((فارس)) في صاروخ!؟ |
حين فتح ((خالد)) باب الفيلا الداخلي.. تناهى إلى سمعه صوت ((فارس)) وهو يبكي، مختلطاً بصوت أخته ((عهد)).. كأنهما اتفقا على ((وصلة)) بكاء تم توقيتها مع دخوله إلى بيته. |
هرع إلى الداخل يتساءل.. باحثاً عن زوجته، حتى وجدها تحضن ((فارس)) وتمسح شعر رأسه وتقبِّله.. بينما كانت ((عهد)) محمولة فوق كتف الخادمة التي تطوف بها أرجاء البيت. |
وأوجس أن شيئاً غير عادي يحدث الآن.. فقد تعود من ابنهما ((فارس)) أنه حين تكون أخته ((عهد)) تصرخ باكية.. ينظر إليها. ويقترب منها مربتاً عليها، ولو كان يبكي.. فإنه يكف عن البكاء. |
سأل زوجته عن هذا الأمر. قالت: |
ـ تعطل التيَّار الكهربائي لمدة ساعة، ولا بد أن ((عهد)) افتقدت هواء التكييف البارد.. تقول إحنا ولدناها في سيبيريا.. بس، راحت تبكي. |
ـ سألها: وفارس.. بيبكي ليه؟! |
ـ قالت: من بعد الظهر بعد ما خرجت وهو لازم كلمة واحدة.. أبغى المراجيح.. أبغى البحر، ولما شاف أخته تبكي، اتضامن معاها.. وأنا اللي أعاني لوحدي!. |
احتضن ابنه، ومسح على شعر رأسه، قائلاً: |
ـ خلاص لا تبكي.. الآن نروح المراجيح أما البحر ما أحد يروح عنده في الليل.. يوم الخميس نروح البحر. قوم مع أمك علشان تلبس. |
وانطلق ((فارس)) يتقافز، وهو يقود أمه خلفه لتبدِّل له ملابسه. |
في السيارة.. التفت ((خالد)) يسأل زوجته: |
ـ نروح فين؟! |
ـ بتسألني؟.. المراجيح، وفيه غيرها؟! |
ـ أخاف عليه من السقوط، أو من خبطة؟ |
ـ إحنا معاه ننتبه له.. يعني نروح فين؟ |
ـ الترفيه للطفل مهم جداً.. في اليابان بيقفلوا شوارع علشان ينطلقوا الأطفال فيها بحريتهم، ويختلطوا، ويشاركوا بعض في اللعب. شوفي مساحة الرقعة اللي فيها المراجيح صغيرة كيف.. وزحام شديد، بينما الأطفال يحتاجوا لمساحات كبيرة للترفيه. |
ـ يعني.. عدد السيارات في الدول العربية يمكن أكتر من عدد الناس! |
ـ والأطفال ما يلاقوا أماكن يجروا فيها ويلعبوا. |
ـ برضه نحمد الله.. في أماكن تانية، الأطفال بيموتوا. أنا قرأت أمس أن خمسة ملايين طفل أفريقي راح يموتوا في هادا العام 86، وعدد زيهم يصابوا بعاهات دائمة نتيجة سوء التغذية والجوع والأمراض. |
ـ هذا بالاضافة إلى الأطفال اللي بتحصدهم الحرب والكوارث.. يعني. قالوا: إنه ريع صفقة واحدة من صفقات السلاح اللي بتبرم على جثث الأطفال تكفي لإطعام بضعة آلاف من أطفال العالم الجياع! |
ـ بس يا شيخ من السيرة دي.. ربنا يتولاهم بعنايته. نحن صحيح في خير، إنما الإنسان يطمع في مناخ أحسن وإمكانيات متوافرة لترفيه الأطفال. |
ـ نحن وصلنا إلى ((اللونابارك)).. يا الله يا فارس.. تركب المرجيحة؟ |
ـ قال فارس: لأ.. ما بدي! |
ارتسمت الدهشة على وجهي الأم والأب.. سألاه بصوت واحد: |
ـ ليه.. إنت طلعتنا من البيت علشان المراجيح؟! |
ـ قال: جوه فيه حرب! |
ـ قال والده: حرب إيه.. شوف الأطفال بيتمرجحوا؟ |
ـ قال فارس: إنت وماما بتقولوا كده. |
ـ قالت أمه: لأ يا حبيبي.. الكلام اللي سمعته ما هو في بلدنا، وكمان بعيد كتير. |
ـ قال فارس: طيب.. أركب السيارات علشان أصدم الأولاد التانيين. |
ـ قال والده: وليه العدوانية المبكرة دي.. المراجيح حلوة؟ |
أصر ((فارس)) على ركوب السيارات، وكان يبدو سعيداً، وهو يصدم بعربته العربات الأخرى، وصوته يتعالى ضاحكاً. |
ـ قالت إلهام: شوف ((عهد)) بتشاور بإيدها.. بدها تركب المراجيح، خلِّيني أطلعها المراجيح مع عائشة. |
ـ قال خالد: حتى المراجيح مع عائشة؟.. ما تطلعي إنت معاها؟ |
ـ قالت: وي.. اتمرجح؟! |
ـ قال: وفيها إيه.. تلاقيكي نفسك تعملي زي الأطفال.. حتى أنا أتمرجح. |
ـ قالت: وفارس.. نخليه لوحده؟ |
ـ قال: خلاص.. أنا مع فارس، وأنت مع عهد.. بس لاحظي، لا يقولوا لي بعد قليل إنك سقطت من المرجيحة! |
ضربته على يده وهي تضحك، وحملت ابنتها إلى المراجيح. |
وبقي ((خالد)) يراقب ابنه السعيد بنزهته، وبألعابه.. وفي سرحته وحده كان يتذكر ما نشرته إحدى المجلات الأجنبية عن ((أطفال الفضاء)).. فقد خدمت المجلة في ريبورتاجها فكرة تعود الأطفال في وقت مبكر على الفضاء، وضرورة توجيه الدعوة إلى أطفال في سن الرابعة والخامسة للصعود إلى مركبة فضاء ومشاهدتها من أجل التجربة الفعلية! |
حدث ((خالد)) نفسه: |
ـ لقد انتهى العالم الغربي المتحضر من مشكلات أماكن الترفيه ووسائل التربية، حتى بلغوا فكرة إنضاج ذهنية الطفل في وقت مبكِّر! |
جاءت ((إلهام)) تحمل طفلتها، وهي تتصبب عرقاً، وتلهث. و ((خالد)) ينظر إليها وهو يبتسم: |
ـ يظهر عليك التعب. ياه.. مرجيحة تتعبك؟.. شباب إيه، وكلام إيه؟ |
ـ يا خالد.. أنا ما تعودت. |
ـ والمرجيحة فيها تعود كمان؟.. إلاّ قولي شباب آخر زمن هفتان. شوفي أمريكا تفكِّر تطلع الأطفال إلى الفضاء، وطلعت امرأة إلى الفضاء، خليكم في الملوخية والكعب العالي! |
ـ بلاش تريقة.. فين فارس؟! |
ـ فارس نزل من السيارات، وجاءني يجري.. تصوري طلب إيه؟! |
ـ يمكن طلب يركب طائرة؟ |
ـ لأ.. قال لي بابا.. بدي صاروخ علشان أصادم به! |
ـ خلاص.. أرسله أمريكا.. |
ـ إنت حتقولي؟ إن شاء الله أرسله يدرس علم الفضاء. |
ـ بس خليه يكبر في الأول، ويدخل المدرسة. قوم بنا نرجع البيت، أنا تعبت. |
في العربة المتجهة بهم إلى المنزل.. قال ((خالد)) لزوجته: |
ـ تذكري أسئلة الأسبوع الماضي؟! |
ـ أسئلة إيه؟! |
ـ نسيتي؟.. اللي أحرجنا بها الأخ الجالس في المقعد الخلفي! |
ـ آه... خلاص قفّل، الأخ اللي ورا بيفهم والحمام بيلقط الحب! |
ـ حب إيه، وحمام إيه.. دا سألني سؤال يعرق قبل شوية! |
ـ سؤال إيه؟ |
ـ المهم.. شيء كده عن الأطفال برضه. قال لي هو فيه آباء بيبيعوا أطفالهم؟! |
ـ وقلت له إيه؟ |
ـ قلت له: لأ يا حبيبي.. مين قال لك؟! |
ـ ورد عليك بإيه؟! |
ـ رد وقال: في الفيديو شفت فيلم عن واحد ((بابا)) باع ولده، وأنا أبغاك تبيعني! |
ـ وطبعاً.. إنت عرقت؟! |
ـ لأ.. قلت له: اللي يبيعوا أولادهم ما يحبوهم، وأنا أحبك، فكيف أبيعك؟ قال لي: بيعني ل ((بابا)) تاني عنده مسبح، وعنده صاروخ يركبني فيه |
انطلقت قهقهات ((فارس)) من المقعد الخلفي في العربة، وقفز إلى المقدمة، وهو يقول لأمه ضاحكاً: |
ـ وآخد ماما معايا أعطيها ل ((بابا)) التاني! |
ـ قالت له أمه: بس أنا ما يمكن أترك بابا خالد.. أنا باحبه، أنت ما بتحبه؟! |
ـ قال: إلاّ باحبه علشان بيودِّيني المراجيح.. بس أنا بدي صاروخ! |
ـ قال خالد: الصاروخ لما تكبر.. في زمنك يا ولدي، من المحتمل أن الأب يهدي لولده بمناسبة النجاح طائرة، بدلاً من السيارة الآن! |
استلقت ((إلهام)) فوق سريرها، ورمت بشعرها الغزير على الوسادة، وأغمضت عينيها وهي تقول لزوجها: |
ـ كان يوم صعب.. صواريخ، ومراجيح، والله الولد ((فارس)) صحيح من جيل إلكتروني! |
ـ قال زوجها: أروي لك نكتة؟! |
ـ قالت وما زالت مغمضة العينين: قول.. يمكن أنام! |
ـ قال: سأل طفل أمه.. كيف جئت إلى الدنيا؟ فأجابته: لقيناك في وسط ((كرنبة)) في الحديقة، فسألها: وكيف جاء بابا؟ قالت: جاء به طائر أبيض كبير. سألها: وكيف جاء جدي؟ قالت: اشتروه من السوق.. فرد الطفل قائلاً: مدهش.. بذلك لم يولد واحد من أسرتنا بالطريقة الطبيعية منذ ثلاثة أجيال! |
استغرقت ((إلهام)) في ضحكة متواصلة.. ثم قالت لزوجها: |
ـ علشان كده.. فارس بيطالب بصاروخ! |
ـ وأنا عندي الآن طلب واحد... فقط لا غير! |
ـ إنت تهمد، وتغمض عينك.. حرام عليك إنت وأولادك! |
ـ بعدين أتزوج رائدة فضاء؟! |
ـ يا سيدي.. علشان تشوف القمر على حقيقته، وتنجب منها أطفال بالإلكترون! |
* * * |
|