شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كلمة الناشر
بقلم: عبد المقصود محمد سعيد خوجه
الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا محمد، خير من تعلم وأعلم بالله عزّ وجلّ، وعلى آل بيته الكرام الطاهرين وصحابته أجمعين.
يعلم الكثيرون أن الأستاذ السيد عبد الله الجفري كبير في أدبه، وخلقه، ومعاناته.. حمل دهشة الكلمة وبهاءها وركض بهما في عرصات الحياة، اختلط عرقه النابض بوجدانه مع حبر قلمه فكانت هناك وشيجة قوية بين العرق الناتح والحبر النازف.. كلماته لا تنفك عن ((معاناته)) لذلك عندما توعَّك قلبه خلال فترات، وألزمه مراجعة المشافي، كنت أقول دائماً إن القلب الكبير لم يتحمل زخات الألم التي يفرضها صدق العاطفة والتفاعل مع الكلمات.. غير أن من يطأ جمر الكلمات يجد لها لذة في صميم الوجدان، فيظل ضاغطاً عليها إذ فيه الروح والسلوى.. أو هكذا قدر أستاذنا السيد الجفري.. وما زال ((الوجار)) ملاذه في كل حين.
لقد أبدع السيد الجفري الكلمة بمختلف محاورها وطرق تناولها.. تعامل معها بمهنية الصحفي وإمكاناته الكبيرة وعلاقاته الواسعة.. وتناولها من منظور الأديب القاص، فكتب القصة وكأنه لم يفرغ لشأن سواها في حدقة الحرف.. ثم تناول الرواية فسكب فيها خلاصة فنه فخرج بها من المحلية إلى الإقليمية، بل شارفت تخوم العالمية.. وكل ذلك تحت مظلة الأدب الرفيع، والكلمة التي لا تخدش الحياء ولا تلامس الخطوط الحمراء، ذلك أن العمل الأدبي عند أستاذنا السيد الجفري فن لا يجوز التعدي على جمالياته بتشويهها عمداً أو سهواً.. ظلت الكلمة تمثل بالنسبة إليه أرجوحة تهدهد كيانه قبل أن يطلقها حمامات محبة وسلام وأمن وطمأنينة.
عُرف أستاذنا السيد الجفري بأسلوبه الخاص الذي يميل إلى ((الرومانسية)) ووجد تجاوباً لدى شريحة كبيرة من المتلقين.. ولا سيما أن كاتبنا الكبير قد أطل على محبيه من خلال بعض أشهر الصحف العربية. فأتاح له مقعده في مقدمة ((الآلة الإعلامية)) مكاناً مميزاً استطاع من خلاله أن يرسخ معالم مدرسته ويرسم ملامحها بتؤدة وهدوء شديدين.. فكان له ما أراد من شفافية لامست قلوب معظم القرّاء في وقت ظن الكثيرون أن ((الرومانسية)) كأسلوب كتابي قد انقرضت منذ منتصف القرن الميلادي المنصرم.. وربما بقي منها هامش ضعيف يرتاده شداة الأدب وطلاب المدارس.. إلا أن الأيام أثبتت غير ذلك، وبدا واضحاً النهم الشديد والحرص الكبير الذي يتابع به المتلقون كتابات الأستاذ السيد الجفري.. فالمادة التي سيطرت على هذا العصر ((الطباشيري)) لم تقتل بعد كل الزهور البرية التي يمكن أن يضوع أريجها إذا وجدت اليد الحانية التي تتعامل معها من منطلق ((الحب)) وتعرف كيف تنتشلها من وهدة ((الأنا)) إلى قمة الإبداع الذي يتلاشى في الآخر.. ويسطر معه أروع أناشيد الحياة.
لقد عمل أستاذنا السيد الجفري طويلاً.. طويلاً.. وبجهود مضنية لكي يصل صوته وصهيل كلماته وصدى حنجرته الخاصة إلى كل الناس.. إن الصباح لم يدرك السيد الجفري ليسكت عن الكلام المباح.. فأرخى عنان (وجده) لتتحد كلماته مع آمال وتطلعات المرأة على امتداد حرف الضاد.. كانت المرأة ولم تزل: أماً، وشقيقة، وزوجة، وابنة، وملهمة، محور الكثير من كتاباته وروائعه التي شكلّت جانباً مهماً من قاعدته العريضة وسط مجتمع القرّاء والمثقفين.. وقد استطاع أن يحرك بحيرة الإبداع حاملاً في إحدى يديه قوس قزح، وفي الأخرى قلماً يستطيع أن يردع به بعض الأفكار الهلامية والظلامية التي تحاول بين الفينة والأخرى النيل من مشروعه الثقافي والأدبي.. وإن كنت أحسبه لا يأبه كثيراً لمن يغمزون في الظلام، أو الراقصين على السلالم.
لقد حازت الأعمال الأدبية لأستاذنا السيد الجفري على إعجاب المتلقين في وقت صدورها وتلقفوها من بين صفحات الجرائد والمجلات واحتفظ البعض منهم بأعداد مما تضمن نشره في حلقات.. وفي ذلك عبء واضح على كاهل المتلقي الذي تتنافس على وقته كثير من القنوات الإعلامية والفضائية ذات الوهج والوميض الذي قد يخلب اللب بغض النظر عن فحواه ومحتواه، ثم أتت هذه الأعمال الكاملة بتعاون مشكور من أديبنا الكبير لتجعل التواصل مع هذا الفن الأصيل ميسوراً بغير انقطاع.. كما يمنح الدارس والناقد مضماراً فسيحاً لتناولها بالبحث والتحليل والتشريح وفق منظور كل مهتم بالشأن الثقافي والفكري من خلال قراءة هذه الأعمال.
إن الوشل لا يغني عن النهر.. فنحن إزاء أديب كبير لم تهزه الرياح ولم يغيره المديح والثناء أو الجحود والنكران.. ظل صامداً في وجه تغيرات الزمان، رفيقه كتاب، وأهزوجة حب يترنّم بها مع ابتسامة صافية في كل مكان وزمان.. ومهما قيل عنه يبقى أعمق وأقوى وأصلب من صرير الأقلام وحفيف الكلمات.. إنه يحمل بين جوانحه عظمة الكاتب وعبقرية الفنان.. كسر طوق المحلية بتلمس أجمل ما فيها ثم الإضافة إليه من إبداعاته المبهرة، وأعاد طرحه على العالم العربي، فكان التجاوب الكبير - من داخل المملكة أولاً - بما تشتمل عليه من لهجات وتعابير خاصة بكل منطقة بحيث يمكن الحكم على شخص بمجرد تناوله طرفاً من الحديث.. ثم دخل قوياً معتداً بنفسه وبانتمائه الوطني إلى معترك الساحة العربية الكبرى، فعرف الأستاذ عبد الله الجفري أديباً متمكناً في كثير من الدول العربية وغيرها من مواطن الاغتراب في أوروبا وأمريكا.. لقد ظل كاتبنا المبدع أميناً في أسلوبه المميز، لم يقلد أحداً وأحسب أن أحداً لم يستطع مجاراته بذات الدقة والمهارة.. فكان فريداً في عطائه، غنياً بقاموسه، متفرداً بأفكاره، عفوياً في تناوله للقالب القصصي مما جعل ((الجفري الصحفي)) يكاد يختفي في إهاب ((الجفري الأديب)) أو القاص/الروائي على وجه التحديد.
ثمة منعطف لا بد من التوقف عنده، ولا سيما في هذا العصر ((الفضائي)) فحب الأستاذ السيد عبد الله الجفري للكتاب طغى على كل ما سواه.. ظل يركض خلف الكتاب في كل مكان، لم يترك معرضاً للكتاب أو ملتقى يليق بقامته وقيمته إلا وكان السبَّاق إليه مهما بعدت الشقة وشط المزار.. ومن هذا الولع الكبير بالقراءة استمد موسوعته الثقافية التي لا تضاهى، وأصبحت الكتابة بالنسبة إليه نوعاً من المشاركة التفاعلية مع مخزونه الفكري الثقافي، كما أنه كثيراً ما يرغد القارئ بمعارف جيدة تضيف إلى حصيلته معلومة إن لم تكن بالجديدة فإنها لا تخلو من طرافة أو تذكير بما لا تحتفظ به الذاكرة، فهو دائم الرجوع إلى مكتبته ومصادره الخاصة.
والجدير بالذكر أن مدرسة ((الرومانسية)) التي أثرت بشكل أو آخر على إبداعات كاتبنا الكبير لم تحتكر تفكيره على الإطلاق.. بل مارس وبشفافية كبيرة التعامل مع مشكلات مجتمعه بصورة يومية من خلال أعمدة الصحف التي لم تضن عليه بنوافذها نحو القراء، كما لم يبخل عليها بقناديل النور ولحظات الإشراق الماتعة.
إن الجانب الحضاري الذي مثله كاتبنا المبدع كإضافة حقيقية لمنجزنا الثقافي والأدبي يستحق كل تقدير واحترام، فإذا اختلف الناس حول الأستاذ السيد الجفري ما بين مؤيد ومعارض، فإن ذلك يمنحه بطاقة العبور إلى مصاف الكبار الذين يمثلون دائماً رقماً لا يمكن تجاوزه تجاهلاً أو استهانة.. ويبقى الفيصل في نهاية المطاف بأيدي جمهرة القراء من الجنسين على امتداد ربوع الضاد، باعتبارهم أصحاب المصلحة الحقيقية في الناتج الأدبي والفكري الذي يجد مكاناً في أوقاتهم المزدحمة.
وبحمد الله تأتي هذه المجموعة الكاملة لتجد طريقها إلى القارئ الكريم بمناسبة اختيار مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 1426هـ/2005م.. فهذا قلم أحد أبنائها مغموساً في شرايينه، مغسولاً بدموعه، متفاعلاً بكل خلجات نفسه.. آملاً أن يجد لديكم القبول، وأن نسعد أكثر وأكثر بتواصل عطائه الجميل، وألق بهائه الرائع.
ولي كلمة ختام لا يعرفها إلا الراسخون في معرفة ((أبو وجدي)) يجب أن أقولها لأقول ما قلت صدقاً وأمانة.. لا بد أن تقبل ((سيدنا)) كما هو كاتباً وقبل ذلك صديقاً وحبيباً متقبلاً سجاياه.. متقبلاً منطقه الذي لا تملك إلا احتراماً وتقديراً لأصله وفصله وعبقريته وأن تثني على ما يقول أو على الأقل لا يزعجك ما لا تتفق معه فيه مهما وكيف ومتى كان أو يكون.
والله الموفق..
عبد المقصود محمد سعيد خوجه
جدة: 24 ربيع الآخر 1426هـ 1 يونيه/حزيران 2005م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :2961  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 3 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

يت الفنانين التشكيليين بجدة

الذي لعب دوراً في خارطة العمل الإبداعي، وشجع كثيراً من المواهب الفنية.