شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
إتفاق مثمر!
عاد ((خالد)) إلى منزله، بعد غياب ساعات أمضاها عند صديق له يعمل في باريس أكثر من خمس سنوات.
فتَّش عن ((فارس)) و((عهد)).. فوجدهما قد استغرقا في النوم.
سمع صوت التلفاز في غرفة الجلوس، ورأى زوجته ((إلهام)) في نهاية الغرفة، وقد مال رأسها على كتفها.
أطفأ جهاز التلفاز، وأيقظ زوجته التي فزعت حين لمس يدها لينبهها. تطلعت إليه بفزع في النظرة الأولى. وجاءه صوتها غارقاً في النوم، وقلقاً بسبب يقظتها المفاجئة.
قالت له: لقد أفزعتني.
آسف.. إنت نائمة داخل الكنبة.
اتأخرت كتير.. فين كنت؟
عند واحد صاحبي.
اتعشيت؟
مالي نفس.
بس أنا جوعانة.
قومي المطبخ وحضِّري لك أكل.
وإنت؟
قلت لك مالي نفس.
ـ إنت برضك زعلان؟
ـ الموضوع ده خليه لبعدين.
ـ موضوع إيه.. إنت ما زلت تعتقد إني بالسهولة دي أقيم علاقة مع شخص آخر؟!
ـ المرأة عاطفية.
ـ عاطفية.. عاطفية، فلقتني.. اتحضَّر يا أخي شويه!
ـ الله يسامحك.. يعني أنا بدائي، من الغابة جاي؟
ـ ما أقصد.. لكني أحبك إنت، ومن المستحيل إن المرأة العاطفية دي اللي بتقول عليها.. تحب رجلاً آخر. افهمني يا خالد... أرجوك.
ـ طيب واللي انزلق. به لسانك؟!
ـ مفيش انزلاق يا حبيبي. أنا كان لازم أحكي لك كل حاجة.
ـ وليه ما حكيتي من يوم ما عدت؟!
ـ نسيت.. لأن الموضوع كله لا قيمة له عندي، شيء عادي. بعدين صارحني بالله عليك.. إنت زعلت لما قلت لك اتكلمت مع شاب زميلي في دراسة اللغة الفرنسية.. يا ترى ما يحق لي أزعل أنا- في المقابل يعني- وأنا أعرف إنك في اليوم الواحد بتتكلم مع نساء كثيرات معك في العمل. إيه.. حرام عليَّ، وحلال عليك؟!
ـ لكن... النساء اللي بتقولي عليهم زميلات في العمل، والعمل يفرض كده.
ـ خلاص.. والشاب اللي فالقك زميل لي في الدراسة، والزمالة تفرض كده.
ـ إحنا في مناظرة؟
ـ لأ.. إحنا في غيرة سمجة، مالها لزوم. بعدين النساء اللي بتقول عليهم لا بد واحدة فيهم حلوة.. اتنين.. تلاتة. نحن في باريس، أيها الرجل الشرقي!
ـ بأي طريقة ترغبي إنك تهزميني!
ـ لأ.. أرغب إني أقنعك، وأغسل الأوهام، وأثبت لك حبي.
ـ صحيح بتحبيني يا إلهام؟!
ـ لأ... أنا باموت فيك. قل لي يا أستاذ.. مين صاحبك اللي رحت عنده، والا يكون الصاحب... مؤنَّث؟!
ـ يا شيخة.. أنا رجل مستقيم!
ـ ونِعِمْ!.. نحن النساء لما نحب رجل ما نلتفت لغيره، الباقي عليكم يا رجال.. تلاقي الواحد حتى لو كان بيحب المرأة اللي اختارها بصحيح.. إنما برضه يبصبص!
ـ لأ.. دي تهمة ظالمة.. دي أشياء شاذة!
ـ شاذة؟!
ـ نعم.. بدليل إني أنا في كل هذا الزحام من الفاتنات الكاسيات.. لا تلفت نظري إلا أنثى واحدة!
ـ الله يعين الصادق.
ـ أثبت لك كيف؟
ـ أعرف إنك تحبني، إنما لا أعرف بكره تعمل إيه؟
ـ أيوه.. براعة خبيثة منك، قلبت الموضوع لصالحك، كالعادة!
ـ تعال نتعشى.
ـ إيه رأيك لو نخرج نتعشى بره؟!
ـ يا مجنون.. والأولاد نخليهم عند مين؟
ـ ناموا.. شفتهم لما جيت، وغطيتهم كمان.
ـ ما هو كفاية.. بالذات ((عهد)) تصحى وتبحث عني، بعدين تخاف.
ـ لا تعقِّدي الأمور.
ـ معليش.. أعمل لك العشاء إللي تشتهيه، وبكره نروح وناخد فارس وعهد.
ـ أمري لله.. أصلي ماني أم!
ـ خالد!
ـ نعم.. رجعتي في كلامك؟
ـ لأ.. بدي أسألك: خلاص صالحتني؟
ـ ما أقدر!
ـ ما تقدر تصالحني؟
ـ لأ.. ما أقدر على زعلك. شفت باحبك قد إيه؟
ـ لأ ما شفت.. سمعت!
ـ طيب تعالي.. أثبت لك.
ـ يا مجنون.. أنا جوعانة، خليني أحضر العشا.
أعاد ((خالد)) فتح جهاز التلفاز، بينما زوجته انشغلت بتحضير العشاء، واندمج هو في مشاهدة حلقة بوليسية.. فلم يشعر بعودة زوجته من المطبخ، وبمائدة الطعام.
ـ سألته إلهام: مشوقة الحلقة؟
ـ كالعادة.. إثارة، وبعدين يمسكوا القاتل.
ـ يخيل لي أن الجريمة أصبحت في دم العالم ده.. إلى درجة أن أفلام الرعب والمسلسلات البوليسية في رأيهم من أنواع التسلية.. حتى الأطفال يشاهدوها!
ـ صحيح.. وحكاية ((القفلة)) الدائمة بالقبض على المجرم في نهاية الحلقة أو الفيلم.. شيء في الأفلام، لكن في الواقع.. غالباً ما يعجز بوليسهم الذكي جداً عن معرفة المجرم.
ـ والله أنا خايفة على فارس بالذات، وعلى عهد كمان.. يعني نحن كنا في بلدنا نخاف على أولادنا من الفيديو.. هنا كل شيء متوفِّر على شاشة التلفزيون، وخلف الباب كمان!
ـ لا تخافي.. التربية توجه، المهم لا نهملهم، وفلوس ما عندنا لإغراء المجرمين.
ـ صحيح.. لكن همي أكبر من كده!
ـ تقصدي إيه؟!
ـ أقصد أن الجريمة هنا ما هي تمثيل. ومن هنا خوفي ينبع!
ـ طيب نعمل إيه.. نرجع بلدنا يعني، ومالنا إلاَّ شهور؟
ـ والله شيء يحير ويقلق يا خالد.
ـ وبعدين.. كيف نسافر، ونترك ((قاسم)) بيه؟
ـ أيها الاستفزازي؟
ـ أمزح!
ـ لأ.. راح تعملها حكاية، وكل شوية تنط بالحكاية، والله أزعل بجد.
ـ خلاص.. لكن حكاية العودة لبلدنا صعبة الآن، بعدين إنت بتستفيدي من تعلم اللغة الفرنسية. سمعتك أمس بتتكلمي مع جارتك في الممر.
ـ يعني.. مثل الخواجه اللي يتكلم عربي.
ـ إنما نطقك للفرنسية حلو.
ـ طبعاً يا أستاذ.. إنها لغة الحضارة والثقافة، وأنا مثقفة، حضارية!
ـ بس بيقولوا إنها لغة البنات أيضاً!
ـ ومالو؟.. كل كلام البنات حلو.
ـ كده ضيعت متابعتي لأحداث الحلقة؟
ـ يا سيدي.. المهم إن ولدك ((فارس)) بدأ يتكلم فرنساوي!
ـ جني الولد ده!
ـ باسم الله عليه.. ما تقول كده، ما يحسد الأنسان إلا أهله!
ـ بتتكلمي مثل ستي يا فرنسية اللغة!
ـ عارف يا خالد.. جارتنا الفرنسية اللي شفتها بتتكلم معايا، طلبت مني أعلمها اللغة العربية، وهي تساعدني بالمحادثة على تقوية لغتي الفرنسية.
ـ عال.. أول إتفاق مثمر يتم بين أوروبا والعرب!
ـ اتفاق إيه.. أوروبا لازم تاخد في المقابل، والفرنسية دي بتاخد تعليم لغة عربية.
ـ - معليش.. إنت أيضاً بتقوِّي لغتك معاها.
ـ على رأيك.. لكن ما حكيت لي إنت كنت فين من يوم ما خرجت من البيت؟
ـ قلت لك يا ستي كنت عند واحد صاحبي!
ـ أيوه.. مين. فرنساوي والا عربي؟
ـ ليه؟!
ـ ليه إيه؟.. أنا زوجتك ولازم أعرف كنت فين!
ـ دكتاتورية دي. وما هو من المفروض على الرجل إنه يقول لزوجته كل حاجة!
ـ بس نحن ما بيننا أسرار يا حبيبي!
ـ أيوه.. لقد رقت كلماتك. ثم إني كنت زعلان منك، وهذا كان في الوقت الضائع.
ـ الوقت الضائع عند الرجل.. يعني ((خلبصة))!
ـ هيا محاكمة والا إيه؟
ـ لأ.. إثبات البراءة!
ـ كنت عند صديقي ((عمرو)).. إنت تعرفيه، اللي بيعمل في السفارة.
ـ في البيت؟!
ـ أجل في البار؟!
ـ طيب.. لا تحمق كده، وطبعاً شكيت له مني، وزوجته سمعت، والا ما سمعت، هو راح يعطيها التفاصيل.
ـ أولاً: أنا يا سيدتي لست من هذا النوع، وما أطلع أسرار بيتي للخارج، هذه شؤون داخلية!
ـ وصاحبك شؤون خارجية، والاَّ ثقافية فنية؟!
ـ المهم إني لا أسمح لنفسي بنشر غسيلنا في بلكونة الآخرين!
ـ أحبك!
ـ لوحدها ما تكفي. قومي ننام، أنا تعبان.
ـ إن شاء الله تستمر تعبان حتى تستغرق في النوم!
ـ ما هو من قلبك.
ـ يا انتهازي!!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1086  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 96 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.