الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

القصص في الشعر العربي

الشعر الجاهلي في رأيي -حافل بالقصص ولكنه مبعثر هنا وهناك بيد أن الشاعر الجاهلي- بحكم بيئته لا ينظم فيه إلا قصة قبيلته ومكانها من القبائل ومحاربتها معها وقصته مع حبيبته ورحلتها وبعد المزار بينهما وغير ذلك مما تمليه عليه طبيعة بيئته الخاصة.

والشعر العربي مليء بالوصف والتصور ولكن الشاعر قد اقتصر فيه على وصف فرسه وجمله وصحرائه وديار أحبته وما يكلف بأكثر من هذا فيجب على الناقد الأدبي ألا يتطلب من تصور الشاعر الجاهلي وتصويره ما يتطلبه من الشاعر العصري فالذين يتهمون الأدب العربي بالقصور من الناحيتين - القصصية والتصويرية ويميزون الآداب الأجنبية على أدبهم ويرفعونها مكاناً علياً بدعوى امتيازها بهاتين الظاهرتين منساقون في ذلك بآراء المستشرقين الذين يحاولون إنقاص الأدب العربي والغض من كرامته.

إلا فليكلف أولئك أنفسهم بالنظر في دواوين الشعراء الجاهليين إذا أرادوا أن يتسنى لهم الحكم العادل والقول الفيصل الحق لوجه الحق وحده وينقدوا على أساس علم بالبيئة والتاريخ.

ولئن عاب بعض الذين أولعوا بنقد الشعر العربي القديم وجعلوا تاريخه - عليه اضطراب الوحدة المعنوية في قصائده فلقد فاتهم أن كثيراً من القصيدة الواحدة أو بعضاً منها على الأقل قد ذهب مع قائله وإنما يقل هذا حين تكون للقصيدة شهرة تحرزها من الضياع ونحن إنما أخذناه عن الرواة والحافظين والذاكرة أو الحافظة تنسى فتنقص القصيدة أبياتاً وتنسى فتغير من ألفاظها ويختلط عليها الأمر فتقدم فيها وتأخر ومن هنا جاءت نسبة القصيدة الواحدة في بعض الأحايين إلى عديد من الشعراء وتداخل أبيات بعض القصائد في الأخرى وزيادة بعض الروايات للقصيدة - الواحدة عن الروايات الثانية ونحو ذلك.

والشاعرون يزعجهم أن ينتزع من القصيدة أو يختلف فيها بعض بيت وما ذلك إلا لشعورهم بتفكك الوحدة المعنوية عندئذٍ.

فعلى ناقدي الأدب العربي أن يقرأوه قبل كل شيء وليتعهدوا ما يقرأون بالدراسة والتحليل وأنا زعيم لهم - في شيء كثير من الثقة والأمل أن سيعجبون بكثير مما يقرأون من هذا الشعر العربي الجاهلي وأن - ستأخذهم روعته ويتملك عليهم مشاعرهم النابضة سحره.