سطر...بدفء نهرها! |
(1) |
● أيتها الطالعة فوق سطح العمر... المشرقة - شمساً - تسطع على سنيني: |
أمام طلوعك، وإشراقك، وإبهارك... غسلت وجهي من غبار متاعب دورة زمنية كاملة... حافلة بأعنف الرياح والأعاصير.. مليئة بالضحكات المبحوحة المتيبسة! |
غسلت صدري، وشراييني من "إرهاق" التفاؤل الذي لا يأتي ... حتى أتيت أنت. |
ووقفت أتأملك "فجراً". |
وقفت أتملاك... أستكنه ما سيكون لك من رحيق، وأستنشق ما يفوح منك من عبق ! |
وقفت أمامك: مغروراً باكتشافي لك... |
إنساناً - وقفت - راغباً، وخائفاً ومذهولاً بهذا الضياء ... يشع منك ! |
رأيتك "بكر" البسمة... تحتوين بهذا الضوء الوافد منك. |
وكل هذا الضوء - رغم نوره اللامتناهي - : غموض، ومجهول! |
وكنت تهتويني بهذا الغموض.. لتصقلني فيك: |
تجربة عمر... ستبقى في حياتي "شجاعة خطوة"... أقدمت بها، وقدمت إلي! |
(2) |
انتظرتك ليلاً طال... تشامخ فيه سهد الترقب والتلفت. |
كنت أمعن النظر في أمسيات يدب النعاس فيها من شدة الفراغ النفسي والعاطفي... من حرقة النوى القديم الذي باعد بيننا سنوات! |
والمساء... كان يوغل في الصمت المطبق. كان يذكرني بعبارات "زارا" المنطلقة بأسى إلى صدري: |
ـ "طوبى لمن دب في عيونهم النعاس... إنهم عما قريب سيرقدون"! |
و لم يدب النعاس... ولم يتفتت صمتك... ولم ينقشع سهدي! |
كان هناك إقناع آخر - في هروبك - يحضني قائلاًًًًًًً: لا تنتظر... فالفجر إذا اختبأ وراء الغيوم، كانت الصدمة أعنف، وإذا فتحنا أعيننا على شروقه... كانت المفاجأة والصحوة! |
كنت أنتظرك هذا الفجر الذي يمزق ظلمة الليل، والانتظار! |
لكني بقيت مشحوناً بالانتظار... وفي جوانحك: "فكرتي"، وفي طلوعك: أملي العذب، وفي وجهك مرآة بسمتي التي أتوق أن أراها دون أن تنكسر! |
(3) |
كان المساء... مجرد أديم، انطبعت عليه حوافر الخيول الراكضة! |
نحن نمتطي ثواني السعادة بعنف، ونلكزها لتجن وتنطلق بنا إلى نهايتها... |
كان المساء قد تفرق منه المتفرجون... بعد أن أرهقهم "الفضول"! |
وبقيت وحدي أرتقبك! |
لم أكن شجاعاً أمام "الفضول" كواحد من البشر، ولا متعاطفاًًَ معه... |
كنت - فقط - انتظر أن تأتي نهاية بلا سحب... وأن تبزغ بداية بضياء نقي! |
أعمق الساعات - يا حبيبتي - ثمالة الليل! |
وقد ارتضيت أن أصغي بنبضي... وتمنيت أن أجد الأرض تحتي ومن حولي مزروعة بالحشائش، وأن أرى السماء فوقي واضحة، صافية في امتدادها اللانهائي! |
بدأت "أحلامي" تشمس في عروقي... |
بدأت "خواطري" تردد عبارة أخرى... كأنها لحن ينساب: |
ـ "أن في داخلي بحيرة وحيدة، قانعة بنفسها... غير أن نهر محبتي يجتذبها في مسيره، ليقطع معها السيول، ويترامى وإياها في لجة البحر"! |
آه من نهرك يا حبيبتي! |
هاأنت في مواجهتي... يا عمراً جديداً قد انبلج. |
هاأنت - برغم السنين - هذا الضياء الذي يترقرق في حدقتي عيني! |
وهمست لك حين لحظة اللقاء - العودة: |
ـ الانتظار لا يقتل، ولكنه يصهر، ويبني الإرادة. المهم أن لا نيأس، والأهم أن نكون صادقين! |
حصيلة استمزاج الدخائل الصافية لنطفة الألم في الأعماق... منحت وليداً لا يعرف من هو، ولا في أي موقع... لكنه سيصير، وسينمو بغذاء ممزوج من الدمعة والابتسامة! |
(4) |
الذهول... يرسب في صدور الموجوعين: امتنان الهزيمة لمن لا يصبر! |
والرضا... جرعة ضرورية في بعض الوقت، بشرط أن لا تزيد الجرعة، فتتحول إلى إدمان! |
من يدمن "الرضا" بكل الأشياء،يصبح مثل تماثيل الإغريق: حدقاتها من زجاج، وتتوهم أن "الرؤية" داخلية! |
إن حقيقة "الاستبشار" - يا حبيبتي - لا تدل على مثبطات اليأسٍ! |
ففي الصدور أضلاع... يمكن أن يحيلها البشر إلى سرير فقير هندي... |
ويمكن أن نجعل منها وسادة "شهرزاد" بعد أن ضمنت رأسها من سيف "شهريار"! |
وقد تصبح مرقداً... تأوي إليه كل ليلة "سندريلا"... بعد أن فقدت فردة حذائها، واحتفظت بملامح حبيبها! |
الاستبشار - يا حبيبتي - ليس دوماً هو مرآة "الجيوكندا"! |
وليس هو بحيرة "نيرجس" الصافية! |
إن الاستبشار قد يتحول إلى مدينة... لا يسكنها إلا "الرواقيون"! |
(5) |
أحدثك - يا حبيبتي - حديث المعرفة... فأذكرك بما تحدث به "نيتشه" ذات مرة عن ما أطلق عليه: "مبدأ التكرار الأبدي"! |
ـ قال: "إن الأحداث الواحدة تتكرر، وتذهب لتعود... ولكن في دورة، مدارها يستغرق أعداداً هائلة من أعمار"! |
وهذا ينجذب بالالتصاق إلى "طينة" البشر... كنماذج خليقة تتلون سحناتها، وتتغير، وتتطعم، وترتقي، وتنحط... ثم تلقي نظرة إلى تصرفاتها... فلا يبدو ثمة اختلاف جوهري في "الإيدلوجية" التي تقام عليها جذور الإنسان! |
غير أنه في لحظة التأمل، والتفكير، وموهبة الإبداع، وتمرد العقل ... "تتحور" المفاعلات التي تمد الحياة بالاستمرارية، فلا يكون هناك "التكرار الأبدي"، وإنما تختلج إرهاصات البشر، فتقذف نتائج بعيدة الشبه، متناقضة التاريخ مع البداية، وعند النهاية... ولا تبقى للدورة أهمية الأثر كونها انطباعاً تاريخياً... لا بأس أن يمزجه الإنسان بشيء يسميه: إصراره أن لا يتغير! |
لقد جاء بعد هذا الرأي بسنوات طويلة جداً، مؤرخ مفكر،هو "أرنولد توينبي" فقال: |
ـ في الحقل الإنساني تمر بنا أحداث نعيها، ونحصيها، ثم تليها أحداث غيرها، فنحاول أن نجد فيها ما وجدناه في سوابقها، فنخفق، وتنتهي هذه الحوادث الحديثة بما لم تنتهِ به الحوادث القديمة، أو على الأقل: ليس من الضروري أن يلتقيا عند نهايات واحدة"! |
ونحن بهذا نفعل التطور للحياة، ونمنح الجديد للزمن! |
(6) |
في مهرجانات الحياة - يا حبيبتي - يكره الإنسان من يدله على أعماقه... |
ففي هذه الأعماق - أحياناً - نملك الإقدام على الاحتفال... |
لكننا حين نحتفل، يحدث "الطفح" على السطح! |
في لحظة الاحتفال... ننسى أن تكون هناك نهاية. |
حينما ننسى... لا نذكر احتمال: الفراق/ والحزن، والقطيعة، والموت! |
إننا ننحاز - لحظتها - إلى غرورنا، ونمتلئ بالأماني، وبالرغائب، وبالشهوات! |
إن الرقصة تتسع... فكأن ما تمنيناه، ينتمي إلى خصائل (الجن)... فنعتقد أننا نرى ما نريد، ونتابع من نريد دون أن يتعرف! |
إن الذين يصفقون بعد انتهاء الرقصة... لا يشاهدون "العرق" الذي ينداح. |
إن أكف هؤلاء جافة... كما "صاجات" ترن، ويبتلعها الصدى... ثم لا يبقى شيء، إلا تخدير "الإيقاع" للمرئيات والمحسوسات على السواء! |
حينذاك... نفتش عن الروح! |
تنتابنا دواعي البحث في فلوات "الفقد" والضياع.. |
نعثر أحياناً على فلسفة "العبور" إلى الحياة... ثم منها! |
ولم تكن هذه الفلسفة... أكثر من "حقيقة" للعثور! |
ونكتشف أن البعض قد شاقته خواطر التسامح، وخفقات الحب... فيموت بشيء آخر!! |
(7) |
أيتها الطالعة فوق سطح العمر... المشرقة - شمساً - تسطع على سنيني: |
ستحتويك أحضان دافئة... هي صادقة حينما هرعت إليك! |
أرجوك - إذن - أن تفتشي في أعماقي عن ذلك الصدق! |
(8) |
أقدم إليك في عمق هذا الصدق: ابتسامتي، ودمعتي. آهتي وشهقتي للفرح. حزني وشجني، وامتلائي بوجودك - الحياة. |
فلا تدعي دروب النسيان تغتال خطواتي إليك... |
إن خطواتي تندفع لمرة واحدة فقط. |
وفي جوانحي لك: هتفة حياة. |
وفي صدري رشة عطر.. لا تخسريها، لأنها أنفاسي التي أحببتك بها، ولأنها أنفاسك التي حييت بها!! |
|