شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
شعرها طويل
استغرق جلوس ((إلهام)) أمام المرآة أكثر من ساعة.. كانت أثناء ذلك تتزين، وتفرد شعرها. نظرت إلى شعرها وقد لاحظت أنه قد طال. ابتسمت سعيدة وهي ترى شعرها يطول، وقد فردته فوق ظهرها وعلى كتفيها. سيأتي ((خالد)) الآن وتدهشه المفاجأة.
إنها تبدو كعروس في ليلة جلوتها، وقد حرمت زوجها من رؤية شعرها وملاحظته فترة طويلة.. كانت تتهرب أثناءها من إطلاق سراح هذا الشعر أمام زوجها ليراه الليلة قد طال كما يحب.
احتملت وقتاً طويلاً كلمات زوجها الدبابيس. وهو يراها دائماً ترفع هذا الشعر، وتخفيه، أو تلفه، وكان يغمزها في بعض الأحيان قائلاً:
ـ إنتو كده يا ستات.. ما تتزيَّنوا للزوج، وإنما للسهرة وللمناسبات، والغريبة إنكم ستات مع بعض!
ـ كانت ترد عليه: الستات ينتقدوا بعض.. دي شعرها خشن، دي تسريحتها وحشة. دي تصبغ شعرها بلون الفستان والا ((المانكير))!
ابتسمت ((إلهام)) وهي تستعيد المواقف الاستفزازية منها لزوجها، ووقفت.. شدت حزام الفستان على وسطها، ووضعت عطرها. دخل عليها ((فارس)) في غرفتها.. ورأى شعر أمه المسدل الطويل، وأناقتها. سألها:
ماما.. إنت رايحة فين؟
قالت: ولا مكان ياحبيبي.. روح ألعب.
وعاد ((خالد)).. وجذب انتباهه تغيير ملحوظ في ترتيب البيت، . وفاحت رائحة العطر، و ((العود)) في أرجاء الدور كله. وفي ذهنه سؤال:
ـ ترى.. هل سيأتي إلينا ضيوف؟!
حين توسط غرفة النوم، وكان يهم بتبديل ملابسه.. أحس بحركة خلفه، وقبل أن يستدير، أحاطته يدا ((إلهام)) وقد أسندت رأسها على ظهره، وقالت:
ـ تحبني؟!
استدار نحوها، وفغر الفاه اندهاشاً، ثم صفَّر بشفتيه مبتسماً، يقول:
ـ إيه ده كله.. مين العروسة دي؟!
ـ قالت: حبيبتك.. زوجتك. كل سنة وأنت طيب!.
استقرت الكلمة بين ضلوعه، ثم ما لبث أن شعر برجفة هذه الضلوع. قال لها:
ـ وانت طيبة ياحبيبتي.. إيه المناسبة، اللهم؟!
ـ قالت: دايماً تنسى ذكرى ميلادك!
قال: ياه... والله كنت ناسي. و......
تطلع إلى وجهها، وإلى أناقتها وزينتها، وتوقف أمام شعرها المسدل، وقال:
ـ أنت فعلاً عروسة.. ده كله لي أنا، وفين كان الشعر الطويل ده اللي على الخدود يهفهف؟!
ـ قالت: كان مستخبِّي.. علشان تشوفه طويل فجأة. أنا كم ((خالد)) عندي؟!
ودفع ((فارس)) باب الغرفة راكضاً.. ينادي: بابا... بابا!
ـ قال خالد: ودا وقته يا سيد فارس.. نعم يا حبيبي؟!
ـ قال فارس وهو يشير إلى أمه: شايف المدام دي.. رايحة تتزوج الليلة!
ـ قالت إلهام: بس يا ولد.. عيب!
ـ قال فارس: أنا مالي.. أنا بدي عروسة زي ماما كده أتزوجها، وأبوسها كمان!
ضحكا معاً من قلبيهما، و ((خالد)) يقول لزوجته:
ـ ما قلت لك.. جيل إلكتروني، طالع من الأرض السابعة.. جن يعني!
ـ قالت: قول ما شاء الله.. الولد ذكي!
ـ قال: لأ.. العصر هو اللي سريع، ما يحتمل المراحل اللي كنا نسميها: الطفولة، والفتوة، والشباب، والنضج!!
ـ قالت: يمكن المراحل امتزجت، وأحياناً. بيصير فيها ((لخبطة)).. يعني طفولة على شباب، على رجولة. أنت مثلاً.. تصير طفلاً في بعض الأحيان!
ـ قال خالد: العاطفة يا حبيبتي هي طفولة الإنسان، والطفل الصغير يصير رجلاً في بعض المواقف الصعبة والقاسية!
ومشى ((فارس)) أمامهما إلى الغرفة الأخرى، وقد حاول أن يقلِّد ((الزغاريد)) بفمه، ويتقافز مردداً:
ـ عروسة وعريس.. عروسة وعريس. ماما... متى تجيبي لي أخ ولد، ما بدي بنت. ((عهد)) ما هي راضية توقف وتمشي وتجري معايا.. الولد يمشي بسرعة!
ـ قالت أمه ضاحكة: الولد مستعجل دائماً.. زي أبوك كده!
ـ قال فارس يخاطب والده: ياللا يا بابا.. لبس ماما الشبكة!
ـ قال والده مذهولاً: وانت من فين عرفت حكاية الشبكة؟!
ـ قال فارس: من الأفلام العربي طبعاً ياسي بابا!
قفزت ((إلهام)) فجأة وهي تتجه نحو غرفة النوم، قائلة:
ـ يوه.. نسيتني يا فارس لما دخلت الغرفة.. الله يسامحك.
وعادت تحمل في يدها علبة صغيرة مخبأة في ورق ملوَّن، وقدمتها إلى زوجها قائلة:
ـ كل سنة وأنت طيب يا أبو فارس!
ـ قال خالد: وانت طيبة يا حبيبتي. لكن.. هذا ما هو جواب الهدية.. إنما أعمل أيه و ((فارس)) واقف قدامنا كده زي الجندي؟!
خطف ((فارس)) العلبة من يد والده، وقال وهو يضحك:
ـ أنا أتفرج على الهدية يا بابا.. وإنت أتفرج على ماما!
ـ نهرته أمه قائلة: عيب يا ولد.!
فتح ((فارس)) العلبة، وهو يصفِّر، قائلاً:
ـ ياه.. هادا خاتم يجنن يا بابا!
ورمى العلبة بمحتواها في حضن أبيه، وانطلق يجري ويتقافز، مردداً:
ـ ويه.. ويه. أبويا اتزوج أمي.. أمي أعطت أبويا شبكة.. ويه، ويه!
أطفأ ((خالد)) ضوء الأباجورة، واستلقى على الوسادة، يضع رأسه على كفيه.. همست ((إلهام)) مع نثار الضوء المتسرب من خلال الستارة، قائلة:
ـ فارس بدأ يكبر يا خالد.. صار جنِّي من بدري!
ـ وكل ما يكبر.. أحسّ إني أكبر معاه.
ـ لكن أنا ما راح أكبر.. طالما بقيت جنبي يا خالد.
ـ أنا جنبك بس يا إلهام؟!
ـ لأ.. أنت في قلبي، لكن أقصد أننا نبقى كده مع بعض في حب يكبر وما يبرد!
ـ وإنت كمان يا إلهام.. كل ما أعطيتني من حبك، زاد حبي لك.
ـ أنا عارفة إنك تحبني، ولكن يقولوا دائماً: إن الرجل يمل بعد سنة، بعد اثنين.
ـ وهل شعرت بملل مني، بعد أربع سنين؟!
ـ لأ يا حبيبي.. لكن أنت تغضب بسرعة. الشيء الوحيد اللي عجزت إني أعالجه فيك سرعة غضبك، وهذا له تأثير، وإنت عارف!
ـ صحيح.. بس إنت زوجتي وتحتمليني، ودي طبيعتي، ما أقدر أمسك أعصابي.
ـ أنا أحتمل علشانك كل شيء.. لكن احنا كبرنا شوية، خلاص طيش! الشباب صار مكانه مسؤولية، وبناء حياة.
ـ تقصدي إيه.. أنا مقصر معاكي؟!
ـ لا تغضب.. شفت، كلمة واحدة أثارتك.
ـ ما أقصد الغضب.. وإنت لا تستفزِّيني.
ـ أنت عارف أن الحياة بتتطور، والظروف بتتغير، وسريعة في التغيير، يعني لازم نلتفت لبناء الحياة، عندنا ولد وبنت، كفاية الآن. الفيلا دي وحدها ما تكفي. الاعتماد على مرتبك ما هو نهاية المطاف.
ـ أعمل إيه يعني.. انتحر؟!
ـ لأ.. تفكِّر، نفكِّر مع بعض.
ـ قولي.. أسرق يعني، أرتشي؟!
ـ يا حبيبي ما طلبت منك كده.. الرجل الشريف ما ينحرف، وأنا كمان ما أرضى أعيش عمري مع رجل غير نظيف.
ـ طيب.. أعمل إيه؟!
ـ تجرِّب.. تحاول. أدخل في تجارة، زاحم!
ـ أنا ما خلقت تاجراً.. ما اللهم فيها.
ـ وتستمر موظف في شركة وبس.. ويا رب أرزقني؟!
ـ أنا بأحاول أشتغل فوق طاقتي، وغير كده ما عندي.
ـ شفت الناس اللي هبطت عليهم فلوس زي الرز في ظرف سنة واحدة؟!
ـ أرزاق.. وفرص.
ـ وشطارة، ومحاولة!
ـ يعني كان المفروض في رأيك أتاجر في الأراضي مثلاً؟
ـ وليه لأ.. اللي عملوا كده كسبوا!
ـ قلت لك فرص وأرزاق، وبعدين دي كانت طفرة مؤقتة وانتهت. شوفي الأراضي الآن نازلة الأرض.
ـ شوف محاولة ثانية.
ـ يا إلهام.. ياحبيبتي. نحن مستورين والا لأ.. أولادنا ناقص عليهم شيء؟!
ـ لأ.. إنما الحياة فرص، والإنسان ما يكره إنه يحسِّن معيشته!
ـ يا شيخه قولي الحمد لله.. فيه ناس الله يعلم بحالهم!
ـ أنا قصدي إننا نؤمِّن مستقبل الولد والبنت!
ـ الولد والبنت.. كل واحد يؤمِّن مستقبله بالتعليم.. بمقدار ما يتعلَّم ويتفوَّق. الأب ما يصرف على أولاده طول العمر.. لازم يعتمدوا على أنفسهم، والأب يراقب وما يتخلى!
ـ طيب والبنت؟!
ـ ما لها البنت.. بتتعلم هي أيضاً، وبتاخد فرصتها بالتعليم وبالزواج برجل يسعدها.
ـ وإذا جاء الرجل خسيس.. يذلها، أو يهينها أو يستغلها؟!
ـ أصابعك ما هي زي بعض.. أولاد الناس المتربيين كتير، وهذه الأمور قسمة ونصيب!
ـ يا خالد.. فكِّر شوية!
ـ إلهام.. لا تفسدي الليلة الجميلة دي.. تعالي أقول لك!
ـ تقول إيه؟!
ـ لازم أقول لك... باحبك، ولازم ننام يا ذات الشعر الطويل المضيء بالأحلام!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1108  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 84 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج