الصور الشعرية |
وحديثنا في هذا الفصل (الصور الشعرية) إنما هو حديث عن قوة الشاعر التصويرية والتحليلية. |
وأحب ألا يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم أن الحديث عن (الصور الشعرية) هو الحديث نفسه عن (الخيال) أو هي البديع من الاستعارة والتمثيل. والكتابة. |
فالخيال -كما قلنا عند الحديث عنه- في مصطلح البلاغيين (ما ينكره العقل أو لا يقبله بالبداهة) وعند الفلاسفة – (تصرف القوة الفكرية خارج حدود العقل). |
فكلا هذين التعريفين لا يشتبهان (على القارئ) والصورة الشعرية -حين نعرفها له-. |
ولكن ما نحس أن يقع الاختلاط بينه وبين الصورة الشعرية هو تصرف المحدثين في معنى الخيال إلى جعله (استخلاص المعاني العميقة في أساليب دقيقة مبتكرة - كما قلنا وهو الذي جرينا عليه وأخذنا به في الحديث عن الخيال). |
فنحن لا نعني (بالصورة الشعرية) ما عنيناه (بالخيال) في الفصل السابق ولا نعني به (الاستعارة والتمثيل والكناية ومثيلات هذه البدائع البلاغية) فتلك هي المعاني الجزئية. |
ولكنا نعني (بالصورة الشعرية) المجموعة التي ينظمها الشاعر من الخيال فتداعي المعاني إليه والبدائع البلاغية من الاستعارة والتمثيل والكناية وغيرها كل أولئك في لفظ جزل وتعبير رصين وأسلوب متين لتكون صورة تحليلية منمقة أخاذة محيطة بأسباب ما يريد تصويره وجميع أنحائه. مثبتة لمعناه في النفس وهذه هي الصورة الشعرية التي نقصد إليها. |
وقد يحلِّق الشاعر بعيداً عن الحقيقة (التي يعرفها الناس ضد الخيال) ولكن هذا الخيال - في الواقع- حقيقة ثانية هي حقيقة شعوره نحوه من نفور من الشيء أو تعلق به أو غير ذلك فينتقل -وعلى الناقد أن ينتقل معه- من هذه الحقيقة إلى تلك. |
وأهمية (الصور الشعرية) تصوير الغرض الكلي المقصود. المتكون من مجموع المعاني المتفرقة أشتاتاً في الهيكل الشعري في صورة بالغة التأثير متمكنة من النفس حتى ليقرأها القارئ وما يدري أهو يرى صورة محسوسة من صور الوجود الناطق أم ينشد قصيداً على قرطاس. |
(فللصور الشعرية) أهميتها. حين يريد الشاعر أن يبعث الشعور الحماسي من القلوب إزاء خطر يهدد أو خطب يفجأ. أو حين يريد أن يستدر العطف الإنساني في حادثة مؤسفة أو فاجعة مؤلمة أو حين يريد أن يعمل ليلاقِيَ كارثة مدلهمة تنذر بصيرورتها أو يبعث الغير إلى اتقاء انهيار. وحين يريد أن يوجه الأنظار إلى العناية بمشكلة أو يجتذب الأفكار إلى حل معضلة. |
(للصورة الشعرية) كل ذلك الأثر حين يصور الشاعر (فداحة النازلة) وخطورة المواقف أو يمثل ذلة البؤس وهوان المسكنة. أو يجلجل على أوتار العواطف السامية أو يضرب على مواقع التأثير في المشاعر النبيلة. |
اختلاف الصور الشعرية: |
وتختلف (الصور الشعرية) -بداعة واتقاناً. وتعقيداً وارتباكاً- باختلاف عواطف الشعراء |
وشعورهم الشخصي تبعاً للظروف. من صدق اللهجة. وسمو الفكرة التي يحملونها وقوة الإيمان بالدعوة التي يدعون إليها والإخلاص لها وما تتفاوت فيه أقدارهم من (الحاسة الفنية) أو الذوق السليم والرسوخ في اللغة. وملاحة التأويل. وحلاوة البلاغة وجمال التصوير. وطلاوة الخيال الحر البيان. |
|