شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
شهادة على الكاتب ..لا .. الكتاب!
بقلم: فواز عيد
أشهد: أنني قبل بضعة عشر عاما، قد لمحت أصابعه الدقيقة تنغمس بحذر في الماء الساخن... لتأخذ درجة حرارته على عجل، ثم تولى هارباً إلى "الحب".
أشهد: أنني قد لمحت قبل بضعة عشر عاماً شاباً يحاول أن يخرج من "البحر الأحمر" إلى الأغنيات، والصيف، والشفاه المزمومة.. ولكنه بعد كل جولة خروج.. كان يعود صريعاً إلى الموج، وفي يده قلم مرتعش حي.
أشهد أنه: بعد أن صار صديقاً.. وصرنا أصدقاء أنه كان يستطيع أن يموت مرتين كل يوم.. ليكون لديه الوقت الباقي كله: للحياة أبداً وللحب أحياناً .. حين يكون قادراً على الالتصاق بجناح فراشة لا يثقلها كثيراً.. حتى يستطيع معها أن يتعلم الرحلة، والهروب، والدفاع عن النفس، بعرض الأجنحة المختصرة لحديثه.
أشهد أننا حين كنا نزوره مرة في الشهر، مرة في السنة.. أشهد أنه كان يطمئن لغياب الشهود عنه لنلمح قدمه وهي تحاول أن تتسلل إلى الشارع العربي.. إلى الهموم العربية.. إلى الأحزان العربية.. إلى الياسمين العربي المكدس في الغد، ولكنه يظن بنا الظنون، فيتراجع على عجل.. لنضبطه في وضع مريح أكثر.. في وضع أي حب.. أية أحاديث جانبية..
أشهد: إنه كان يستطيع دائماً.. يستطيع أن يأخذ كتاباً جديداً يقرؤه، ويستطيع أن يجد الوقت.. بعد السهر، بعد الأصدقاء، والبحر، والمقاهي الصحراوية.. يستطيع أن يجد الوقت، ليكتب شيئاً عما قرأ، وأن يملأ كل يوم صفحة كاملة في جريدة، لتنفتح العيون على الثقافات الجديدة.. على الحياة الجديدة.. على العالم الجديد..
عالم "عبد الله الجفري".. العالم الخجول الواعي الذي تجاوز زمن الخجل البريء، إلى زمن الخجل الواعي.. الواعد..
أهذه شهادة له.. شهادة عليه؟!
شهادة مريحة للذين يحبون كتاباته، أم شهادة تكثر السهام في جعبة من لا..؟!
الأمران سيان.. لأن كلاً منهما كان بحاجة إلى صوت شاب يقرؤه.. صوت يخرج بثقافة جديدة.. يخرج من زاوية ضيقة محاذرة؟!
أو يستلقي بكامل وجداناته على صفحة جريدة كاملة، مخاطراً هذه المرة بالبوح الموارب.
صوت كان ضرورياً أن يأتي، بعد جيل الرواد الشيوخ.. جيل: العواد.. وشحاته والزيدان.. وابن إدريس، وضياء، والآخرين من السابقين..
جيل.. كان فيه من يرعى كتابات هذا "العبد الله جفري" وكان فيهم من يود لَوْ شطبها بقلم أستاذ غاضب، ولكن كلاً منهما كان يعرف أن صوت هذا الكاتب الشاب، كان قد بدأ يُسمع جيداً ويتابع جيداً من جيل جديد.. مشغوف بالكتابات الجديدة والثقافات الجديدة.
ومهما يكن من أمر "فعبد الله الجفري": الكاتب، القاص، القارئ الجيد، الصحفي الساهر دون ملل.. عبد الله كان صوتاً من بضعة أصوات جديدة، لا يمكن المرور بها بسرعة عند دراسة الأدب السعودي، لأنه مع الآخرين من أقرانه يشكل مرحلة هامة من هذا الأدب، لا يمكن شطبها، أو الإعراض عنها بسهولة..
وبعد.. فها أنذا - على غير العادة - أحاول أن أقول كل شيء عن الكاتب ولا أقول شيئاً عن الكتاب.
لماذا؟
ربما.. لأن المعرفة الحميمية لإنسان تخجل النوايا الخبيثة المبيتة.. وربما لأن قراءة الكتاب تبقى من حق القارئ نفسه، دون مرشدين.. من حقه أن يقرأ، وأن يتوقف معجباً أو غير معجب!!
من حقه.. ألا يتبع الوصايا الأدبية التي توضع عادة في أول الكتب، وربما.. لأنني أعرف تماماً تلك الفترات التي كتبت بها هذه الإشارات.. هذه الإغراءات بقراءة الكتب التي كان يتعامل معها "عبد الله جفري".. في وقت مبكر.. والتي لم يعد كثير من قراء اليوم يتعاملون معها كثيراً.
ربما لأن عالم الكتب لم يعد عالماً لهم، وربما.. لأن الزمن صار ضيقاً، بحيث لم يعد يتسع لقراءة كتاب جديد!.
دمشق - تموز/ فواز عيد
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1334  التعليقات :1
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 36 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.