شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
العالم والشاعر والإنسان
ولد يرحمه الله بمكة المكرمة في شهر ربيع الأول عام 1342هـ ونشأ في كنف والده فضيلة الشيخ محمد أمين فودة يرحمه الله في بيت علم وأدب.
وأسر (فودة) بالحجاز ومصر والمغرب والسودان والشام يتحدرون من أصل واحد من بني هاجر وتمتد منازلهم من قرية (فودة) على بعد عشرين كيلاً من (أبقيق) بالمنطقة الشرقية بالأحساء حتى (العلا) شمال المدينة المنورة.
رحلة العلم
تلقى العلم على يد والده يرحمه الله ودرس في المدرسة التحضيرية فأكملها والتحق بالابتدائية وتخرج منها فكان الأول على مستوى المملكة من الخريجين الذين بلغ عددهم ستة عشر طالباً - آنذاك، ثم التحق بالمعهد السعودي عام 1356هـ وتخرج منه في عام 1357هـ وقد درس فيه عن طريق المنازل، ثم التحق بتحضير البعثات وأكملها في أربع سنوات.
وتجدر بي هنا الإشارة إلى تخرجه من المعهد العلمي السعودي عام 1357هـ ما ألمح إليه الأستاذ عاتق بن غيث البلادي في كتابه (هديل الحمام في تأريخ البلد الحرام) - تراجم شعراء مكة على مر العصور) - ما ورد من تعليق له في ترجمته عنه بالجزء الأول ص21 بقوله: والقول إنه تخرج من المعهد العلمي عام 1357هـ فيه نظر وهنا بما يخص هذا الموضوع يقول الوالد الحبيب في حديث الذكريات الذي أذيع بالإذاعة السعودية في البرنامج الثاني وهو مسجل عندي بصوته - يرحمه الله: (المعهد العلمي السعودي كانت مقرراته لثلاث سنوات وكان يمثل المرحلة العالية فعلاً في علوم اللغة العربية وعلوم الدين والعلم الاجتماعي يضاف إليها علم النفس والتربية لأنه كان مؤسساً على قسمين قسم للمعلمين وقسم للقضاة لتخريج القضاة نعم لم أواظب على الدراسة في المعهد العلمي السعودي، لكن كان من حسن حظي أن السيد محمد طاهر الدباغ أراد أيضاً من دوافع التجديد أن يعلن عن الامتحان للشهادة النهائية من المنازل، فتقدمت من المنزل وحصلت على شهادة المعهد العلمي السعودي، وبذلك أنا متخرج أو حاصل على الابتدائية عام 1356هـ وحاصل على المعهد العلمي السعودي عام 1357هـ ثم التحقت بتحضير البعثات وأتممت دراستها ولكني لم أواصل البعثة أو الابتعاث).
وفي مجال العمل الوظيفي - عمل - يرحمه الله - سكرتيراً لديوان التفتيش بوزارة المالية، ثم مفتشاً مركزياً بالطائف، ثم سكرتيراً لإدارة وزارة المالية،ثم سكرتير أول لإدارة عموم وزارة المالية، فمديراً لمكتب معالي المشرف على الحج والإذاعة ثم مديراً عاماً للإذاعة.
هذه الفترة الأولى من حياته - يرحمه الله - لم أكن أعيها، ولكني وأنا في السنة الرابعة الابتدائية وعيت على وجوده في الإذاعة والحج ثم في الإذاعة وكان حينذاك مزدحماً بالعمل المتواصل ومع ذلك لم يتركني فقد كان - يرحمه الله - يتابعني في دراستي ويستدعيني بجنبه حين يكون بالمنزل فيطلب مني في كل مرة أحد المقررات الدراسية فمرة في اللغة العربية يطلب مني إحضار كتاب المطالعة وكتاب النحو الواضح ثم يسألني عما تحصلت عليه في هذه المادة أو تلك ويطلب موضوع ويحدده في حدود ما درست بالمطالعة مثلاً فيسمع مني ما أقرأ وأثناء قراءتي يطبق القواعد النحوية حيث يطالبني بإعراب بعض الجمل، أو يسألني عن كلمة ما هو موقعها من الإعراب؟! وباستمرار في اليوم التالي يراجع لي بنفس الطريقة مادة القرآن مع التجويد وهكذا في الأيام المتوالية، وكنت إذا أحسنت منحني ريالاً مكافأة وحافزاً لي - والريال في ذلك الوقت يفوق في قيمته الشرائية عن يومنا هذا - وإذا أخفقت يكون نصيبي ربع ريال عبارة عن مواساة لي وليست القيمة تكمن في العطاء المادي بقدر ما تتضمن التشجيع والحافز الدافع.
الأستاذية الحقة
هذه أو تلك غمرة من الحنان الأبوي وفيض من الأستاذية الحقة، وفي نهاية الأسبوع كان يختار لي بعض قصص الأطفال القديمة من مكتبته مما قد لا يوجد في المكتبات، ويسألني بعد قراءة تلك القصة عن ماذا فهمت منها فأشرح ما فهمته وهو يستمع لي، وفي تلك الفترة مع انشغاله كانت خزانة كتبه لم تنظم بعد ومنها جزء من المراجع في غرفته وشيء في مجلسه الذي يستقبل فيه الناس، وكنا نسميه المجلس على أسلوب أهل مكة المكرمة. وهو ما يعني به الصالون اليوم. وتلك الفترة هي التي تلت وفاة جدي والده - يرحمه الله - حيث نقل سكننا إلى - حارة الباب - وهو حي من أحياء مكة المكرمة مكاناً قريباً لاستقبال حجاجه، وفي نفس الوقت فترة استعداد لانتقالنا إلى منزلنا بأجياد حيث كان يرممه - يرحمه الله -.
في هذه الفترة كنا نقضي الصيف في الطائف على عادة أهل مكة حيث تنتقل الحكومة إلى هناك وكان هو - يرحمه الله - ما بين مكة وجدة والطائف لظروف عمله، ولدينا مذياع يعمل ببطارية السيارة نجلس حوله نستمع إلى برامج الإذاعة، والإذاعة جديدة العهد علينا فنستمع إلى برامج متعددة ولم تكن الدراسة مرتبطة بفصول السنة وإنما كانت مرتبطة بالعام الهجري فكنا نتحصل من مدارسنا على تحويل إلى مدارس الطائف ندرس فيها ونؤدي بها امتحاناتنا السنوية أحياناً وكنا نجتمع أطفالاً صغاراً في المنزل بالطائقة نتذاكر، ونتناول أطراف الأحاديث، وعندما يصل إلينا والدي ليقضي يومين بيننا فكأنه العيد قد أقبل حيث يحضر معه بعض أصدقائه الخلص مثل صديقه الحبيب الأستاذ حمزة بصنوي والشيخ محمد شطا وكل من الأساتذة عبد الله منيعي والسيد محسن باروم وبابا طاهر الذي كان يحوطنا بظرفه وأدبه ونناقشه فيما يقدم ببرنامج الأطفال وبدأت به الصلة حيث ضمنا إلى زمرة برنامج الأطفال وعندما عدت إلى مكة كنا على موعد معه وألقيت قصيدة من محفوظاتي سجلها لي فتعشقت الأدب والشعر والإطلاع وكانت تلك هي بداية الانطلاقة التي باركها والدي فتعهدها ونماها وبعد العودة إلى مكة سافر في مهمة رسمية إلى مصر.
بعد ذلك عين - يرحمه الله - مديراً عاماً للإذاعة واستقر به المقام في مكة المكرمة حيث أضاف إلى مقر الإذاعة في جبل هندي منشآت حديثة آنذاك وهو أول مدير للإذاعة يعين رسمياً بها وبدرجة مدير المالية العام وفي مدة إدارته صدر المرسوم الملكي التأسيسي للإذاعة وقد جعلها هيئة مستقلة تتبع رئيس مجلس الوزراء وحين بدأ نظام الوزارات أعطى المدير العام للإذاعة مرتبة وكيل وزارة.
تطلعات مستقبلية
كان بيته عامراً بالزوار من الشيوخ والشباب، وفي تلك الفترة من الإجازة المدرسية يتردد عليه بعض الشباب ممن عشقوا الإذاعة وعملوا بها وكانوا طلاباً في تحضير البعثات، تعرفت عليهم واطلعت على ما لديهم من تطلعات مستقبلية مثل الأساتذة عباس فائق غزاوي وجميل ششه، وفؤاد حمدي وآخرين غيرهم، نجحت من السنة الرابعة إلى السنة الخامسة الابتدائية، إثر امتحان إكمالي لأول مرة، فكان - يرحمه الله - قد وعدني بمكافأة فسألني ما هي المكافأة التي تريدها؟ فأجبته في الحال أريد آلة كاتبة فاستغرب من طلبي هذا قائلاً وماذا تفعل بها قلت أتمرن عليها وأكتب بها ما يعن لي من خواطر فأومأ لي بالموافقة وفعلاً أحضرها حقيبة صغيرة وكانت جديدة في ذلك الوقت.
وانتقلنا إلى منزلنا بأجياد بئر بليلة وفي المدرسة الفيصلية التي كنت أدرس بها كونت أنا وزملائي مكتبة صغيرة في الفصل ومنهم: الأساتذة الدكتور محمود زيني، صالح كامل، خليل كوشك، شفيق يغمور، طاهر عابد، وغيرهم ممن لا تحضرني أسماؤهم الآن وكنا نقيم في فناء المدرسة حفلاً أسبوعياً يشجعنا عليه أساتذتنا ومنها انطلقنا إلى المشاركة الخارجية فبجوارنا مدارس شتى كالفلاح، وتحضير البعثات في - القشاشية - ثم تحولت إلى حي الشهداء وسميت بالمدرسة العزيزية الثانوية، والتقيت بأخوان عرفتهم من الفلاح ومن مدارس أخرى على رغم الفوارق البسيطة بيننا في السن ومنهم الأساتذة محمد صالح باخطمة، عثمان مليباري، السيد عبد الله جفري، محمد سعيد طيب، الدكتور سعود سجيني، محمد رمضان، الدكتور محمد عبده يماني، وكنا نلتقي دائماً في الإذاعة وفي دارنا بمكتبة الوالد - يرحمه الله - بعد انتظامها وتنسيقها وانضم إلينا عبد الله عمر خياط، ومحمد عبد الله مليباري واتسعت مجالات نشاطاتنا بإشراف الوالد ومن معه من الأصدقاء الذين يزاورونه يومياً بعد صلاة المغرب، وكانت هذه الدار وهي المكتبة ملتقى الشيوخ وملتقى الشباب وكأنها جامعة صغيرة ننهل منها معلومات ثقافية وعلمية، تمارس فيها الكتابة والقراءة كما نمارس التحضير لبرامج الأطفال ثم ركن الطالب فيما بعد والذي كان يشرف عليه الأستاذ محمد فدا - يرحمه الله -.
وقد أشركني - رحمه الله - في تنظيم المكتبة وتنسيقها وتوزيعها إلى أبواب في فترات الإجازات المدرسية المتفاوتة، كذلك كنت أتدرب على الآلة الكاتبة فأقوم بنسخ قصائده وكتاباته كما يقوم به سكرتير خاص، وكانت هذه الممارسة قد أفادتني وأصقلت في ذاتي الموهبة، كما كان يشركني في إعداد الردود الخاصة به على الرسائل التي تصله من أصدقائه في الخارج وفيهم العلماء والأدباء مما عودني على المران والحرص في الكلام ومعانيه حين كان يعدل الرسالة ذاتها أو يسودها من جديد لأنها تخصه.
داره كانت ملتقى الشيوخ والشباب في مكة وكأنها جامعة صغيرة ينهل منها الجميع المعلومات الثقافية والعلمية.
الالتقاء بالأساتذة
كما عودني على تنظيم الوقت، وعدم إضاعة الفرصة من الاستفادة في المذاكرة والإطلاع والتأني في التحضير والتوثق من المعلومات والرجوع إلى المراجع المهمة.
كنت وزملائي بعض رفقاء المدرسة، وآخرون أصدقاء رفقاء الهواية والأدب ينتظمنا اللقاء والإطلاع في هذه المكتبة ونلتقي بأساتذة رواد أمثال الشيخ عبد القدوس الأنصاري والأساتذة عبد الله عريف، محمد فدا، فهد الريماوي العباسي، بابا طاهر، عبد العزيز الرفاعي، حمزة بوقري، حمزة شحاته، وكان آنذاك رئيساً للنقابة العامة للسيارات، وما بين الحين والحين الأستاذ محمد عمر توفيق، عبد الله بن جبير وتتعدد اللقاءات ما بين المنزل وجريدة البلاد السعودية والإذاعة ومجلة المنهل كلقاءات دورية ففي البلاد السعودية نلتقي بالأساتذة عبد العزيز الرفاعي يرحمه الله، عبد الرزاق بليلة وعبد الغني قستي أمد الله في عمريهما وذلك للمشاركة في صفحة دنيا الطلبة الأسبوعية.
بعد ذلك ترك الوالد - يرحمه الله - الإذاعة وكان آخر عمل له في الدولة ممثلاً لوزارة المالية لدى رئاسة مجلس الوزراء ومجلس الشورى ووزارة الخارجية ولكن ظل البيت والمكتبة في وضعهما لم يتغير شيء مما كان عليه، بل تضاعف رواد المجلس وكأنه نادٍ أدبي.
وتأتي فترة الحج في كل عام يتضاعف فيه ضيوفه وزواره من علماء قادمين من مصر وغيرها كالشيخ محمد سعيد رمضان والشيخ محمود شلتوت والسيدة المجاهدة زينب الغزالي فيتناقشون في شتى مسائل الدين وهناك معهم بعض من الأطباء وآخرون غيرهم مثل الدكتور محمد نجيب حشاد والذي أصبح فيما بعد مديراً لجامعة القاهرة ثم وزيراً للزراعة في مصر - يرحمه الله - وكذلك محمد بشير الإبراهيمي من الجزائر وهو صاحب جريدة (البشير).
هذه فترات كانت زاخرة في حياتنا العلمية والأدبية والترويحية بالعطاء عشناها معه أنا وزملائي ورفاق عمري غامرة بفيوض الأبوة والتوجيه والتربية وهذا هو الجانب الإنساني الممتزج بالجانب الفكري الحيوي في تكوين فئة من الشباب المثقف والواعي وهم الطلعة الحية في البداية.
لقد كان - يرحمه الله - غزير الثقافة كثير الإطلاع على أمهات الكتب دقيقاً في المراجعة والبحث والاستماع لما يدور من مناقشات حوله بين أقرانه من العلماء وإذا تكلم يحرص على أداء الكلمة حقها من المعاني الدقيقة التي أرادها، وله في المترادفات أسلوب يفرق فيه بين معنى الكلمة المنتقاة والكلمة المرادفة لها ودرجتها في المعنى.
في القاهرة
ثم انتقلنا في نهاية عام 1376هـ إلى القاهرة المعز لدين الله كافة الأسرة، وفي مصر التقت أسر عديدة من مكة المكرمة والمدينة المنورة والرياض وجدة ومن القصيم ومعهم أولادهم يدرسون في مدارسها المتوسطة والثانوية وبالجامعات.
والتحقت أنا وأخي علي وأمين بمدرسة منيل الروضة الخاصة والتي كان يديرها السيد ولي الدين أسعد - يرحمه الله - وعاد والدي إلى مكة بعد أن ألحقنا بالمدرسة واطمأن علينا لبضعة أشهر، ثم كرّ راجعاً إلينا، واستقر به المقام فاشترى سكناً على الشاطئ وهو عبارة عن باخرة صغيرة ترسو على النيل وأمامها قطعة من الأرض مساحتها طولاً خمسون متراً وعرضها عشرون متراً، يطلقون عليها مسمى الذهبية قائمة على حوض كأحواض البواخر وقد أطلق عليها (زينة النيل) بخلاف العائمات بجانبها وهي عبارة عن مبانٍ خشبية مثل (الفلل) ركائزها عبارة عن براميل فوق الماء تحملها وأنشأ على هذه الأرض حديقة غناء يلتقي فيها بالأدباء والشعراء وأولي الرأي والعلم مرة كل أسبوع.
وفي مصر أسس - يرحمه الله - دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، وكان مشروعاً جليلاً له قيمته ومعناه بمشاركة معالي الشيخ محمد سرور الصبان وقد هدفا من هذا المشروع تواجد الأدب السعودي خارج المملكة وانتشاره حتى يبرز بقوة ويتعرف عليه أدباء العالم العربي، وكان شريكهما الثالث هو الأستاذ محمد إبراهيم المعلم - وقد عين مديراً لهذه الدار - يرحمهم الله - وأخذت هذه الدار تتقدم وتزدهر حتى إنها أصبحت تعادل دار المعارف في المكانة وأصبح لها روادها ومحبوها من كبار الأدباء المصريين ومن البلاد العربية الأخرى المجاورة.
وطاب لنا العيش والمقام في مصر، والتقى بأصدقاء خلص مثل فضيلة الشيخ ضياء الدين حمزة رجب، والأساتذة عبد الله عبد الجبار، وإبراهيم هاشم فلالي، ومحمد عمر توفيق، وحمزة شحاتة، وطاهر زمخشري، ويتردد على القاهرة بين الحين والحين الأساتذة أحمد قنديل، محمد حسن فقي، كما أصبحت هذه الذهبية (زينة النيل) ملتقى للأساتذة الذين يزورون القاهرة زيارة رسمية أو خاصة مثل الأساتذة حامد دمنهوري والأستاذ عبد الله بلخير والأستاذ إبراهيم السويل والشيخ إبراهيم العيدان ما بين صفوة المفكرين والأعلام من بلادنا وصفوة المفكرين والأعلام من مصر والبلاد العربية الأخرى، كما كان يزاورنا ما بين الفينة والأخرى كل من المستشرق المجري الدكتور عبد الكريم جرمانوس، والفيلسوف مالك بن نبي، والمستشرق النمساوي الدكتور إرنست بانرت وأسماء كثيرة لا تحضرني الآن.
ندوات متعددة
وكان صديقه فضيلة الشيخ ضياء الدين رجب لا يكاد يفارقه فيلتقيان يومياً في منزل أحدهما وقد جمعت بيني وبين ابنه الأستاذ حمزة ضياء الدين رجب زمالة دراسية وصداقة حميمة ربطت بيني وبينه أواصر المحبة والصلة ووالد كل منا كوالد للآخر مع اختلاف الهوايات بيننا فكان - يرحمه الله - يحب الكرة ويمارسها ويمارس أنواعاً مختلفة من الرياضة ولذلك التحق كل منا بالنادي الأهلي المصري نقضي فيه فترة من الفترات لشغل أوقات الفراغ أثناء الصيف.
وكانت القاهرة تعج في ذلك الوقت بندوات متعددة كندوة العقاد صباح كل يوم الجمعة من كل أسبوع، وندوة الأستاذ عبد الجبار مساء كل أحد وندوة السيدة جاذبية صدقي، وندوة الدكتور طه حسين وقد كانت ندوة مختصرة محدودة كل يوم ثلاثاء وندوة الوالد الحبيب مساء يوم الجمعة، هذه الندوات الخاصة بخلاف الندوات الجمعية كندوة رابطة الأدب الحديث ولها مقر تقام فيه ويرأسها الأستاذ الأديب مصطفى السحرتي وتضم في عضويتها الكثير من كتاب ومفكري العالم العربي وممن ينتمون إليها من أدبائنا ومفكرينا الأساتذة عبد الله عبد الجبار، إبراهيم فلالي، حسن عبد الله القرشي، طاهر زمخشري كما انضممت إليها وقد قامت الرابطة بتكريم الوالد، وتكريم الأستاذ الشيخ ضياء الدين رجب - يرحمها الله - وكذلك ندوة شعراء العروبة.
ولقد تفرغ الوالد ما بين دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع حيث أشرف عليها إشرافاً مباشراً له تأثيره، وندوته الأسبوعية التي كان يقيمها مساء كل جمعة وتضم هذه الندوة صفوة من العلماء والشعراء والمفكرين أمثال الأساتذة محمود غنيم، مصطفى حمام، مصطفى الماحي، علي هاشم رشيد، الدكتور عبد المنعم النمر، عبد الحميد يونس، أحمد فؤاد قعود، الشيخ محمود شلتوت، الشيخ محمود خليل الحصري، محمد علي الحوماني وآخرين غيرهم وتضم ما بين مناقشات أدبية في النقد وما بين شعر يقدمه الشعراء في شتى أغراضه، ومدارسات فقهية في علوم الشريعة وبعض العلوم الأخرى.
دار القلم
لقد أدت دار القلم في تلك الفترة الزاخرة بالعطاء دوراً كبيراً في النشر والتأليف حيث طبع بها قصة ثمن التضحية للأستاذ حامد دمنهوري - يرحمه الله - وكتاب لا رق في القرآن للأستاذ إبراهيم هاشم فلالي ومشروع المكتبة الثقافية وغير ذلك وكانت لديهم مشاريع لم تكتمل حيث داهمتها الحراسة ومن ثم ضمتها الحكومة المصرية إلى الدار القومية للطباعة والنشر والتوزيع.
أما بالنسبة لندوة الوالد وملتقاه الفكري - يرحمه الله - فقد استمرت حتى بعد أن ترك القاهرة وعاد إلى مكة المكرمة وأصبحت الندوة في القاهرة يوم الاثنين حينما يكون هناك وبمكة المكرمة طوال العام ما عدا فترة الصيف التي يقضيها في مصر عادة.
وكعادته - يرحمه الله - في مشاركته الأدبية والعلمية ببلادنا والتقاء الشباب والشيوخ في داره، لم تنقطع ندواته ومشاركاته وكانت فكرة إنشاء ناد أدبي بمكة المكرمة تشغل باله من فترة طويلة حتى هيأ الله لتجسيد الفكرة هيئة تأسيسية قامت بتكليف كل من الأساتذة محمد حسن فقي وأحمد السباعي وإبراهيم فودة لمخاطبة الجهات الرسمية لاستصدار إذن بتأسيس نادي مكة الثقافي الأدبي فتقدموا بطلبهم وتمت الموافقة من الرئاسة العامة لرعاية الشباب بعد العرض على المقام السامي وموافقته.
ومن ثم اجتمعت الهيئة التأسيسية ورشحت مجلس إدارة النادي في عام 1395هـ المكون من الأساتذة إبراهيم أمين فودة رئيساً والأستاذ حسين عرب نائباً للرئيس والدكتور راشد الراجح عضواً والأستاذ أحمد محمد جمال عضواً والدكتور محمود زيني عضواً وأميناً للصندوق والدكتور عبد العزيز خوجه عضواً والأستاذ عبد السلام الساسي سكرتيراً للنادي.
وفي عام 1398هـ اجتمعت الجمعية العمومية والتي خلفت الهيئة التأسيسية ورشحت مجلساً آخر برئاسته واستمر في رئاسة النادي حتى عام 1407هـ حيث طلب إعفاءه من رئاسة النادي.
وقد حفلت حياته - يرحمه الله - بالعطاء الزاخر المخلص وله مقالات وقصائد ومقابلات صحفية وإذاعية وتليفزيونية، وألقى العديد من المحاضرات والأحاديث والأمسيات الشعرية في الإذاعة ورابطة العالم الإسلامي والجامعات والأندية الرياضية والثقافية.
صدرت له دواوين خمسة: مطلع الفجر، مجالات وأعماق، صور وتجاريب،حياة وقلب، تسبيح وصلاة.
وله قيد الطبع كتاب: خلاصة الأذكار من كلام الله وصفيه المختار، من نثار القلم، وديوان شعر: بقايا وأغوار.
انتقل إلى جوار ربه تعالى في يوم الأربعاء الثالث والعشرين من ربيع الآخر عام 1415هـ وأسأل الله العلي القدير أن يتغمده برحمته ويسكنه فسيح جناته.
هذه لمحات سريعة قد تلقي أضواء على حياته وعطائه، ولعلي أكون بهذا قد وفيت بعض الشيء. والحديث عنه كشاعر وأديب ومفكر يطول ولا تكفيه هذه الصفحات لهذا أردت أن أوجز بقدر الإمكان فللدراسة الأدبية مكان آخر، ووضع آخر.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1028  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 1250 من 1288
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج