شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
شنب الست!
حمل ((خالد)) ابنته ((عهد)) بين ذراعيه، وأخذ يدور بها، ويقذفها إلى أعلى وهي تقهقه، ثم سقطت على صدره متشبثة برقبته. ضمها إليه وهو يقبِّلها، و ((عهد)) متذمرة تحاول الخلاص من ذراعيه، تقول له:
ـ كفاية يا بابا.. كفاية.
ـ قال لها والدها: إشمعنى ماما لما تبوسك تدخلي في حضنها أكثر يا شقية؟!
ـ قالت: أصل ماما ما عندها ذقن زيك.. ذقنك بتشوكني، وشنبك فظيع. قصه يا بابا.. أحلق ذقنك يا بابا.
ـ بس أنا راجل، وكل رجل عنده شنب وذقن!
ـ لكن ماما ما عندها.. خليك زي ماما!
ـ الستات ما يطلع شعر في وجههم.
ـ قالت عهد: ليه يا بابا؟!
ـ قال: علشان يستمر شكلهم حلو!!
ـ قالت: بس أنت شكلك حلو.. إنما شعرك فضيع يا ساتر. تطلع ((خالد)) إلى زوجته، واستغرق يضحك بقهقهة عالية، و ((إلهام)) مندهشة من حركة زوجها. سألته:
ـ إنت بتضحك ليه؟!
ـ أبداً.. باتصورك لو كنت بذقن وشنب!
ياسم.. دمك تقيل.
ـ تعرفي لوحة ((الجيوكنده))،؟.. مرة واحد زاد عليها شنب مفتول يوقف عليه الصقر. وكان منظرها يهلك من الضحك، ولو شافها ((دافنشي)) الرسام اللي رسمها كان اعتذر عن رسمها!!
ـ قالت: لازم رجل حاقد اللي أضاف الشنب!
انفلتت ((عهد)) من ذراعي والدها، واختفت في غرفة نوم والديها، و ((فارس)) كان يصغي إلى حديث أمه مع أبيه، فقال:
ـ يعني يا بابا.. لازم الشنب والذقن؟
ـ قال والده: ضروري يا حبيبي.
ـ سأل والده: ومين اللي قال ((ضروري يا حبيبي))؟!
ـ أجابه والده: الإسلام علمنا كده، والنبي (ص.ع.س.) قال: (حفوا الشوارب واعفوا اللحى)!
ـ قال فارس: يعني إيه.. ما هو عمي ما عنده لا ذقن ولا شنب؟!
ـ معنى العبارة.. احلقوا الشوارب، وربوا اللحية.
ـ قال فارس: طيب خلاص.. احلق شنبك!
ـ قال خالد: وبعدين؟.. إنت أسئلتك كتيرة وبايخة يا ((فارس))!
قام ((فارس)) عاتباً على أبيه، واتجه نحو غرفته. قالت إلهام:
ـ كده زعّلت الولد؟!
ـ أقول له إيه.. مايبطّل أسئلة.
ـ طيب ومالو؟.. ما هو أنت قلت إن الطفل اللي يسأل كتير ذكي.. تزعل ليه؟!
ـ طبعاً.. فرصة تقطّمي.. فين ((عهد))؟.. يا عهد.
دخلت ((عهد)) وقد ارتدت شماغ والدها على رأسها وعقاله، نظر خالد وإلهام إلى وجهها وقهقها معاً. قالت إلهام:
ـ إيه ده إللي عملتيه في نفسك؟!
ـ قالت عهد: دا شنب، ودي ذقن.. شوفي شكلي حلو يا ماما؟!
ـ قالت إلهام: إنت أخذت قلم الحواجب واشتغلت في نفسك؟!
عاد ((فارس)) يتقافز ضاحكاً وهو يردد:
ـ عهد صارت ولد.. عهد ولد!
هدأت حركة البيت، وكاد الليل أن ينتصف.
دخلت ((إلهام)) إلى غرفة النوم، لتجد زوجها وقد عقد كفيه خلف رأسه يبحلق في سقف الغرفة شارداً.
ـ قالت إلهام: بتستوحي قصيدة شعر؟!
ـ معقول.. وإنت بعيدة عني؟
ـ يا بكَّاش.. سرحان في إيه؟!
ـ نام فارس، ونامت عهد؟!
ـ في سابع نومه.. يا الله، أنا اتهديت!
ـ ليه ((عائشة)) راحت فين؟!
ـ يا أخي حرام.. عائشة طول النهار كانت تغسل، وبعدين نظَّفت المطبخ والصحون، لازم نكون رحماء.
ـ ما شاء الله.. ربنا يديم الرحمة!
ـ قصدك إيه؟ أنا ما كنت في يوم من النوع اللي يذل الخادمات ويقسو عليهم.
ـ ما قصدت. خلاص لا تضيعي لي سرحاني.
ـ أيوه قول.. سرحان في إيه؟! اصح تقول فيكي، والأولاد، والعمل.
ـ لأ.... افتكرت طفولتي!
ـ يا ستو!.. ما هو إنت ما زلت طفل.
ـ أحياناً.. لما أكون معاكي، لكني بجد سرحت في أيام زمان زمان.
ـ ليه.. إنت عمرك كم، لا تفجعني؟!
ـ والدي كان يحكي لي وأنا حصلت شيء من ملامح طفولة زمان.. يعني أنا جيت في الجيل اللي يسموه: جيل الانتقال من عصر إلى عصر، ومن البساطة إلى تعقيد الحياة.
ـ وإيه اللي ذكرك؟!
ـ أسئلة ((فارس)) و ((عهد)) والمماحكة، والإصرار على معرفة كل شيء. تعرفي.. في طفولتنا، لما كان الطفل مننا يسأل أهله أقل من أسئلة ((فارس)) يصرخوا في وجهه، وغيرسوه. مرة يقولوا له: عيب، ومرة ما يخلوه يكمل السؤال، ومرة يضربوه لأنه سأل مثلاً: أنا من فين جيت؟!
ـ صحيح.. إنما الدنيا اتغيرت، والوعي انتشر.
ـ كنت أنزل ألعب في الحارة، ولكن لازم أرجع إلى البيت قبل أذان المغرب، ولو اتأخرت لازم آكل علقة يسمعوا فيها صوتي الجيران. أرجع وثيابي وسخة والتراب في شعري، وفي جيوبي ((الكبوش))!
ـ كبوش إيه؟!
ـ طبعاً.. إنت زغنونه ومن باريس. دي عظام من الحروف نجمعها ونلعب بها. وبعد صلاة المغرب.. خلاص لازم ندخل الحمام ونتنظف، ونبدل ملابسنا، ونتعشى، وننام.
ـ إنما إنت يعني ما حصلت كل ده؟!
ـ بعضه، أو آخره. كان والدي يحكي لي، لما كان ينام مع إخوانه.. يرصوهم بجانب بعض على لحاف واحد، ويغطوهم بغطاء واحد، ويتعانق الأخوان سعداء!
ـ وي.. ينام الأولاد مع البنات؟!
ـ أيوه.. بالنية، والعيون المغمضة.. ما هو مثل الآن، ولد مفعوص يعرف رقصات ((مايكل جاكسون)) وطفل الأنابيب!
ـ والزوجة!... كيف كانت في عصر الحريم؟!
ـ الزوجة كانت عظيمة!
ـ نعم.. يعني إحنا إيه؟!
ـ العفو.. تاج راسنا، بلاش نغلط، تعالي ننام!
ـ لأ.. احكي لي.
ـ طبعاً ماكان عند الزوجة الوسائل الحديثة والأدوات العصرية.. لا ثلاجة، ولا غسالة بالكهرباء، ولا مطحنة، ولا مكنسة.. كله باليد. وما كانت الزوجة تحدِّد النسل، بل كان الزواج سباقاً.. مين ينجب أكثر وهو الشاطر!
ـ تفريخ يعني؟!
ـ يمكن.. إنما النيات طيبة، والنفوس مرتاحة في البساطة والقناعة. كانت المرأة: زوجة، وأم، ومربية، ومديرة منزل، وطباخة وخادمة، وقبل أذان المغرب تبدل ملابس العمل، وتتزين وتتعطر!
ـ عطر باريسي؟!
ـ لأ.. عطر عربي، حتى أنفاسها عربية.
ـ ليه.. أنا أنفاسي يهودية؟!
ـ إنت بدك خناق بأي طريقة؟!
ـ ما هو كلامك؟
ـ يا ستي لا تدقي.. ده كان عصر جدتي، يمكن أمي كمان ما حصلته.. لكن تشعري فيه بالصدق، وبالنقاء!
ـ معناه إيه الكلام ده؟.. بدك نرجع للعصر القديم، يعني للتأخر، وللفقر، ولتسلط الرجل على المرأة، ولأخطاء تربية الأطفال؟!
ـ ما قصدت العودة إلى السلبيات، إنما كان في عصرهم إيجابيات أجمل من إيجابيات عصرنا: التماسك. التراحم. التوادد. الطيبة. البساطة. الحب. عارفة يا ((إلهام))...
لم ترد عليه، التفت نحوها متسائلاً:
ـ إنت نمت والا إيه.. إلهام؟!
ـ أجابت: لأ يا خالد، ما نمت، إنما سرحت معاك شوية!
ـ غريبة.. من دقيقة كنت من حزب المعارضة؟
ـ معارضة التأخر والأخطاء، والفقر والجهل.. لكني سرحت في كلامك عن الحب والتماسك والتراحم، والطيبة، والبساطة.. تعرف إن عصرنا المادي ده سلب منا أعظم الكنوز الإنسانية.. يمكن أقلها: البساطة، كل شيء أصبحنا نغالي فيه، والأشياء اتعقدت أكثر.. يعني عصر ((اللوغرتمات)) المعقدَّة.
ـ وما تبغيني أخاف على الأطفال بكره؟!
ـ كل جيل. يتجانس مع زمنه وعصره.
ـ أنا أتخيَّل أيضاً أطفال نزحوا من ديارهم بسبب الحروب، والتشرد.
ـ ألمانيا في فترة يا ((خالد)) كانت أمام كارثة.. أطفال بلا آباء، ونساء بلا أزواج، ومع ذلك صنعوا الغد، وطلعوا من تحت الركام!
ـ عالم الغرب يختلف على سبيل المثال عن عالم أطفال لبنان، أو فلسطين.
ـ يوه.. دخلنا في السياسة.. الشعوب تعاني، ولكن الإرادة تنتصر.
ـ ياه.. دخلنا في الفلسفة.
ـ وبعدين معاك؟.. جاني النوم.
ـ وأنا طل القمر على وجهي.. فكيف ينام ((قيس)) يا ليلى؟!
ـ قيس الصحراوي، والا ربيب المكيف. والمخدة النعام؟!
ـ مهما كانت نعومة المخدة.. بدون ليلى يبقى قيس هو الصحراوي.
ـ وليلى بجانبك.. ما وراء قيس؟!
ـ أمامي وليس ورائي.. ما في بيتنا نار!
ـ إتخمد.. والا أصحي لك ((فارس)) ينازلك!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1328  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 88 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ترجمة حياة محمد حسن فقي

[السنوات الأولى: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج