنا متعبة وأريد أن أنام.
ـ لكن الوقت بدري.. خلِّينا نسهر مع بعض.
ـ معليش يا خالد.. تعبانة.
ـ تعبانة من إيه؟
ـ من إيه يعني؟.. ما إنت عارف.
ـ لأ ما أعرف.. اللي ظاهر على وجهك إنه تعب نفسي.
ـ طبيب نفساني حضرتك؟!
ـ باتكلم بجد.. مالك يا ((إلهام)) من ساعة وأنا أراقبك.. سرحانة في إيه؟!
ـ بأحب!
ـ والشخص ده موجود هنا؟!
ـ بالطبع لأ؟
ـ عارف.
ـ عارف إيه.. ما هو أنا أعرف أفكارك
ـ لأ.. أنا أثق فيك، إنما عارف أسباب تعبك النفسي.
ـ طيب من فضلك.. خليني أروح أنام.
ـ حتى الكلام معايا أصبح ثقيل عليكي؟!
ـ ليه تقول كده يا خالد.. إنما الواحد أحياناً بيكون متضايق حتى من نفسه. حالة يعني وتعدي.
ـ طيب صارحيني.. أنا زوجك حبيبك.
ـ باحب راجل كبير في السن.. شعره أبيض وعجوز، ووحشني جداً.
ـ وأنا كمان باحبه، ووحشني.. تعرفي إني أعتبره والدي وله فضل عليَّ. على الأقل وافق إنه يزوجك لي. بذمتك ما ينحب؟!
انخرطت ((إلهام)) في البكاء فجأة بنشيج.
أخذها إلى صدره واحتضنها، ويده تمسح على شعرها.. يحاول تهدئتها.
جاءه صوتها المختلط بالدموع والنشيج:
ـ أبويا وحشني يا خالد.. وأمي وحشتني، وعيلتي، وحارتنا، وبلدنا، وصديقاتي.
ـ هدئي نفسك.. امسحي دموعك، والا أنا اللي أمسحها.. دي من وظائف الزوج!
رفعت رأسها إلى وجهه. ابتسمت من خلال لمعان الدموع المنسابة فوق خديها. جذبته إلى صدرها بقوة، وبالنبرة الباكية قالت:
ـ أنا أحبك يا خالد. أنت تعرف. أحب حنانك.. لكني أشعر بإني أتهاوى في الغربة.
ـ يا حبيبتي.. نحن بنكلم بابا وماما في الأسبوع كم مرة؟
ـ ما هو كفاية يا((خالد)).. وحشني حضن بابا، وحشني حنان أمي.. حتى الأولاد يا ((خالد)) زي الأيتام.. كل يوم يسألوني: متى نرجع؟
مسح ((خالد)) دموع زوجته. استكانت ((إلهام)) على صدر زوجها مثل قطة أليفة، ودموعها تبلل صدره، وقد خفت نشيجها، وهي تحوطه بذراعيها ورأسها يحفر ضلوعه من فوق الصدر.
ـ قال لها: لاحظت عليك تعبك النفسي من أيام طويلة. ترددت أن أسألك خوفاً من دموعك هذه. تعرفي إني لا أطيق رؤية دموعك.
ـ قالت: يا حبيبي..
ـ قال: ما رضيت أخبرك عملت إيه.. حتى أتلقى الأجابة.
ـ قالت: إجابة إيه.. وعملت إيه؟!
ـ قال: كتبت للشركة في جدة. قلت لهم في رسالتي: كفاية غربة لمدة عامين.. إما أن تعيدوني، أو تقبلوا استقالتي.
ـ قالت: لأ يا ((خالد)) بلاش الاستقالة.
ـ قال: ونجلس هنا سنة ثانية أو سنتين؟!
ـ قالت: أنا عارفة؟!.. يا رب يرجعوك.
ـ قال: ما هي مشكلة. شهادتي معي، والعمل في كل مكان لمن يبحث.
ـ قالت: يعني أنا السبب؟!
ـ قال: بالعكس.. أنا أشعر بالملل وبالغربة، وشايفك وشايف فارس وعهد. خلاص كفاية.
انقضى نهار اليوم التالي سريعاً.. فقد خرجت ((إلهام)) إلى السوق تشتري هدايا لأمها وأبيها وصديقاتها. قال لها زوجها ليلة البارحة:
ـ من بكرة.. انزلي السوق وابدئي في شراء هداياك، وسأرتب سفرك مع الأولاد خلال هذا الأسبوع. وأنا سألحق بكم بمجرد أن أنهي أعمالي، وأسلِّم فرع الشركة للقادم الجديد!
كانت سعادتها تشق صدرها الصغير.. دخلت كل المعارض والمحلات، ومشت طوال اليوم حتى شعرت أن قدميها يئنَّان من التعب. لم تعد إلا آخر النهار. جلست في كافتيريا وتناولت سندويتشاً وكوب عصير، وواصلت جولتها.
كان الفرح يدفعها، والتعب مؤجل إلى حين عودتها الى البيت. وثقلت عليها. الأحمال من الأكياس. وقررت أن تعود وتستأنف شراء ما تبقى في اليوم التالي.
سألها ((خالد)) بعد التئام شملهما في البيت:
ـ هل أنهيت شراء كل شيء؟!
ـ أجابت: الهدايا فقط!
ـ قال: وإيه تاني؟!
ـ قالت: باقي يا حبيبي اشتري ملابس للأولاد، وكم فستان آخر صيحة، دي باريس يا خلدون!
ـ قال: آه..... والميزانية طارت؟
ـ قالت: ولازم تاخد كم بدلة يا حبيبي لك؟!
ـ قال: افتكرت يعني؟
ـ قالت: أنا كم خالد عندي؟.. إنما تعرف أن ((باريس)) نار في الأسعار، يا لطيف.. لازم يرصد لها الواحد ميزانية مستقلة.
ـ قال: علشان كده بأسأل.. كم باقي؟!
ـ قالت: ولا يهمك.. راح تلاقي كم فرنك للمطار!
ـ قال صائحاً: آه يا راسي..- آه يا جيبي.
ومع ارتفاع صوت ((خالد)) صائحاً.. تراكض ((فارس)) و((عهد)) إليهما. و((فارس)) يسأل والده فزعاً:
ـ إيه.. مالك يا بابا.. راسك بيوجعك؟!
ـ لأ يا حبيبي.. جيبي.
ـ هو الجيب. يجيله صداع؟!
ـ نعم يا حبيبي.. صداع نسواني!
ـ قالت عهد: طيب يا بابا قول للخيَّاط ما يعمل لك جيب !!
ـ قال فارس: يا عبيطة.. افهمي كلام الرجال!
ـ سألت عهد: كلام الرجال بجيب؟!
ـ قال والدها: لأ يا نص شبر.. كلام الرجال يروح في جيب النساء!
ـ سألت عهد أمها: وإنت جيبك فين. يا ماما؟!
ـ أجاب والدها: في السوق يا حبيبتي!
ـ قال فارس: هيه.. ماما اشترت لنا ملابس!
وصمت ((فارس)) قليلاً.. ثم التفت إلى أمه يستفسر:
ـ لكن إيه المناسبة.. رايحين حفلة، وإيه الملابس دي كلها.. إنتو فكرتو تفتحوا محل؟!
ـ قال خالد لزوجته: الحمد لله.. اسمعي يا ست الحسن ولدك بيقول إيه؟
ـ قالت إلهام لفارس: دي يا حبيبي هدايا لجدو ولستو ولخالتك، و........
ـ قاطعها فارس: رايحين ترسلوها مع مين.. والا جايين عندنا؟
ـ قالت إلهام: لأ.. نحن اللي رايحين لهم!
وتقافز ((فارس)) و((عهد)) في وسط الغرفة يرددان بصوت واحد:
ـ هيه.. هيه.. رايحين بلدنا.
ـ سألهما خالد: إنتو فرحانين لهادي الدرجة؟!
ـ قال فارس: يا شيخ بلا باريس بلا غم.. دا حتى قرص العيش حقهم طويل وناشف زي العصايا.
ـ قالت عهد: دول بياكلوا لحم خنزير.
ـ قال فارس: بابا... إنت زعلان؟!
ـ سأله والده: وأزعل من إيه.. فيه أحد يرجع لبلده ويزعل؟!
ـ رد فارس: ظنيت.. علشان في الشركة اللي في بلدنا ما في سكرتيرات!
نهره والده وهو يبتسم. ابتسمت ((إلهام)) وعلقت:
ـ ولدك عارفك.
ـ قال فارس: لكن بابا مؤدَّب.. أنا رحت معاه الشركة وشفته يضحك بس!
ـ قالت عهد: ماما.. حتكلمي جدو بالفرنساوي علشان يعرف إنك نجحت وأخدت شهادة؟!
التقت نظرات ((إلهام)) و((خالد)) من خلال هذا الحوار العفوي مع ((فارس)) و((عهد)).
ابتسما سعيدين بفرحة ابنيهما.. وانطلق ((فارس)) و((عهد)) إلى غرفتهما يتقافزان ويغنيان بصوت مرتفع ((أبعاد كنتو والا قريبين))؟!
انزلقت دمعة من عيني ((إلهام)) مع اتساع ابتسامتها. اقتربت من زوجها وأحاطته بذراعها:
ـ شكراً لك يا خالد!
ـ على إيه.. على الصحيح؟!
ـ متى حجزت لنا.. ما قلت لي؟
ـ بعد يومين.
ـ وساكت يا أبو الهول؟!
ـ قلت أخليها مفاجأة.
ـ وإنت.. متى ترجع؟!
ـ الشركة بعثت لي جواب اليوم. وافقت على إعادتي للمركز الرئيسي وتعيين زميل آخر!
ـ يا برودك يا أخي.. وساكت؟!
ـ إنما راح أتأخر شوية حتى يحضر زميلي ويستلم مني المكتب.
ـ فرصة يا عم.. لوحدك في باريس من غير الحكومة!
ـ بالعكس.. راح توحشوني. البيت ده اللي مليان بعد يومين يتحول إلى بيت عنكبوت.
ـ طيب نجلس معاك حتى تخلص شغلك.
ـ لأ.. الأولاد فرحوا.. شفت السعادة على وجههم كيف كانت؟!
ـ أكلمك كل يوم، واطمئن عليك.
ـ أنا أكلمكم من الشركة. المهم.. أوراق المدارس لا تنسيها، ومع بداية العام الدراسي ينتظم الأولاد في المدرسة.
ـ يعني إنت تغيب كتير، ونحن في العطلة المدرسية.
ـ خلي بالك من فارس وعهد.
ـ أنا أخلي بالي حتى منك رغم إني هناك، لكني معاك هنا بقلبي.
ـ والديكور.. والمكتب؟!
ـ الحياة حلوة يا ((خالد)) في نظر اثنين بيحبوا بعض.
ـ هو أنا بأحبك بعقل؟!
ـ أجل.. بتحبني كيف؟!
ـ أنا أحياك.. شفت زوج يحيا في زوجته؟!
ـ معقول ياللي إنت زي كل الرجال؟!
ـ ها.. وبعدين؟!
ـ معقول يا حبيبي.. نحن خلينا الزواج شوق وحب، و.....
ـ قاطعها: ومناكفة.. يسموها ملح الطعام!
ـ يا ملحي إنت!
ـ إلهام... العشرة الطيبة احترام للحياة.
ـ يا فيلسوف الاحترام إنت! إنما العشرة بدون حب زي الحديقة اللي كل زهورها بدون رائحة.
ـ سمعت آخر نكتة يا إلهام؟!
ـ قول.
ـ بيقولك.. واحد ((حب)) طحنوه!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1109  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 99 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.