شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
سطر...بدفء طيف!
(1)
● ماذا قال المساء الأول لخفقة قلبك؟!
ـ كنت أنتظره اكتشافاً.. ولم أكن مغروسة فيه انتظاراً.
كان صوتك قادماً من المجهول.. أعرفك شخصاً، واسماً.. وأجهلك إنساناً، وأسلوب حواره وكيفية تعامله.
سمعت الكثير عن حياتك، ولكني أعلم أن الناس يتلذذون بالكلام عن الآخرين.. فلم أرد أن أظلمك، وأيضاً لم تكن عندي الرغبة في المغامرة لأنني - حينذاك - كنت أطوي جوانحي وضلوعي على جرح، خفت أن يواصل نزيفه فيعذبني.. وكنت - أيضاً - أعاني من حيرة أكبر تواجهني من خلال ملامح رجل يسترضيني لأفتح له بيتاً، وأنجب له أطفالاً.
أنا أحب الأطفال جداً.. لكن حيرتي التي كانت تتعاظم.. تطوح بي في كل اتجاه وتشكني على طرف سؤال مدبب، أردده في أمسياتي التي تخلو من صديقاتي وأتساءل:
ـ هل أنا أحبه حقاً.. هل أنا مقتنعة به فعلاً.. هل هو الرجل المناسب لي الذي يفهمني، ويستوعب جنوني، ويقدر أفكاري؟!
ـ هل الحب في هذا الموقف عقل فقط، أم لابد أن يحسم القلب هذا التردد، وهذه الحيرة؟!
ترددت كثيراً. احترت أكثر.. ولكني كنت مندهشة لاستسلامي أحياناً لعواطف هذا الرجل.. حين يخاطبني ويلح في سرعة الاقتران به.
لا أخفي عليك. كنت في تلك الدهشة أشعر بخفقة فرح، لا أقول أنها خفقة حب.. أفرح حين أتخيله زوجي، وأنا زوجته التي تهيئ له سبل الراحة، وتفتح له بيتاً وترعى شؤونه وتسهر على استقراره وهنائه!
في طبيعتي الأنثوية هذا الميل نحو الرجل الذي أختاره!
ربما أيضاً.. أغرتني فيه بعض طباعه، فهو طيب مطواع، يمكنني أن أبقيه أمامي طوال الليل. أحكي له حكاية طويلة مثل شهرزاد، وهو مأخوذ، متولِّه، منجذب، مصغ.. مثل شهريار.
لكني - في الجانب الآخر من طباعي - أركض وراء الرجل المشاكس.. الرجل الذي يتفوق بشخصيته على شخصيتي، يأمرني فأطيع. يقول لي: لا، فأناكفه وأعانده وأرضخ له بعد ذلك!
ـ تريدين الرجل الذي يغتصب عواطفك، ويغتصب رضاك؟!
ـ لعلني هكذا.. متمردة ومطيعة.. مغتصبة وغاضبة.. مأخوذة وآخذة!
وفي تلك اللحظة التي اغتصب فيها صوتك سمعي.. لم تكن أنت بالنسبة لي عاطفة، ولا حتى عقلاً، لكنك كنت مجرد رجل طرق بوابة انتباهتي، واستفز استرخائي، وأشعل تأملاتي.
(2)
ـ وأنت.. ماذا قال المساء الأول لخفقة قلبك؟!
ـ خلته مساء لا يبوح.. مساء بخيل، مقتر. أظنه قد أحاطني بالأسئلة المغتاظة عنك!
لم تتردد خفقة قلبي الأولى أمام انسياب صوتك في سمعي، لكنها وقفت مشدوهة مستفسرة. مئات الأسئلة. حشد من الغموض والدهشة.
ـ من أنت.. كيف أنت.. إلى أين أنت؟!
أنت أنثى ناضجة .. تتحدثين بثقة، وبقدرة على تطويع الحوار، وتوصيل المعنى.
في صوتك تحد، وفي عباراتك سرعة، وتلاحق لاختصار أشياء كثيرة... كأنك أردت أن تقفزي بي من الليلة الأولى إلى ما بعد الألف ليلة!
في استقرائك لأفكاري وخطوتي نحوك: كشف مباغت.. خلت أنه يحاصرني كمن يقول لي: أعرفك.. أعرف ما ترغب في قوله.
لا أنكر أنني اضطربت في اللحظات الأولى حتى تمالكت جأشي، وهدأت خفقاتي المتلاحقة. وشددت على مقود الحديث معك..
ومنذ تلك اللحظة شبهتك "بالمهرة" المنطلقة التي يصعب على الفارس في بدء التعامل معها أن يشد رسنها!
كيف أنت؟!
كان هذا السؤال الذي لم أتعجل الحصول على إجابته في اللحظة.. فلن تكوني رشفة ماء قبل عطش الصابي، ولكنك هذا النبع المتدفق.. شلال من العاطفة والأنوثة والوعي.
عندما تضحكين.. أقول في سريرتي: هذا هو الفرح الحقيقي!
عندما تتكلمين جادة.. أقول: هذه خلفية إنسانية حافلة بالشواهد على التجربة، والعمق.
عندما يتهدج صوتك.. أقول: هذه شحنة وجدان لاتنفجر، وإنما تشع وتضيء!
ظننت أن حياتك تخلو من المشكلات. كان صدرك يغتسل حينذاك من أصداء أخذت في الابتعاد، وكان يلتزم بمطاردة رجل يحلم بك حباً يتطور ليصبح حياة متحدة.
ولم أكن أعاني من مشكلة.. لكنني كنت كمن يتنفس الهواء من كل الجهات.
مشقوق من الداخل.. لكني نجحت في تدمير برودة النفس بدفء من الخيالات والأطياف والأحلام..
مولع بطيور "النورس".. حتى عشقت كل ما هو أبيض ويوحي بالحزن!
وكان العجب أن يعكس هذا اللون الأبيض في أعماق النفس حزناً يتبتل.. شيئاً كالخشوع، كالصمت، والتأمل، كالإصغاء المريح!
دخلت إلى مسائك الأول.. هارباً من الزيف، ومن الطلاء، ومن اختلاط الألوان.
وكان هروبي الأكثر من "تأجير" العواطف أو رهنها في بنك التعامل البشري، أو بيعها للحظات قليلة من الامتلاك أو المتعة!
ورغم ذلك.. لم أكن - أيضاً - متألماً! كنت - فقط - أطارد طيفاً في خيالي.. يتموه كما قوس قزح، كما جناح طائر يغذ في أجواء السماء نحو الأبعد!
كل مشكلتي الحقيقية.. كانت في المعاناة من الزيف.
أصبح الزيف في دنيا البشر دقيقاً وكربونياً وخادعاً.. إلى درجة الصدق!
(3)
ـ وأنت وأنا.. ماذا قلنا للمساء الأول؟!
ـ دعيني أصف لك ما شعرت به، لقد نمت في الليلة الأولى تلك قريراً مثل طفل مارس شقاوته، وركض وقهقه وسرقه النوم فجأة.. ليخلد إلى تلك السكينة بدون أحلام، ولا حتى خيالات..
وفي اليوم التالي.. تفجرت أسئلتي من جديد.. تربع الرجل في صدري وصرخ في رأسي.. كأنه يفتش عنك.
ـ تساءلت: هل أنت سحابة عابرة.. هل تراك قوس قزح ما لبث أن انسحب.. هل تراجعت لتكوني مجرد أصداء في الأيام؟!
وطردت الأسئلة، امتلأت من جديد بالطموح، وبالهموم، وبالرغبات، وبمشاكسات الحياة.
وخلت أنك تلاحقينني.
وتفجرت الأسئلة مرة أخرى ولكنها - هذه المرة - في صيغة البحث عنك، وفي محاولة الاكتشاف لك!
ـ هل أنت ذلك الخيال الذي ملأ جوانحي زمناً طويلاً.. ليكون المساء الأول ميلادك، ومخاضك بين أضلعي؟!
كأنني قد تعودت عليك: عشرة عمر.
كأن لحظاتي الحميمة قد تعرفت على ملامحك لتطبقها بنفس ملامح الخيال المغروس والمعشب في صدري منذ سنوات.
افتقدتك منذ المساء الأول. ناديتك. أطلت التفت في داخلي.. حاولت الهروب من استيطانك في تلافيف نفسي.
ـ لماذا تطول اللحظة في الانتظار؟!
عندما يكون الانتظار مرهوناً بالإحساس وليس بالوقت!
ـ هل انتظرت طويلاً؟!
ـ بل أطلت الانتظار كالذي يطيل التحديق في صورة سيدة ليجتلي قسماتها بدقة!
ـ هل رأيتني بوضوح؟
ـ كأنني أرى نفسي.. أحياناً أرى نفسي في عينيك.. في غضبك.. في توهجك.
وهل تسألني بدورك: ماذا قلت أنا للمساء الأول؟!
ـ لم أفعل مثلك. فالتحديق يتعبني.. ذلك أميل إلى النظرة المباشرة والغريبة.
لذلك.. حاولت أن أقربك إلى رؤيتي أكثر.. أن أراك بعدسة "زوم".
ـ قلت لي إنك مثل كتاب مفتوح.
ـ قلت لك: هذا صحيح.. لكنك كثيف السطور، مرهق بفلسفتك وبصورك المتلاحقة. مرهق بتهميشاتك على صفحات الحياة.
لست مثلك أيضاً.. فأنا بسيطة، عفوية مباشر. أحببت فيك الصدق. ولكنك تسرق هذا الصدق لمصلحة أنانيتك أحياناً.
أعرف أنك تردد دوماً على مسامعي: الحب أناني، ولم تصدق بساطتي وعفويتي.
لعلني كذبت قبل أن أراك. معك كنت أعاني من الصدق.. لأنني حرصت أن ننسج لحبنا رداء شفافاً من الأحلام، ونرتديه أمام العديد من صور الواقع المرهق.
أردتك أن تبقى في حياتي هذا الحلم الماتع الذي أريح رأسي عليه وأهرب بعيداً عن المعاناة والهموم الصغيرة والحزن الذي طاردته في عيني حتى وصفته قائلاً لي:
ـ إن حزنك بحجم عمرك.. بينما ضحكتك عندما تعلو تصبح بحجم الأمل والفرح والعطاء!
كم أنت رغيد الكلمة.. لكنك تقسو على الحقائق أحياناً!
بعض حقائق البشر مدببة كرأس سهم.. لكن الخلاص منها صعب، وأنت تضاعف الصعوبة حين ترهن الحلم بالواقع في بنك الأماني!
(4)
ـ هل تريدين أن نفيق من الحلم؟!
ـ أبداً.. لم أطلب ذلك منك، لكني أفتش عن اللحظة التي تدفئ برودة العمر، واللحظة التي تسفي الرمال من حول الغرسة التي زرعناها في منتصف العمر، واللحظة التي نحياها بإحساس كل العمر!
ـ إنني أحيا هذا الشعور المترع معك.. لكنها حياة اللحظة.
الاحتواء المؤقت الذي لا يطول، بل ما يلبث الواقع أن يرميني بعيداً ويرميك أبعد من حدود التخيل والحلم.. لتكوني هذا "الطيف" الذي اختال وتبدد!
ـ لماذا تقول هذا الألم؟!
ـ لأنك ستذهبين إلى الحقيقة، وتدخلين واقع بحثك عن الوعاء الذي تنسكبين فيه امرأة، وأماً، ودفئاً لرجل!
ـ لكنك أنت هذا الرجل.. أنت حلمي وحقيقة عمري.. فهل تصدقني وتجيبني عن هذا السؤال: هل أنا مجرد طيف في حياتك؟!
ـ لا تسأليني أنا.. بل هناك الغد. الشمس التي تشرق في اليوم التالي. النهار الذي يطلع من سجف الظلام. الخفقة الوحيدة التي منحتها لك وحدك.. ولم أقدر أن أبيع!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :951  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 45 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.