شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الرياضة: تربية .. ومنهاجاً
كيف نُعِدّ الرياضي المسلم:
عقلياً، وعلمياً، وعملياً، وجسمياً، وخلقياً واجتماعياً؟
وكيف تحقق الأندية الرياضية ذلك:
إدارةً ووسيلة؟
وكيف نشيع الروح الرياضية بين الشباب المسلم ونشمل بها أكبر عدد ممن سواهم؟
وكيف نوحّد بين الشباب الرياضي المسلم في كل آفاق الأرض؟
وكيف يكون للشباب الرياضيّ المسلم شخصيته المميزة؟
وكيف يجوز للشباب المسلم الرياضي -وعلى أي نحو ولأي مدى- التعاون مع الشباب الرياضي في كل أنحاء العالم؟
قبل أن أجيب على هذه التساؤلات خطر على بالي سؤال:
لماذا لم يستعمل القرآن الكريم كلمة رياضة ولا مشتقاتها قط وإنما استعمل كلمة جهد وجاهد وتجهدْ وجُهْد وجهاد ومشتقاتها أكثر من أربعين مرة؟
وكذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ووجدت السر في اللغة:
فمادة راض وروّض وراوضه على الأمر تعني خاتله وداراه حتى يدخل فيه. وتراوض الرجلان في البيع تجاذباً وهو ما يجري بين المتبايعين من الزيادة والنقصان كأنّ كل واحد منهما يروّض صاحبه وتراوض القوم في الأمر تناظروا فيه. والرّيض: لدابّة أول ما تُراوض يستوي فيه المذكر والمؤنث. وأمر ريّض لم يحكم تدبيره. ومنها جاءت الرياضة: (إعمال عضلات الجسم لتقويتها)..
وهكذا.. ويتأتى منها -على تأويل- هذا التعبير العامّي.. رَيّض.
و (الروضة) سميت لإِستراضة الماء فيها و (روضات الجنان) أطيب بقاعها.. وهما اللفظتان الواردتان في القرآن من هذه المادة. وهما على أبعد مدى منها.
فكأن (الرياضة) مداراة النفس لدخولها في أمر وتعويدها عليه بطرق التآلف، والمراضاة والمداورة.
في حين أنه:
جَهَد في الأمر جُهْداً: جد وتعب، وجهُد: بلغ جُهْده وغُمّ وهزل، وجَهِد عيشه جَهَد: صعب واشتد ونكد. وأجهد علينا العدو: جد في العداوة. وأجْهَدَ في الأمر: احتاط. وجاهد مجاهدة وجهاداً: بذل وسعه فمنها وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ (الحج: 78) وجاهد العدو: قاتله محاماة عن الدين، والأصل بذل كل منهما جهده في دفع صاحبه. واستجهد في الأمر: تبصّر وتنبّه له. والجُهْد والجَهْد والمجهود: الطاقة، والجَهد أيضاً الامتحان والجهد والتعب ومنه أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ (المائدة: 53). والجُهادى: القُصارى. والجُهَيْدى: غاية الجُهْد. وجَهِد وأجهد الطعام: اشتهاه، وجَهَد بالرجل: امتحنه وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا (لقمان: 15) وجَهِد اللبنَ: أخرج زُبده كُلّه، وأجهد المالَ: فرّقه وأفناه. وأجهد الحقُ: ظهر، وأجهد فيه الشيبُ: كثر وبدأ فكانّ الجهاد؛ الجد والتعب والامتحان وبذل الجهد في الأمر مع الإحاطة به وتبصّره والتنبه به والاحتياط له ومواجهة النفس فيه مواجهة صريحة من غير مداراة ولا مداورة. واسْتُعمل الجهاد: لمجاهدة النفس وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ (العنكبوت: 6)، أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (آل عمران: 142) ولمجاهدة العدوّ بالنفس والمال إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ (الأنفال: 72) ولمجاهدة الآخرين بالحق فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (الفرقان: 52).
فالجهاد - إذاً:
ترويض النفس بلا مداورة ولا مخاتلة بل على بيّنة من هدفها ومفهومها وعلى مواجهة لها بالهدف والعمل.
وبلوغ بالرياضة إلى هدفها من محاربة ترف النفس وترف الجسم وترف العقل وترف المال وبلوغ بالرياضة إلى غايتها في الدفاع عن النفس والحق.
وبذل النفس والطاقة بنوعيها المادي والمعنويّ.
وكأنّ الإسلام قد أراد للمسلم أن يأخذ نفسه بالحزم والعزم والصبر ومواجهة النفس والواقع بالإِرادة لا بالمواربة ليكون ذلك أدعى إلى الثبات على النية وأمضى في العمل إلى الغاية.
لذلك عبّر عن ألزم رياضاته وأدومها بقوله تعالى: وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ (البقرة: 45). وعندما تحدث عن الأمة الوسط وتحويل القبلة في آية واحدة قال وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ (البقرة: 143).
فالجهاد - إذاً غاية الرياضة ومنتهى هدفها.
وإذا كان العقل البشري -في تجرّد عن الدين- قد حاول أن يسموا بالرياضة إلى النحو الذي أوضحته في محاضرتي السابقة. فنحن -المسلمين- حريون بأن يكون مفهومنا للرياضة بكل صورها تجسيداً لكلمة الجهاد وتحقيقاً لمعانيها وعلماً بأنه أسمى غايات الرياضة إعداداً وتدريباً. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم الرمي سهم من سهام الإسلام.
هذه واحدة: وهي النظرة الفكرية إلى الرياضة ترتفع بها عن مستوى الماديات إلى مستوى المعاني السامية وترتفع عن مستوى المواربة إلى مستوى الإرادة.
وسؤال ثان:
لماذا حض الإسلام -وهو تشريع سلام وأمن وطمأنينة- على الجهاد: إعداداً له وبذلاً فيه ومثوبة عليه؟
ويقيني في الإجابة على هذا السؤال:
إن الإسلام وقد جاء بتقنينات للأمن والاستقرار والرخاء في الداخل، وبتقنينات للسلام مع الخارج قد خشي أن يؤدي ذلك إلى: الاسترخاء والذلّة في الداخل، والاستكانة والضعف أمام الخارج فدعا إلى الجهاد ليكون المسلمون على أُهْبةٍ له دائماً:
قوة أمن: تحافظ على الطمأنينة والاستقرار والرخاء في الداخل.
وقوة دفاع: تردّ العدوان من الخارج.
فأراد بالدعوة إلى الجهاد أن تكون النفس المؤمنة على أُهبة الاستعداد للدفاع عن ذاتها وحقها وحرماتها في السلم والحرب على سواء:
فهو -بذلك- جعل الجهاد:
حماية لاستمرارية السلم لا نزوعاً إلى الحرب.
وحماية لمعنى السلام أن لا يتحول إلى الاستسلام.
وهو -إذاً- الإطار التكميلي لصورة:
السلام والعدل والحق والنور.
الأهداف الأربعة للمجتمع المسلم والفرد المسلم سلوكاً وحياة ومطلباً.
وهو -أي الجهاد- الحركة الوقائية عن المجتمع المسلم المحقق لهذه الصورة وسياج وجوده وأعتقد أن التشريعات الحديثة التي قنّنت وفرضت (التجنيد الإجباري) والتي أدخلت (التربية العسكرية) كمادة تعليمية تحت ضغط الأحداث قد اشتقت هذا المفهوم عن الجهاد في التشريع الإسلامي ولهذا قال صلى الله عليه وسلم خير ما لهوتم به الرمي.
والرياضة البدنية بمفهومها الحديث ووسائلها المتعددة صالحة لأن تكون نواة النفوس لهذا المعنى الجليل وفي نفوسنا المسلمة خيراً مما كانت في الأجيال السابقة من عمر الدهر مما تحدثت عنه في حديثي الأول.
تقاوم الخمول وتطرد الخوف وتهب القدرة على مواجهة الأخطار وتغرس بذور الكرامة في النفس.
هذه ثانية:
وهي النظرة الحياتية إلى الرياضة لبناء مجتمع شجاع كريم في ذاته كريم على غيره.
والإسلام -بعد ذلك- حريص على أمن الفرد وسلامته حرصه على أمن الجماعة وسلامتها وهو -لذلك- أعطى المسلم حق الدفاع عن نفسه وعرضه وماله إلى أعلى درجات الحق والدفاع وهو القتل في سبيل ذلك، وجعل القَوَدَ والقصاص وسيلة ضمان حق الفرد في السلامة والأمن. وجعل لنا (في القصاص حياة) للمجتمع في صورة الفرد فلا يقبل أن تتعرض سلامة فرد وصحته للضرر من أجل جدّ ولا عبث إلا في سبيلٍ واحدة هي سبيل الله. ونهى عن الإلقاء بالنفس إلى التهلكة، فلا يصح أن تكون الرياضة إلا وسيلة تدريب للدفاع عن السلامة ولذلك حضّ -بوجه خاص- على الرماية والصيد والسباحة والسباق -بالجري والركوب- قبل كل شيء لتكوين المؤمن القوي غير العابث بقوته كقوله صلى الله عليه وسلم: كل شيء من غير ذكر الله لهو ولعب إلا أن يكون أربعة ملاعبة الرجل امرأته، وتأديب الرجل فرسه ومشي الرجل فرسه ومشي الرجل مدة القرضين -أي الهدفين- وتعلم الرجل السباحة فعنى بهذه الأشياء حتى أخرجها عن معنى اللهو واللعب.
من هذا المنطلق ينبغي أن يكون أخذنا بألوان الرياضة لا مجرد محاكاة ونقل عن غيرنا فلا نأخذ المصارعة الحرة -مثلاً- على هذا النحو الوحشي الذي نراها عليه عند الغربيين إن الغربيين في هذه المصارعة لا يهدفون إلا إلى شيء واحد هو التسلية. تسلية المشاهدين على حساب هذا النفر المجنون طالبي المادة: دخل المباراة.
وهؤلاء المشاهدون قوم قد أُترفوا في حياتهم العامة والخاصة حتى أصبحوا في حاجة إلى التسلية بالوحشية التي تخضخض حياتهم وتهيّج انفعالاتهم.
إننا نستطيع أن نحسّ الفرق الإنسانيّ حين نشاهد مصارعين إنكليزيين على مستوى كبير من المهارة والتهذيب إلى جانب الالتزامات الإنكليزية في المصارعة الحرة -خلافاً للمصارعة الأمريكية-، كيف يكون شعورنا إنسانياً ورفيعاً بما يتبادلانه من المصافحة والتكريم والتراضي على الفك في بعض الحالات المتساوية. وبما يتعاوروان من المهارة والتكنيك الفني وما يبعدان به عن الضربات البربرية والشهوة الوحشية في الغلبة وما يسلمان من منافاة القواعد.
هذا إلى جانب أن الهدف الأساسي الذي يُظن أنه أصل نشأة المصارعة الحرة وهو تعلم مقاومة الإنسان للحيوانات المتوحشة قد أصبح الإنسان في غنى عنه بما تيسر له من وسائل السلاح الماديّ في هذه المجابهة ومن الوسائل العلمية بدراسة طبائع الحيوان ومعرفة نواحي النقص في قدراتها ونواحي الضعف في ملكاتها التي تمكن للسيطرة عليها.
وكذلك الحال في مصارعة الثيران وما شابههما.
ولكن هذا لا يمنعنا من الأخذ برياضة القفز بالمظلات إن أمكن لأنها ذات هدف وأهمية عسكرية.
فلنا أن نعود بالمصارعة إلى أسلوبها القديم عند العرب بما كان يسميه أبناء البلد: (مطارحة) وأن نضع لها من القواعد ما نشاء لجعلها أخلاقية ورفع مستواها الفني. وأحب أن أنبّه -هنا- إلى أنني حين استشهدت بما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم من المصارعة لم يكن هذا النمط المعروف اليوم لدى الغربيين ولكنها كانت نمطاً من هذه اللعبة الشعبية (المطارحة). وليس أدل على وجهة نظر الإسلام في المحافظة على سلامة الجسد من قوله صلى الله عليه وسلم إن لبدنك عليك حقاً.
هذه ثالثة:
وهي النظرة الإنسانية إلى الرياضة ترتفع بها عن الوحشية في ممارسة أو الوحشية في مشاعر تنعم بها وتصفق لها.
والإسلام نعى على الناس أن يكون مدى علمهم وعملهم أنهم وجدوا آباءهم على طريقة فهم على آثارهم مقتفون. ومنعنا من التشبّه بغير المسلمين لا لهذه المعاني والصور المتهافتة التي حكر عليها بعض المسلمين أفكارهم وتصورهم لها بل لعلمه بأن لهؤلاء -غير المسلمين- نمطاً من التفكير والأسلوب تتكيف به تصرفاتهم وحياتهم وآراؤهم التي تحيد عن الصواب في كثير من الأحوال ليس يقصد الميل عنه ولكن لمفهوم الأشياء والأمور عندهم الذي قد يختلف عن مفهومنا. غير أنه أيّد أن الحكمة ضالة المؤمن فلم يمنع الأخذ بالمفيد وإنما أراد أن نكون في أخذنا هذا نابعين عن ذاتيتنا ومفاهيمنا لا لمجرد المحاكاة والنقل وذلك ما يعطينا القدرة على التجديد والتطوير والابتكار وما يمنحنا الثقة بالنفس لأن المحاكاة والتقليد دائماً نتيجة موقف الضعف من موقف القوة، وهو ما لا يريده الإسلام لأهله ولا يرضاه لهم بالانسياق والتعوّد.
وما أقول هو ما فعله أسلافنا في كل مجالات المعرفة حين أخذوا عن من سبقهم إلى شيء منها فألفوا وجدّدوا وطوروا وابتكروا.
وبهذه الفكرة فعلينا أن نراجع ما نأخذ من غيرنا. فنأخذ الصحيح منه ونعدّل ما فيه من غير الصحيح حتى في ميدان الرياضة التي نحن بصدد الحديث عنها. ولا نرفض كذلك شيئاً برمته لعيب فيه نقدر على تلافيه.
فنحن -مثلاً- حين ننظر إلى النظام الكشفي في العالم نجد له من المحاسن والأغراض الشريفة ما نرتضيه، فليس معنى ذلك أن نأخذه بالنقل والتقليد في كل شأنه وإنما علينا أن نعيد النظر في بعض نواحيه.
مثلاً حين يعتمد في تسمية الفرق المتعددة فيه بأسماء الحيوانات. يتعلم أفراد كل فرقة صوت الحيوان الذي هو شعارها ويتنادون بهذا الصوت ويدرسون أخلاقه ويتخذون منه عَلَم فرقتهم ونحو ذلك من الصور التي أكاد أسميها خرافة.
ونحن نستطيع أن نمارسها على نمط خاص بنا في هذه الناحية تتخذ كل فرقة اسمها من أسماء فرسان المسلمين ويتنادى أفرادها به أو برمز إليه وتدرس شخصية صاحب الاسم ومميزاته وأساليبه الحربية والحياتية والخاصة وتحاول التحلّق بها.
وفي استطاعتنا أن نختار لهذه الغاية مائة اسم سنجد في تاريخنا متسعاً لهذا العدد وأكثر منه، فتكون فرقة الصديق وفرقة عمر بن الخطاب، وفرقة علي بن أبي طالب، وفرقة خالد بن الوليد، وفرقة محمد القاسم، وفرقة عبد القادر الجزائري، وفرقة عبد الكريم الخطابي وأسماء أخرى من تاريخ الشعوب الإسلامية عامة... خيراً من أن تكون فرق...
هذا عدا أن مثل هذا الاتجاه فيه تجسيد للمعاني والأساليب والصور السامية. وفيه تكريم لأصحابها وفيه تشجيع على حسن الاتباع والأسوة والقدوة.
وأن يكون شعار الفرقة منسوباً إلى الشخصية... وهكذا في كل ما هو لديهم على هذا المنوال. وإذا علل أولئك القوم بتضمينه فكرة (الرفق بالحيوان) فإننا نجد لهذه الفكرة مجالها الطبيعي الذي سبق ديننا الأمم إليه حتى تجسَّد الحس به في قول عمر لو أن بعيراً عثر في العراق لسألني عنه ربي ولنا -كذلك- أن نستحدث من ألوان الرياضة ما يلائم هدفنا وحياتنا ونستعيد من رياضاتنا الشعبية السابقة -مثلاً- ما كان يسمى عند أبناء البلد بـ (القِشاع) وهو شيء من أروع الرياضات حتى كان الواحد يستطيع بذلك أن يردّ عن نفسه عدوان عدد من الرجال. بل يستطيع الماهر فيه أن يردّ بعصاه عن نفسه مَنْ بيده مسدس أو بندقية بضربة على معصم اليد أو الكتف أو غير ذلك. وأظن أن لعبة (التحطيب) الشعبية في مصر شبيهة بـ (القشاع).
وربما كانت في البلاد الإسلامية الأخرى ألعاب شعبية يمكن حسن استعمالها ألعاباً رياضية في العالم الإسلامي كله وربما دولية يأخذها عنهم الآخرون.
هذه رابعة:
وهي النظرة المميّزة أو الشخصية إلى الرياضة نفرض بها شخصيتنا على أعمالنا ونبرز فيها ذاتيتنا ومفاهيمنا وخواصنا.
فأقوى ما يلفت النظر في العلاقة بين الجسم والعقل:
هذا التطور الجسماني والتطور العقلي اللذان يسيران في موازاة.
وهذا التطور العضوي والجسماني الذي نلاحظ رقيّه في الكائنات الحية من الدنيئة -كما يسمونها- ذات الخلية الواحدة إلى المتعددة الخلايا.
وهذا الارتقاء في سلم التطور الذي تتعدد معه وتنوع أعضاء الكائن الحي.
وهذا التخصص في الوظائف تبعاً للتنوع والتعدد.
وهكذا نجد تطوراً جسمياً يصاحبه عامة تطور عقلي يبدأ بالبسيط ويرتقي إلى المركب أو الراقي. فالكائنات الحية البسيطة نجد لها حياة عقلية بسيطة وبالتدريج إلى الكائنات الحية الراقية نجد لها حياة عقلية راقية.
وهناك مظهر هام من مظاهر التطور الحسيّ هو ما ثبت وجوده في المجموع العصبي من ترق تدريجي من البسيط إلى المركب في مراحل التطور المختلفة حتى بالغ بعضهم فجعل الحياة العقلية هي وظيفة المجموع العصبي. ومع ما في هذا الرأي من مبالغة ففيه شيء من الحقيقة غير قليل.
وهناك علاقة واضحة بين الحياة الجسمية والحياة العقلية في الإدراك الحسيّ الذي هو الخطوة الأولى اللازمة لبقية العمليات العقلية الإدراكية الأخرى بالرغم من جهل العلم تماماً بكنه العلاقة بين الحوادث العقلية والحوادث الحسية.
ووجود العلاقة بين الجسم والعقل يبدو جلياً في الحالات الانفعالية فكل حالة من هذه الحالات كالخوف أو الغضب أو التقزز أو المفاجأة وغير ذلك تبدأ بإحساسات وإدراكات صادرة عن الموقف ثم بشعور نفسي به ثم بحالة نزوعية للتصرف إزاءه والتخلص منه.
وكذلك على نحو منها بردود فعل مختلفة حالات السرور البالغة والحب العنيف والمفاجأة السارة.
وقد ثبت أنه عند هذه الانفعالات العقلية تحدث في داخل الجسم تغييرات تهيئه للتصرف.
ونظرية الأمزجة الأربعة الإغريقية القديمة: الدم والبلغم والصفراء والسوداء في تقسيم الشخصية معروفة. وربطها بعض المحدثين بإفرازات الغدد وقد بالغ بعضهم فقال:
أن كيمياء الخليّة هي بعينها كيمياء الشخصية.
وزاد أحدهم فربطها بأبعاد الجسم والنسب بينها وشكل العضلات والجلد والعظم والشعر وقسم الناس إلى ثلاثة أنواع: الهزيل والرياضي والسمين.
فالهزيل - في تشخيصهم له: هادئ، محافظ، جادٌ، قليل التقلب بين حالة انفعالية وأخرى، قليل الاجتماع بغيره.
والرياضي: مثله على مستوى أرقى. ربما أتى رقيه من الناحية الاجتماعية في حياته.
والسمين: نوع صريح يميل إلى الصداقة، مرح، سريع التقلب بين حالة انفعالية وأخرى.
ولعل من لطف الله -إذاً- قياساً على رأي صاحب هذا الرأي - هذا (الترهل) الذي يصيب الإنسان من بعد الأربعين ليتمتع بمميزات السمين فيرتاح إلى الصداقات وينشرح للمرح ويصرف بالصراحة حالة الانفعال، وينسى الانفعال بسرعة التقلب.
وعل كل حال، فالرأي العلمي:
أن الجسم يؤثر في الحياة العقلية عن طريق الفعل المباشر للدم بالتغييرات التي تحدث على حالة ما يصل إلى المخ من الدم أو ما يحمله الدم من مركبات تصل إليه أو المركبات التي تُفْرز فيه.
وأما التغييرات الطارئة فيمكن ملاحظة تأثيرها بعد أكلة ثقيلة.
والفرق بين الحالات العقلية للإنسان المصاحبة لأنواع ضغط الدم واضحة ففي حالات الضغط العالي يقلّ النوم ويكثر العمل العقلي ويسرع وتبدو سرعة الانفعال، وفي حالة الضغط المنخفض يكون الخمول وعدم القدرة على التركيز أثناء العمل العقلي وبطء العمليات العقلية وبطء التأثير الانفعالي.
وتأثر الحياة العقلية ببعض الأمراض الأخرى كالشلل معروف وتأثير الغدد كذلك معروف.
وأثر المكيفات معروف.
وقد أشرت إلى هذه الناحية هنا لأبرر لما سأقوله من: ضرورة تناول الرياضة على ضوء الحالة الصحية للفرد. وما أصبحت به الرياضة علاجاً لحالات الإنسان المختلفة من قصر وسمنة ونحول وغير ذلك.. وأن الرياضة قادرة على تعويد الإنسان على ضبط الانفعالات وتقويمها في الحياتين العقلية والجسمية وما يكون للرياضة من أثر في التكوين وما أصبحت به الرياضة علاجاً لحالات مرضية باطنية ووسيلة لتقوية القدرة العقلية وتنشيطها في الإنسان.
هذه خامسة:
وهي النظرة الصحية إلى الرياضة عاملاً هاماً في تكميل الحياة الجسدية وتوازن الحياة العقلية وكما أن للجسم تأثيراً على العقل فإن للعقل تأثيراً على الجسم بعيد المدى.. مجال شرح يطول ولكنه يكاد يكون موضوع (علم النفس العام) بكامله وموضوع (علم النفس العلاجي) أو العِلاج النفسي الحديث فتأثير الحب والغرائز والإيحاء والارتباط الشرطي وغير ذلك كثير تأثيره على الجسم معروف وتأثير الكآبة والعقد النفسية والأحوال العصبية وما يشتق عنهما من كثير تأثيره على الجسم معروف وتسبب الانفعالات والطوارئ العقلية في أمراض السكر وضغط الدم والشلل وغير ذلك.
وأثر علم النفس في مقاومة هذه العوارض والأعراض والأمراض معروف.
ونصائح الأطباء في كثير من حالات المرضى بعدم الغضب وعدم الانفعال والعمل الشاق ونحو ذلك نسمعها دائماً ونبتسم لها حين نعتبرها نصائح شبه مستحيلة.
وزاد اليقين في أثر العلاج النفسي الحديث المتفرع عن علم النفس العام والمتوغل حتى أصبح علماً خاصاً بل أصبح الإيمان به حقيقة علمية حتى سمى (الطب النفسي) ومن بعض وسائله العملية الرياضة.
وإذا كان (علم النفس) حديث النشأة و (الطب النفسي) أحدث نشأة منه، فإن تأثير الحياة العقلية على الحياة الجسمية وتأثير الحياة الجسمية على الحياة العقلية في سابق علم الله على سواء.
ولذلك كان من بين خصائص رسالات السماء الاتجاه إلى معالجة النفس استكمالاً لقدرتها على الحياة الصالحة إلى جانب تنظيمها سنن الحياة العامة بالمصالحة بين النفوس ولذلك روّض الإسلام (الحياة العقلية) بالصبر والعفو وأغرى بهما وحض وأثاب عليهما.
وهنا يقوم سؤال:
لماذا استعمل القرآن كلمتي الصبر والعفو ولم يستعمل كلمة التسامح والسماحة؟.
وهنا نجد كيف أن طبيعة الإسلام هي معالجة النفس بالمواجهة لا المواربة ولعله الفرق الذي نلمسه بين طبيعة المسيحية في ما بقي من تراث رسالتها وبين الإسلام.
وهذا الفرق نفسه يدل على الحالة الطبيعية للإنسان في عهد المسيحية من ضعف النفس ومحاولة شريعة السماء في ذلك العصر المعالجة بالمداراة ولعله الفرق الذي نلمسه في رسالة الإسلام وفي عهد البعثة المحمدية من قوة النفس ومعالجة الإسلام للنفس البشرية على هذا الأساس تدرجاً مع سنة الله في نمو الإنسان واستقباله الرسالة الجديدة والاستعداد لحمل أعبائها وهذا موضوع آخر..
فالسماحة فيها معنى التساهل والملاينة والموافقة على المطلوب ومن مشتقاتها سَمّح بمعنى هرب وبيع السماح: ما كان فيه تساهل في بخس الثمن.. وهكذا.
أما العفو فهو الصفح وترك العقوبة ومحو الذنب، وعفا عن الشيء أمسكه وعن الحق أسقطه والصُّوف جزّه والريحُ الأثر محته ومنه عافى الله المريض دفع عنه العلة والبلاء والسوء وأعفى المريضُ عوفي وأعفاه من الأمر برأه واستعفى الرجلُ مُكَلِّفَه: طلب منه العفو من تكليفه وعفا عليه في العلم زاد فهو تعبير عن مواجهة قوية للغرض في كل حالاته. ولعل أروع تصوير للعلاقة بين الحياتين العقلية والجسدية هذا الربط الوثيق الذي ربط الدين به بين القلب وهو مركز الحياة الجسدية والعقل وهو مركز الحياة العقلية في مثل قوله تبارك وتعالى: لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا (الأعراف: 179). أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا (الحج: 46) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (محمد: 24) } (التوبة: 93) والتعبير بالقلب في مواضع التصرف العقلي فلا يفقهون ولا يعقلون ولا يتدبرون ولا يعلمون منسوبه إلى القلب مثل قوله تعالى: وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ (فصلت: 5) رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا (آل عمران: 8) وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ (البقرة: 88) والتعبير عن أفعال الجسد بالقلب أيضاً في مثل قوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ (الأحزاب: 5).
فكأن (القلب) هو القاسم المشترك الأعظم بين الحياتين العقلية والجسدية فهذا هو رأي الإسلام في الناحيتين السابقتين أثر الجسم على العقل وقد روضه كما في الحديث الأول بالعبادات وأثر العقل على الجسم.
وكذلك الصبر:
صبر على الأمر جرؤ وشجع وتجلد وصابره غالبه في الصبر وصبره أكرهه وألزمه وصبره عن الأمر حبسه عنه وصبر به كَفَل به وصبره أعطاه كفيلاً والصَّبارة الكفالة. والصبر التجلد وعدم الشكوى من ألم فالصبر تعبير عن مواجهة قوية للغرض في كل حالاته وحتى الصّبار والصبير سُمّي بذلك لأنه يصلح سياجاً لشوكه.
فالعفو والصبر مواجهة من موقف القوة لا من موقف الضعف.
والإسلام ربط هذه (الرياضة) للحياة العقلية برباطي (الإيمان) و (التقوى) كما قلت في محاضرتي السابقة عن شأنه في (العبادات) وفروعها ربط الحياة العقلية من ناحية (الإيمان) بأنها ابتغاء وجه الله ومن ناحية (التقوى) برجاء ما عنده من المثوبة عليها جل شأنه وهو قد أعطى في مثوبتها أكثر مما أعطى في مثوبة البدء بالخير لأنها في الواقع استئناف للخير بعد استحقاق لغيره.
وعلى ما في هذه الرياضة للحياة العقلية من خير وعلاج اجتماعي علمي فإن فيها علاجاً للذات بما تشيع فيها من الطمأنينة والثقة والراحة.
وقد اهتم التربويون أيضاً بتنشيط العقل بطريق الألعاب العقلية وألعاب الحيلة التي تعين على النشاط العقلي أكثر من النشاط البدني.
واهتموا كذلك بمعالجة طاقة الإنسان الزائدة وحاجتها إلى التصريف بالضحك بطريقة ألعاب الفكاهة.
هذه سادسة:
وهي النظرة النفسية إلى الرياضة علاجاً للذات وتنشيطاً لقواها الخيرة وتصريفاً لطاقاتها الفائضة.
وأتساءل الآن:
بماذا نرى الأشياء؟
والجواب واضح وبسيط بالحواس!
إن ما تراه النفس من الأشياء وعنها ليس إلا ما تستخلصه الحواس لها.
وهذا الحس هو ما ينعكس على تصرفاتها. وكلما كان إحساسنا رقيقاً كلما كانت رؤانا للأشياء شفافة كما هو حال الفنان والشاعر مثلاً.
وكلما كان إحساسنا رقيقاً كلما كانت تصرفاتنا خيرة كما هو حال العلماء العاملين وهناك نظرة مادية إلى الحواس فقد لاحظ بعض التربويين أن كثيراً من تأخر النشء وضعف نشاطه العقلي يرجع إلى عدم تدريب الحواس الأساسية وهي السمع والبصر واللمس والشم والذوق فحاولوا تدريب هذه الحواس بواسطة ألعاب مختلفة لكل حاسة، لتدريب الحواس على سرعة المتابعة والملاحظة والدقة لأن بطء هذه العمليات الحسية في الإنسان المتخلف قد يكون سبب تخلفه الذهني والعقلي.
والقرآن نبه الحواس وحركها بترديد متكرر في مواضع لا حصر لها بغرضين:
الغرض الأول:
- أن يكون ذلك عملية ملاحظة عقلية وهي أولى درجات المنهج العلمي للإيمان.
الغرض الثاني:
- هذا الذي نحن بصدده من ترقية الحس باعتباره وسيلة طبيعية لإدراك حقائق الأشياء
وتفتحاً للنفس والعقل على مغاليق الحياة ومنفذاً للإطالة على العالم.
وحض الإسلام على التأمل واعتبره عبادة وجعله بعض الصوفية من أعظم الذكر وما التأمل إلا حصيلة الحواس والإحساس. ومصدر الإلهام.
هذه سابعة:
وهي النظرة الحسية إلى الرياضة أداة لترقية الحس وشفافية الشعور وحسن التلقي وحسن التصرف، وفي كل ذلك رقيّ للنفس والعقل والذات.
ومن طبيعة الرياضة أنها وسيلة تجمّع. والصفة البارزة للمجتمع القوي أو الأمة القوية هي قوة التماسك الاجتماعي الذي يشعر أفراده بالتضامن والتكامل ومكان كل فرد فيه وأول ما يبدأ الضعف في أمة يتجلى في انفراط عقدها الاجتماعي وشعور كل واحد منها بالعزلة والوحدة في الغاية والأسلوب والإحساس. ولهذا كانت سياسة السلطة المستعمرة دائماً التفريق في كيان الأمم وفيما بينها وسيلة لسيادة الاستعمار. ولذلك فأنجح الوسائل لاستعادة الأمة كيانها أن تسعى إلى تكوين الروابط الوثيقة فيما بينها. فالأفراد إذا عاشوا في عزلة بعضهم عن بعض لم يَرَ كل منهم الحياة ومعانيها إلا من اتجاه نظره وبمنظاره الخاص الذي تكوّنه ثقافته ونفسيته وظروفه، ولكن الحياة المشتركة توحّد -قدر الإِمكان- النظرة المشتركة إلى المصلحة العامة.
وليست الديموقراطية كنظرية إلا تطبيق معنى التعاون وإن كانت قيمة كل نظرية في التطبيق.
وليس الإسلام من قبلها إلا تحقيقاً فكرياً وعملياً للتعاون قلباً وقالباً.
فالرياضة وسيلة تجمع تمتاز بشيئين:
أولهما: أنها تجمع على أكبر حد ممكن.
وثانيهما: أنها يمكن أن تتوفر فيها كل صفات الجماعة المتكاملة حين ينطبق عليها كل ما اشترطه علماء التوجيه التربوي من سمات تتميز بها الجماعة الصالحة وهي:
(أ) أن يشعر كل فرد بمكانه فيها -وهذا ما يحدده التنظيم الإداري للنادي وسيأتي الحديث عنه.
(ب) أن تكون هناك معايير مشتركة تتحكم في سلوك الأفراد - وهذا ما تقوم به الريادة الصالحة وهي مجال حديث بعد.
(ج) أن يكون للجماعة هدف ونظرية - هذا أهم ما هدفت إليه من محاضرتي السابقة وهذه النظرات وبالرغم من أن الجماعة الأولية -كما يسمونها- وهي جماعة الأسرة وجماعة الأصدقاء من أهم الجماعات تأثيراً على الفرد فإن الجماعات الثانوية كالأندية والمدرسة وما شابهها كثيرة الفائدة للفرد وكلما كانت ناجحة كلما أدت إلى جانب دورها دور الجماعة الأولية -كأسرة وأصدقاء- وهي مفيدة أكثر بل لازمة في حالة أي نقص في الجماعة الأولية:
أما إفادة الفرد من الجماعة فهي:
(أ) تحقيق رغباته الشخصية والاجتماعية التي يعجز عن تحقيقها بمفرده لما للجماعة من إمكانات لا تتوفر للفرد بدونها.
(ب) شعوره بالإنتمائية المانحة للطمأنينة النفسية.
(ج) اكتسابه من مواريث الأمة وتمكنه من التفاعل تفاعلاً إيجابياً مع أفراد مجتمعه.
(د) تساعده على معرفة نفسه عن طريق المقارنة التي يلمسها عند الاشتراك مع غيره.
(هـ) تساعده على ممارسة أنواع من النشاط يستغلّ بها كفاياته ويكتشف كفايات أخرى.
أما كيف تؤثر الجماعة في ترقية سلوك الفرد فلأن:
(أ) للجماعة معاييرها وقيمها التي لا بد للفرد من اكتسابها بالانتماء إليها فهي بوتقة تنصهر فيها معايير مختلف الأشخاص المنتمين إليها لتتحول إلى معايير مشتركة.
(ب) الجماعة الصالحة هي التي تسيطر -بالاختيار- على أفرادها وسلوكهم تبعاً لمعايير الثقافة والقيم الاجتماعية لأمتها لتماسك كيان المجتمع وتقوية الروابط بين أبنائه.
أما أنها وسيلة لقيامه بخدمات مفيدة للمجتمع فلأنها:
(أ) تغرس فيه روح الجماعة والتعاون.
(ب) توسع دائرة الصداقات.
(ج) تعوده العمل المشترك.
(د) تمنحه الفرصة لحرية الحركة والنشاط.
(هـ) تعوده تحمّل المسئولية العامة.
(و) تعطيه المجال لممارسة الخدمة العامة.
والجماعة الناجحة هي التي تتمكن من توجيه الفرد توجيهاً حسناً وسليماً بحيث:
(أ) تطارد الانطوائية والانعزالية فيه.
(ب) تهذب أنانيته.
(ج) تنظم حركته.
(د) تحسن توجيه نشاطه.
(هـ) ترقي تعامله مع الآخرين.
(و) تنمي مواهبه الفنية والشخصية والثقافية.
(ز) تعوده على المنافسة الشريفة.
(ح) تعلم القيادة الحكيمة والتبعية الصالحة.
وقد اهتم التربويون بإدخال روح الفكاهة والترويح على الجماعة في أوقات سمرها وندواتها لتكون الجماعة مسلية ومفيدة في آنٍ واحد. فأنشئوا ألعاب الجماعة والتعارف والمنافسات لتقوم بين الجماعة أنواع من التودد والصداقة تقوي أواصر العلاقة. ومن طبيعة هذه الألعاب أن تجعل اللاعب حيناً قائداً وحيناً مقوداً فيتعلم الفرد بذلك أساليب القائد الصالح والمقود الصالح ويتعلم أن المقود والقائد على شأن واحد وإنما هذه ترتيبات تفرضها طبيعة الحياة وسننها وطبيعة الكيان المشترك وتشعره بأن تبعيته لقائده ليست خضوعاً أعمى ولكنها حب متبادل وتعاون لكسب نجاح مشترك. وتعلم الفرد -والناشئة خاصة- أن الحرية ليست مطلقة ولكنها مقيّدة بحدود التزامات فاللاعب يلعب وفق قوانين موضوعة وتقاليد مصطلح عليها وإرشادات الرائد والمدرب تقوي في الفرد المقدرة على التصميم والتهديف والبناء.
ولما كان اللعب أفعالاً لا أقوالاً فإن النتيجة المكتسبة عن طريق التجربة والتعويد أسرع وصولاً إلى النفس وأثبت في الإقناع من وسائل التلقين والموعظة.
ورأي الإسلام في الجماعة ودعوته إليها وتشكيله لها في كل العبادات والأعياد والمواسم وفي المشاعر والالتقاء عليها والتعاون فيها والمسئولية الفردية والعامة ونحوها رأي تكفي الإشارة إليه دون الإطالة فيه. ويمكن اعتبار قوله صلى الله عليه وسلم يد الله مع الجماعة شعاراً جامعاً مصوراً أشمل تصوير وأروعه. بل لقد منّ الله بها على عباده وعلى ضوء ما عرفنا من تداخل الحياتين العقلية والجسمية يمكن الإفادة من التجمع الرياضي.
(أ) كشف الصالح من الاستعدادات والقدرات:
وقد قرر علماء التربية الحصول على تقارير من مدرسي الرياضة عن هذا البند، إضافة إلى البنْدين الأولين (النشاط - والجسم) ويدخل في هذا أن المختصين في التوجيه المهني قد جعلوا الرياضة منفذاً من منافذ الكشف على الميول والاتجاهات.
(ب) تحصيل المعلومات وأدوات المعرفة:
وهذا ما يبدو فيه أثر المدرسة واضحاً أكثر من كل بند سابق ولكن النادي الرياضي - بما يكون له من ندوات ثقافية ومكتبة وظروف مغرية سيكون عاملاً فعالاً في التنشيط والتنبيه لهذا التحصيل خارج المدرسة في النادي وغيره، وداخل المدرسة بما يجدد فيه النادي من نشاط همة وحيوية تفاؤل ويقظة ذهن تدفع إلى حب الإطلاع بكل وسائل المعرفة.
ولست بهذا أنقص قدر المدرسة قيد أنملة بل أقول إنه:
لقد أصبح من ميزات المدرسة الحديثة: الاهتمام بالنمو الجسمي والعقلي والوجداني والاجتماعي. والعناية بصحة الجسم والعقل، وإيجاد الوسط الاجتماعي لنمو الشخصية واحترامها، والتعليم عن طريق اللعب والتجربة والممارسة والعناية باللعب الذي كانت المدرسة القديمة تعتبره مضيعة للوقت والجهد وتقف دونه.
وقالوا: إن اللعب الفردي يعلِّم احترام الخصم والتسابق الشريف والصبر وتحمل المسئولية والتسليم بالنتيجة ومحاولة التفوق. وفي اللعب الجماعي تذوب شخصية الفرد في محيط الجماعة ويربو أساس التعاون والمساواة والإيثار والتفاعل بين أعضاء الفريق.
بل إن المبادئ الحديثة في التربية هي: مبدأ اللعب، مبدأ تحقيق الذاتية. مبدأ تعليم الحياة بالحياة أو التعليم عن طريق النشاط.
وكل هذه المذاهب على بعض الفروق بينها يدلّ مجرد تسميتها على ما يمكن أن تؤديه الرياضة في ظلها من خدمات للتربية والتعليم وما يمكن أن تقدمه الأندية الرياضية من مجال لتحقيق هذه المذاهب.
وأجدني في هذا السياق مشدوداً إلى أن أشير إلى أن سلفنا الفاضل لم يفته العلم بضرورة الرياضة والترفيه لطالب العلم.
فهذا الأصفهاني في محاضرات الأدباء يوصي (بترفيه النفس في طلب العلم) محذراً الطالب من مواصلة الدرس والجهد دون أن يتخلل ذلك راحة ورياضة. فهذا الجهد المتواصل ستكون نتيجته الفشل ويستشهد الأصفهاني بقول الرسول صلى الله عليه وسلم إن المنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظَهْراً أبقى ويضيف الأصفهاني إن على الطالب أن يواصل الدرس ما نشط عقله وفطن فإذا أحسّ في عقله فتوراً فليتوقف عن العمل وليلجأ إلى اللعب فإن العقل المكدود ليس لرويته لقاح ولا لرأيه نجاح.
وسأل أبو القاسم عبد الله بن محمد أحد علماء المغرب معيقب بن أبي الأزهر: ما حال صبيانكم في الكُتَّاب؟ فأجاب معيقب: ولع كثير باللعب. فقال أبو القاسم: إن لم يكونوا كذلك فعلِّق عليهم التمائم. (يعني أنهم إن لم يكونوا كذلك فهم مرضى).
وللغزالي وابن مسكويْه كلام في هذا المجال جميل.
وثبت أن المعاهد التعليمية الإسلامية القديمة قد أتبعت نظماً مفيدة، ورياضة منظمة للترويح عن التلاميذ وتجديد إقبالهم على العلم فسبقت بذلك المدارس الحديثة.
واستمعوا معي - إلى هذه الفقرات الهامة والجميلة التي أوردها الدكتور أحمد شلبي في كتابه (تاريخ التربية الإسلامية) نقلاً عن كتاب (الإرشاد والتعليم) لبعض رجال الصوفية تقول: ومن العجب أن يفرح الناس بالأطفال القليلي الحركة البعيدين عن اللعب ويعتبروهم عقلاء متزنين ويتوسمون فيهم الخير ولم يعلموا أن الأطفال الذين طبعوا على السكون وعدم الحركة لا بُدّ أن يكونوا مصابين بأمراض جسمية أو عقلية بحيث ينتهي أمرهم إلى ضعف الحياة وكدر المعيشة إذا لم يؤخذوا من الصغر بالرياضة والحركة وتنبيه أجسامهم. ولذلك يجب أن يترك التلاميذ بل أن يرشدوا إلى اللعب والجري والأعمال المساعدة على نمو أجسامهم لتطيب لهم لذة العيش ويفرحوا بالحياة وتنمو أجسامهم ويتربى إحساسهم.
ومن الضروري تعويد الجسم على الرياضة واستنشاق الهواء النقيّ والحركات المعتدلة من نحو المشي أو ركوب الخيل أو السباحة أو نحو ذلك فإن ذلك من أقوى الدواعي على تقوية الجسم ومتى قوي الجسم قويت الروح وعظم الأمل وانبعثت المسرة للعمل. فعلى القائمين على تربية الطفل سواء أكانوا في المدرسة أم في المنزل أن يجعلوا للأطفال نصيباً من اللعب والرياضة خصوصاً في أواسط النهار وبعد انصرافهم وحضورهم إلى المنزل ومتى آنسوا منهم ضعفاً في الجسم أو مللاً في القوى العقلية طالبوهم بالرياضة والتفسح في الهواء الجيد.
وللّعب أنواع كثيرة منها ما يدعو إلى كثرة الحركة كلعب الكرة والجري ومنها ما يدعو إلى قليلها كاللعب بالأشياء والحيوانات ومهما كان نوعها يجب على الآباء والأمهات والمدرسين والمدرسات أن يلاحظوا أطفالهم وقت لعبهم وأن يرشدوهم كيف يلعبون لتمرينهم على النظام وأن يلعبوا معهم أحياناً لينتهزوا فرصة اللعب معهم فيربو عقولهم ويعلموهم.
وكما جعل النوم للراحة جعلت اليقظة للحركة والعمل. واللعب للأطفال هو جزء من العمل. والأطفال مطبوعون عليه بالفطرة وهو يبعث في الأطفال نشاطاً في أجسامهم وقوة في عقولهم ولذة في حياتهم ما دام سائراً على محور النظام والترتيب ومناسباً لعمر الطفل وقواه العقلية. فيالله أي روعة هذه في أسلافنا.
ولكن لا غرابة فهذه السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها التي نبغت في العلم وأخذه عنها أجلّة الصحابة ما تفتحت نفسها إلا على يد المربي الأكبر الذي تقول عنه كنت ألعب بالبنات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وكن يأتين صواحبي - فكن ينقبعن منه (فكان يُسْرّيهن إلي فيلعبن معي) ولما قدم صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر وفي سهوتها سترٍ فهبت الريح فانكشف ناحية الستر عن بنات عائشة لُعَبِ. فقال: ما هذا يا عائشة قالت قلت: بناتي. ورأى بينهن فرساً له جناحان من رقاع فقال وما هذا الذي أرى وسطهن؟ قلت: فرس. قال: وما هذا الذي عليه؟ قلت: جناحان. قال: فرس له جناحان؟! قلت: أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة؟ فضحك حتى رأيت نواجذه. رواهما الشيخان.
وما يشمل الطفل والصغير في مرحلة الدرس والتحصيل، يشمل الكبير في مرحلة العمل والتحصيل الفكري الحر ولعل الإنسان في هذه المرحلة أحوج إلى ذلك منه في مراحله الأولى، لما يتراكم عليه من مسئولية العمل ومسئولية البيت ومسئولية المجتمع، وربما من تراكم العلل الصحية والنفسية، وهو محتاج إلى ذلك ابتداء إن لم يمارسه في أول عمره ومحتاج إليه امتداداً إن مارس الرياضة من قبل وإلا اختلفت حاله.
وقد أثبتت التجارب العلمية (أن مركز الطفل بين رفاقه يتحدد إلى مدى بعيد بحجم جسمه وقوته وحيويته، وبالقدر الذي يجده الطفل من ذلك في نفسه من المساهمة مع غيره تكون ثقته بنفسه وقدرته على التعامل مع غيره ونصيبه من السعادة أو الشقاء).
بل إن هذا الشعور ليَعْدُو هذه المراحل إلى الإنسان الكبير أحياناً وهذا الشعور في الإنسان يكوّن مركب النقص على نحو إيجابي مفيد أو على نحو سلبيّ مُضِرّ.
وهنا -أيضاً- نجد أن الله جَلّت قدرته قد تجلّى على الناس بنظرية (التعويض) كذلك ليعالج هذه الناحية. فالقصير الذي تتأثر نفسه بقصره يكون في الغالب - نقمة أو نعمة -كما يقولون- والسمين الذي تتأثر نفسه بسمنته يكون -في الغالب- مرحاً في نفسه مريحاً لغيره وهكذا.
وقد تهيأ الإنسان بالفطرة لأثر الرياضة فيه إذ أن الحسّ الحركي هو أول مستويات الهرم في التكوين النفسي ظهوراً في الإنسان يتدرج إلى ذاكرة فعلاقة فتكوين للقدرة الفطرية العقلية العامة فالطفل يرى أباه يصلي فيصلي مثله ويرى حركات الكبار فيحاول تقليدها ولعل هذا هو تعليل أن أبويه يهودانه أو ينصرانه.
وتأثر الإنسان بالحركات في كل مراحل حياته ثابت فمن ثقافة الشعوب ملاحظة حركات الأم قبل الولادة حرصاً على جنينها وحسن فهم الأسرة للتحريك الصحيح له في المهد حتى إذا ما دخل مرحلة حركة ذاته كان تأثره بالتوجيه في الحركات تأثراً واضحاً في طفولته المبكرة بالتقليد -كما قلت- فإذا أحسن بتوجيهه إلى الرياضة في الطفولة الوسطى فالمتأخرة بطريق المدرسة واستطاع النادي أن يحسن استغلال هذا التوجه في سن المراهقة فالرشد كان في ذلك أحسن استجابة بطبيعة الفطرة في الإنسان بل إن التأثر بالحركات قد يحدث في الرجل الكبير عند إعجابه بإنسان تحت أية ظروف وهناك نظرية تقول (كلنا أطفال) ولكننا نمارس طفولتنا على أشكال متعددة ومختلفة بحسب رواسب الطفولة وبحسب الظرف الذي يحيط بأحوالنا وبالمسألة. ونظرية الإسلام إلى أثر الرياضة في التربية نظرية شاملة للإنسان في كل مراحله وحاجته إليها لاستمرارية نموّه في كل جوانب شخصيته وفي كل نواحي حياتيه الجسدية والعقلية لخّصها الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله روحوا القلوب ساعة فساعة.
هذه ثامنة:
وهي النظرية التربوية إلى الرياضة باعتبارها في مراحل الصبا مساعدة في دورة النمو العامة وتنمية الشخصية وتنمية أسلوب العلاقة وحسن التعامل ومنفذاً من منافذ القياس والتقييم والتوجيه والقدرات الفعلية وهي بعد ذلك مساعدة على تطوير كل ذلك في الإنسان ومقوية لملكاته الخيرة ودافعة عنه غوائل العلل المختلفة.
وأخيراً: فالرياضة حين تسلك هذه الدروب إلى النفس والعقل وتنهج مناهج التطبيق القويمة - تعود الفرد على الالتزام:
الالتزام بالفكرة والهدف، والالتزام بالجماعة، والالتزام بالنظام، والالتزام في العمل، والالتزام بالقيادة. وهي بكل ذلك تهيئة للالتزام بالعقيدة والمثل والأمة.
الالتزام أهم سمات الإسلام في نظريته وعباداته وتشريعاته وتطبيقاته حتى انطبعت هذه الصورة عنه في أذهان أهله وأذهان غيرهم وحتى أصبحت كل دعوة تصدر إليه عن لسان موضع تحقيق وتدقيق وتقييم لمدى ارتباط ذات الداعية بها.
وما أصاب المسلمين ما أصابهم من تخلف إلا حين تخلوا عن مبدأ الالتزام الذي أوجزه الإسلام في قوله تعالى: وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (الزمر: 33).
بل إن نجاح كل نظرية من النظريات الوضعية مرتبط ارتباطاً تصاعدياً مع مبدأ الالتزام بها إلا أن الإسلام يتميز عن ما عداه بالالتزام في كل شيء التزاماً بين السلوك الشخصي والسلوك العام وبين الإيمان والتطبيق وبين الفرد والجماعة التزام وجدان وعقيدة ومسئولية لا التزام مصلحة مشتركة ولكن المصلحة المشتركة تأتي تلقائياً نتيجة عنه. وعلى هذا الأساس كانت الحرية في الإسلام حرية التزام لا حرية إلزام.
هذه تاسعة:
وهي النظرة الأخلاقية إلى الرياضة تجعل من الرياضي المواطن الصالح في الأمة الصالحة.
يظن المحدثون أن الاهتمام بمسألة الفراغ ومعالجة مشاكله خطوة من خطوات التجديد وقفزة من قفزات النهضة الفكرية الحديثة فإليهم أسوق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ فأي تصوير أبلغ من هذا الاهتمام الرائع بالمسألة وبالرياضة البدنية والذهنية والنفسية.
إننا إذا رجعنا إلى تراثنا من هذا الدين الحنيف فلن تفتقد من أصول الحضارة شيئاً. والحضارة -عندي- غير المدنية فالمدنية هي هذا الترقي المادي الذي يتدرج بتدرج الإنسان وقد تركه الله له بعد أن سخر له كل شيء ووهبه سر القدرة على كل شيء ليكون مجال عمله ودنيا خلافته. أما الحضارة فهي رقي الروح ورقي الروح لا ينبع إلا من خالق الروح وقد كملت رسالات السماء برسالة الإسلام. فهو العبوة المعنوية لحياة الإنسان ويعد:
فلنعد إلى الرياضة وهي مجال الانتفاع بهاتين النعمتين الصحة والفراغ.
إذا نظرنا إلى الرياضة بهذه النظرات أو العيون:
(1) عين الإرادة – ذات النظرة الفكرية للرياضة ترتفع بها عن مستوى الماديات إلى مستوى المعاني ومن مستوى المواربة إلى مستوى المواجهة.
(2) عين الحياة – ذات النظرة الحياتية للرياضة لبناء مجتمع شجاع كريم على نفسه كريم على غيره.
(3) عين الإنسانية – ذات النظرة الإنسانية للرياضة ترتفع بها عن الوحشية في ممارسة أو الوحشية في مشاعر.
(4) عين الشخصية – ذات النظرة المميزة للرياضة نفرض بها شخصيتنا على أعمالنا ونبرز فيها ذاتيتنا ومفاهيمنا وخواصنا.
(5) عين القدرة - ذات النظرة الصحية للرياضة عاملاً هاماً في تكميل الحياة الجسدية وتوازن الحياة العقلية.
(6) عين العقل - ذات النظرة النفسية للرياضة علاجاً للذات وتنشيطاً لقواها الخيّرة وتصريفاً لطاقاتها الفائضة.
(7) عين الحس - ذات النظرة الحسية للرياضة أداة لترقية الحس والحواس وشفافية الشعور وحسن التلقي وحسن التصرف.
(8) عين الجماعة - ذات النظرة الاجتماعية التي تخدم الجماعة في شخص الفرد وتهيئ الأفراد لبنات قوية في بناء مجتمع متعاون مهذب.
(9) عين العلم - ذات النظرة التربوية للرياضة باعتبارها تساعد في دورة النمو العامة وتنمية الشخصية وأسلوب العلاقة والتعامل والقدرات العقلية ومعينة على دفع غوائل العلل المختلفة.
(10) عين الأمة - ذات النظرة الأخلاقية للرياضة تربي المواطن الصالح في الأمة الصالحة.
عندئذ: فإننا نستطيع الإجابة على الأسئلة التي جئت لأجيب عليها. بل إننا نستطيع أن نعتبر كل ما سبق مذكرة تفسيرية للمنهاج الذي سيخطط على ضوئها. لأن البحث منذ هذه اللحظة يصبح محاولة لتقنين هذه المفاهيم وتحويلها إلى مواد نظامية وترجمتها إلى شكل عمل: والآن نسأل:
كيف تستطيع الأندية الرياضية تحقيق كل هذه المفاهيم عن الرياضة وتكوين الرياضي المتكامل؟
ليس ذلك بالأمر السهل ولا باليسير، ولكنه ليس مستحيلاً ولا غير ممكن. وإنما الوسيلة إليه أمران:
(أ) الريادة الصالحة.
(ب) التنظيم الصالح.
وهذان أهم ما ينبغي لوجود الجماعة الصالحة.
وشروط الريادة الصالحة قسمان، منها ما هو ذاتي يتعلق بشخص الرائد فرداً أو عدداً من الأفراد ومنها ما هو متعلق بأسلوب العمل.
فأما ما هو متعلق بذات الرائد، فأن يكون:
(أ) اجتماعياً وديمقراطياً بالطبع والمقصود عندي بهذا لا يعني الحزم ولكني أعني أصل سجيته.
(ب) مؤمناً بمعايير المجتمع الفاضلة التي ينبثق منها الإيمان بمثل هذه الأفكار عن الرياضة وأهدافها وقيمها ونتائجها لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
(ج) قادراً على فهم الآخرين ومعالجة المشاكل واكتساب خبرات ومهارات جديدة حتى يستطيع معالجة شؤون الجماعة والتطور بها وهذا يعني أن يكون على مستوى لائق من الثقافة.
(د) قادراً على ضبط نفسه واحترام الغير ذا حساسية بالأفراد كأفراد وبالجماعة ككيان مساعداً على تنمية قدرات كل فرد وإعطائه الفرصة الكافية. وهذا يعني أن يكون على مستوى لائق من حسن الإدارة.
(هـ) ناجحاً في حياته الخاصة والعامة حتى يتصرف بنفس رضية مرضية خالية من العقد التي يخشى أن تتسرب إلى الجماعة.
(و) محترماً لذاته ذا مركز اجتماعي محترم.
وأما ما يتعلق بأسلوب العمل فأن يكون الرائد:
(أ) مترجماً لإيمانه بالديموقراطية إلى حقيقة في طريقة إدارته بقدر الإمكان.
(ب) نموذجاً صالحاً للأفكار الصالحة التي يؤمن بها ويريد للجماعة أن تؤمن بها.
(ج) معتبراً نفسه جزءٌ لا يتجزأ من الجماعة -في غير ضيق أفق ولا تعصب- حتى يعطيها المثل على ذلك وتشيع فيها الروابط القوية.
(د) عارفاً بكل فرد في الجماعة معرفة كاملة قدرة وسلوكاً وتطوراً.
(هـ) محاولاً اكتشاف ميول كل فرد ومساعداً لهذه الميول على الارتقاء والتطور.
(و) محسناً لتوجيه الأفراد إلى طريقة التعامل المثالية في ما بينهم.
(ز) قادراً على التوعية بمعاني الرياضة وأهدافها ووسائلها.
(ح) مشجعاً للأفراد على استشارته في جميع أمورهم حتى الشخصية منها.
(ط) متعاوناً ومشجعاً على التعاون بين جماعته والجماعات الأخرى.
ولقد تحدثت عن الريادة كفرد وقلت في ما سبق أن هذا ما ينبغي أن يطبق عليها فرداً أو جماعة والواقع أنني لا أعني الفرد كرئيس للنادي وإنما أعني مجموعة الأفراد الذين تتكون منهم ريادة الرياضة سواء ذوات لهم نفوذها غير الرسمي فيها وذوات لها نفوذها بشكل رسمي وذوات لها كيانها في كل ناد كأعضاء لمجلس إدارته لأنه إذا لم يتوفر في كل هؤلاء -قبل كل شيء- الإيمان بأهداف الرياضة وأغراضها ومثلها الكريمة أدّى ذلك إلى انحرافات بها وتوجيهات خاطئة مُشِلَّة للأغراض السليمة معطّلة للقوى المفيدة مضيعة للجهد والوقت.
أما عن التنظيم الصالح:
فأول ما ينبغي أن يتوفر فيه وجود الأخصائيين التربويين والنفسيين والاجتماعيين والصحيين كأعضاء عاملين في هيئة الريادة مباشرة أو في هيئة تنفيذ تابعة لها يتولون هذه الدراسات المطلوبة من الريادة عن الأفراد بطريقة علمية توجههم إلى الغايات التي أشرت إليها من الرياضة وبها بطريقة علمية كذلك.
(ب) أن يكون المدربون على مستوى جيد من الكفاءة والفهم والوعي لأهداف الرياضة ومعانيها إلى جانب مستواهم الفني كرياضيين عملياً.
(ج) أن يكون الإداريون على مستوى جيد من الشخصية والهمة والنشاط وحسن التصرف.
(د) توزيع المسئوليات وحسن اختيار القائمين بها.
(هـ) أن يكون أساس الإشراف والتوجيه الصلات الحسنة بينهم وبين الأفراد.
(و) أن يكون الإشراف والتوجيه على أساس الإقناع وتنمية الروابط الفكرية أكثر من أن يكون أوامر إدارية.
(ز) أن يكون النظام مُحترماً بالنسبة لكل أفراد النادي. ومديريه وبصرامة عند الاقتضاء ولكن المهم في ذلك تعويد الأفراد على النظام ليكون سجية قبل أن يكون إلزاماً ومع ملاحظة أن إدارة النادي غير إدارة المدرسة وإدارة المنزل.
والآن يصل بنا السياق إلى السؤال:
كيف نُعِدّ الرياضي المسلم: عقلياً وعلمياً، وعملياً وجسمياً، وخلقياً واجتماعياً؟
حين أجيب على هذا السؤال أفترض أن هناك من يعترض على الإجابة بأنها مثالية وغير قابلة للتنفيذ في واقعنا القاصر. ولكني سأضع الإجابة فعلاً في حدود المثالية ومن حق كل ناد أن يزاول العمل في حدود قدراته لأن آمالنا ينبغي أن ترسم لنا حدود الغاية وإمكاناتنا هي التي تصنع حدود التنفيذ. ومع ذلك فإن عجزنا المادي عن التطبيق سيقتصر على مسائل معينة. هذا إلى جانب أنني أحاول أن أنظر إلى هذه المقترحات بنظرة شاملة للبلاد العربية والإسلامية جمعاء على اختلاف إمكاناتها وظروفها.
فلإعداد الرياضي عقلياً وعلمياً على النادي أن يقوم بما يأتي:
(1) ضم أكبر عدد ممكن من رجال الفكر إلى النادي لتطعيم العلاقة بين الأفراد وبينهم فكرياً وجميل أن نستذكر في هذا المجال فعل الإغريق الذي أشرت إليه في محاضرتي السابقة إن اللقاءات بين مختلف الطبقات حرية بأن تقوم بعملية توازن فكري بين المجتمعات الشعبية العامة وفي صفوف الشباب بصورة خاصة.
(2) القيام برحلات علمية داخل البلاد مع بعض هيئة الريادة وبعض المختصين.
(3) إنشاء مكتبة كبيرة تعين الشباب في مرحلة التحصيل وتغري الذين عدوا مرحلة الدرس المنظم على التحصيل المستمر في وسط شائق.
(4) تثبيت معنى الوحدة الوطنية بحيث لا يخلخلها التنافس بين الأندية الرياضية ونظم وتلحين وأداء أناشيد وطنية تلقى في الحفلات والمناسبات.
(5) تعميق معنى الفن كرياضة أو معنى الرياضة كفن في النفوس وتنمية المواهب الخاصة بكل فرد في الفنون الأخرى وإقامة معرض لإفساح المجال لمثل هذه النشاطات ليكون مجال الذين لم يبلغوا مستوى المعارض الشخصية الخاصة.
(6) إقامة الندوات الثقافية للتوعية العامة بالمعلومات المفيدة والاشتغال بالمعاني الكريمة.
(7) تعميق معنى النخوة بتعميق معنى الكلمة ومعنى الطرب وقيمه لأن الكريم طروب للكلمة تنطلق من اللحن الجميل المؤثر.
(8) تشجيع الأفراد على المقترحات والابتكارات في كل مجال.
(9) محاولة جعل الفرد مستوعباً لكل أغراض النادي مؤمناً برسالته كهدف اجتماعي لا أن يكون النادي في تصوره مجرد سلة مستهلكاته من الوقت أو مهملات الوقت في عمره.
(10) تعويد الاتزان في حالتي النصر والهزيمة وغرس روح الثبات والإصرار والأمل.
(11) التوعية بأثر سلوك الأفراد في أية رحلة خارج البلاد على سمعة البلاد وقيمها العامة.
(12) التعريف بالأماكن الأثرية في البلاد.
(13) زيارة المنشآت الحكومية والعامة التي تعتز بها البلاد والتي يجب أن يعرفها الشباب ويعرَّف عليها الضيوف.
ولإعداد الرياضي عملياً وجسمياً على النادي أن يقوم بما يأتي:
(1) أن يكون النادي مجهزاً بأكثر قدر ممكن من الإمكانات المريحة.
(2) محاربة الاحتراف.
(3) القيام برحلات للنزهة لتعوّد الانسجام بين الأفراد.
(4) تعليم السباحة والتجديف وركوب الخيل والهجين والرماية وركوب الدراجات وقيادة السيارات والتعويد على المشي لمسافات طويلة لتكوين شباب مفيد.
(5) تعليم الوسائل اللازمة للإسعاف وإطفاء الحريق وإنقاذ الغرقى والطهي ونحو ذلك لتكوين شباب قادر على مزاولة هذه المهام في منزله والحي الذي يسكنه ورحلاته ولخدمة بلاده عند الاقتضاء.
(6) تعويد الأفراد القيام بأنواع من الخدمات العامة للمدينة مثل القيام بغرس الأشجار أحياناً وتفقد أحوال النظافة والإضاءة ودراسة خطوط المرور في المدينة والإدلاء بالمقترحات في مثل هذه الأحوال وتقديم النادي للمستحسن منها إلى جهات الاختصاص خدمة عامة وتعويداً على تحمل المسئولية العامة.
(7) أن يكون حرصنا على الفرد الناجح في عمله وسلوكه أكثر من حرصنا على الفرد الرياضي بالمعنى البدني.
(8) تنويع ألوان اللعب والرياضة في النادي حتى لا يأخذ اللون الواحد منها شكل التوظيف لأعضاء الرياضي أو شكل التوظيف لمشاعره مما يفقد فعاليّة الترويح والتجويد.
(9) الإشراف الصحي في توزيع الألعاب وفي الكشف على حالة الأفراد بين حين وآخر وكعلاج للأفراد عند الاقتضاء.
(10) القيام بخدمات تشرف البلاد من إعطاء معلومات للضيوف أو إرشادهم. وفي بلادنا مثلاً فالحج فرصة لأداء هذا الواجب العام وموسم العمرة كذلك.
أما لإعداد الرياضي خلقياًُ واجتماعياً فعلى النادي أن يقوم بما يأتي:
(1) تطوير برامج النادي باستمرار.
(2) اشتراك الأفراد في إعداد البرنامج.
(3) تعويد الأفراد الاشتراك في حل مشاكل بعضهم بعضاً.
(4) تنمية روح التعاون الوثيق والتنافس الشريف بين الأفراد.
(5) توسيع دائرة علاقة الفرد بغيره من الأفراد في النادي وتأصيل الصداقة بينهم.
(6) المكافأة على الخدمة العامة بفروعها المختلفة داخل النادي وخارجه وعلى السلوك العام للفرد بقدر لا يقل عن مكافأة النجاح الرياضي في الملعب والمباريات.
(7) التدريب على تهذيب حب الذات ومقاومة حب السيطرة بطريق تخطيط اللعب والتوعية والتعويد على احترام الآخرين.
(8) تأصيل روح الصداقة والتعاون بين أفراد النادي وبين أفراد الأندية الأخرى.
(9) تعويد الأفراد أن لا يكون النادي عبئاً على المنزل ولا مخلاً له ولا عبئاً على العمل ولا مُخلاً به ولا عبئاً على المدرسة ولا شغلاً دونها بل أن يكون عوناً لكل هذه الجوانب الحيوية.
(10) تعويد الأفراد الاجتماعات ليتعودوا ممارسة الشخصية وسعة الصدر للنقاش وطريقة النقاش والنزول على رأي الأغلبية ويتعلموا الإنتاج والإفادة والدراسة والتخطيط والعمل المشترك وأن الخلاف في الرأي لا ينافي الصداقة.
أما كيف نشيع الروح الرياضية بين الشباب ونشمل بها أكبر عدد منهم؟
فعلى كل ناد رياضي أو أندية متعددة في المدينة القيام بما يأتي:
(1) التعاون بين النادي الرياضي والأندية المدرسية (الثانوية والجامعية) للمساهمة في المهمة المشتركة والمدرسة الواعية جديرة بأن تساعد على هذا التعاون لأن إمكانية النادي العام قد تزيد على إمكانية نادي المدرسة فتعطي الطالب فرصة أكبر ولأنه في النهاية سينفصل عن المدرسة فيكون قد كوَّن رابطته الجديدة.
(2) التوعية العامة بكل وسائل الإعلام بأهداف الرياضة وأغراضها السامية ووسائلها الكريمة.
(3) تنويع ألوان النشاط بحيث يمكن أن يزاول أناس مختلفوا الأعمار والثقافات والأعمال ألواناً تليق بكل منهم.
(4) استغلال أوقات الإجازات للشباب والمدرسين والموظفين وفصول الصيف لتحديد نشاط النادي.
(5) اختيار مكان النادي وتنسيقه وتهذيبه وتحميله واستعداده وتوفر الهدوء وأسباب الصحة والإمكانات فيه والبعد به عن الأماكن المستكرهة والقرب به إلى المواصلات العامة. فهو في كيانه أكبر دعاية تجذب إليه.
(6) تنظيم حفلات رياضة بقصد الاستعراض والدعاية لا المباريات تكون مهمتها تحبيب الناس في الرياضة وجذبهم إليها وإغراءهم بها.
(7) تنظيم مسابقات داخل النادي وإعطاء ميداليات للفائزين.
أما كيف نوحد بين الشباب الرياضي المسلم في كل آفاق الأرض؟
فذلك يكون بوسائل مطلوب أن تتبادلها وتشترك فيها كل الأندية في البلاد الإسلامية المختلفة مثل:
(1) توسيع ثقافة شباب كل بلد على البلاد الإسلامية الأخرى وتبادل المعلومات في هذا المجال.
(2) القيام برحلات متبادلة.
(3) تبادل المعلومات الرياضية.
(4) الاشتراك في مباريات بين أندية البلاد الإسلامية المختلفة.
(5) الاشتراك في مهرجان إسلامي للرياضة يعقد في مختلف البلاد الإسلامية بالتناوب.
(6) تبادل إرسال فرق من الأندية الرياضية للمساهمة في بعض الأغراض العامة.
(7) قيام إتحاد إسلامي للرياضة.
(8) التعاون في خدمة القضايا العادلة للشعوب وفي خدمة قضايانا الإسلامية خاصة.
وبكل هذه الوسائل وبالمفاهيم والأساليب التي أوضحتها في هاتين المحاضرتين تتكون للشباب الرياضي المسلم شخصيته المميزة!..
أما كيف يجوز للشباب الرياضي المسلم -وعلى أي نحو ولأي مدى- التعاون مع الشباب الرياضي في أنحاء الأرض؟
فلذلك وسائله الآتية:
(1) تبادل القيام برحلات سياحية.
(2) تبادل المعلومات الرياضية.
(3) تبادل توسيع ثقافة الرياضي عن مختلف بلاد العالم وتبادل المعلومات في هذا المجال.
(4) الاشتراك في مباريات دولية في الألعاب والرياضات التي نتفق معهم على أصولها ونظمها.
(5) تبادل إرسال فرق من الأندية الرياضية للاجتماع والتعارف وتطعيم الأفكار وفي ذلك خير دعاية وتعريف بديننا وحضارتنا والكسب من حضارتهم بأسلوبنا الإسلامي.
(6) الدخول في الاتحادات الدولية المناسبة.
(7) التعاون في خدمة قضايا الشعوب والإفادة في خدمة قضايانا الإسلامية العادلة.
هذه مجرد مقترحات لعناصر أساسية في كل جانب من جوانب الموضوع تتفرع عنها مواد كثيرة. وهناك مسائل ليست مدار بحثي مثل الشؤون المالية والتنسيقات والتفرعات الإدارية وليس من شأن هذا الحديث وضع نظام داخلي أو اقتراح نظام نموذجي للأندية الرياضية ولكني في هذا المجال ولتتمكن الأندية الرياضية من تحقيق أهداف سامية على هذا النحو. فمع علمي بما تقدمه الدولة من معونات للأندية الرياضية فلا بد للدولة من أن تمد الأندية بقدر كافٍ من إمكاناتها لتتمكن الأندية الرياضية من أن تحقق هذه المسئوليات الجسام باعتبارها مرافق عامة لرعاية الشباب وهو أثمن ثروات الأمة وأعز إمكاناتها وقدراتها.
وبعد:
فإني أرتقب اليوم الذي أرى فيه أنديتنا الرياضية تفتح أبوابها على نحو ما تفعل الأندية الرياضية في البلاد الأخرى لتكون ملتقى عاماً يرتاده أعضاء من مختلف الطبقات غير الممارسة للرياضة. وأرى أمراءنا ووزراءنا ورجال الفكر في بلادنا -من العلماء والأدباء- والموظفين على كل مراتبهم أعضاء في النوادي الرياضية ويجوز اشتراك الشخص الواحد منهم في أكثر من ناد حيث يتردد الجميع على هذه الأندية كأماكن يجتمعون فيها جماعات على موائد غذاء أو عشاء أو شاي أو قهوة.
إن المسئولين والموظفين أكثر الناس حاجة إلى الترويح والخروج من حياتهم الخاصة الرتيبة طلباً لتجديد النشاط ودفعاً للملل عن نفوسهم: وأكثر الناس حاجة إلى لقاء بعضهم بعضاً في جو منعش خال من أوضاعهم التي ألفوها في المكاتب والمنازل. وأكثر الناس حاجة إلى لقاء الناس في صور شتى يلتقون معهم فكرياً ويستمعون إليهم ويتحسسون أحوال بلادهم ومواطنيهم. وإن رجال الفكر على مختلف ألوان إنتاجهم أكثر الناس حاجة إلى كل ذلك من الترويح وتنشيط الهمة ودفع الملل والخروج من العزلة والأبراج العاجية وأكثر الناس استفادة من لقاء الناس ولقاء بعضهم بعضاً مادة لقاح فكري ومادة إنتاج ذهني.
وإن لقاء هؤلاء جميعاً بالشباب خاصة حري -كما قلت- بأن يقوم بعميلة توازن فكري بين مختلف طبقات الشعب وبين صفوف الشباب.
كما أرجو أن تدخل الرياضة إلى مدارس البنات في بلادنا بما يليق بالفتيات من حركات كالحركات السويدية والبنج بنج ونحو ذلك وعلى أيدي سيدات مدرسات فإنهن شريكات الشباب في الحاجة إلى كل مميزات الرياضة ومنافعها الجسمية والعقلية والحسية التي تحدثت عنها والتي أصبحت من مقررات التربية والتعليم في كل مكان والتي عرفنا كيف أن ديننا أسبق النظريات الفكرية إليها وأن سلفنا الفاضل كان من أسبق العالمين العاملين إلى الأخذ بها.
وبعد ثانية: فإن أهم ما قصدت إليه من حديثي عن الرياضة: أن أخاطب قلوب وعقول هذا الجيل الجديد من فلذات أكباد الأمة الذين تُلقي بهم حانية آملة إلى المدارس في كل أنحاء العالم الإسلامي وقد أصبح التعلم -والحمد لله- مِلْك الجميع ومهوى أفئدتهم بعد أن انتهى الجدل حول هل التعليم واجب على الدولة وإلزام على الفرد؟ أم أنه هبة الدولة واختيار للفرد؟ فالتعليم الآن ضروري ضرورة الماء والهواء في قانون الطبيعة ومباح إباحتهما وتحول الاختيار إلى إلزام أو إلزام الحياة نفسها به إلى اختيار أفعل من الإلزام. وأصبحت المشكلة التي تواجهها الدول: ما هي الوسائل الفعالة التي تتيح لكل فرد من أفراد الأمة أن ينال قسطه من التربية والتعليم إلى أطول مدة ممكنة.
فطبيعة العلم والتعليم أن يتناول كل موضوع بالمنهج العلمي أساساً لكل دراسات العقل وإقناعه، بل لقد سرت عدوى المنهج العلمي إلى الفرد العادي حتى أصبح يرفض كل كلام يلقى على عواهنه.
فأردت أن أخاطب هذا الشباب بمنطق العلم ومنهجه:
كيف ينبغي أن يتصور الرياضة.
وكيف يجدر به أن يتصرف فيها. وكيف يجب عليه أن يفيد منها. وكيف يمكنه أن يكون بها:
ملء أمل أمته. وكفء أماني بلاده.
والله ولي التوفيق
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1275  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 1262 من 1288
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الجمعية النسائية الخيرية الأولى بجدة

أول جمعية سجلت بوزارة الشئون الاجتماعية، ظلت تعمل لأكثر من نصف قرن في العمل الخيري التطوعي،في مجالات رعاية الطفولة والأمومة، والرعاية الصحية، وتأهيل المرأة وغيرها من أوجه الخير.