شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الأستاذ عبد الله بغدادي ))
ثم تحدَّث الأستاذ عبد الله بغدادي مشاركةً منه في تلك الأمسية فقال:
- بسم الله. أنا لست من أهل الفكر الصحفي، ولست من أقطاب الصحافة المعاصرة، الذين يجلسون عن يميني وشمالي، ولست في عداد الشعراء، ولكنني من أهل التعليم. وباعتبار أن أحمد محمود قد جاءني متتلمذاً في كلية الشريعة قبل ربع قرن، رأيت أن أتناول خط سيره الإِيماني وتكوينه العلمي، والذي أهَّله ليكون رئيساً لتحرير جريدة "المسلمون".. كنت أقلب بعض الأوراق فعثرت على ثلاثة أبيات للحكيم الإِسلامي ابن سينا، وهو من النماذج الإِنسانية الفائقة، وهذه الأبيات في اعتقادي أنها تمثل خير تمثيل خط سير الأستاذ أحمد محمود الإِيماني وتكوينه الفكري. أبيات ابن سينا:
هَذِّب النفس بالعلوم لترقى
وَدَعِ الكل فهي للكل بيت
إنما النفس كالزجاجة والعلم
ضياء وحكمة الله زيت
فإذا أشرقت فإنك حي
وإذا أظلمت فإنك ميت
 
- ليت شعري.. أيرجع الأمس غضاً طرياً يوم أقبل على التعليم العالي هذا الفتى المقدام طري العود، ونضير الشباب، منحدر من أصلاب عدنانية يعربية، ومُتَّشِحاً بثياب موريتانية، ليروي ظمأه للعلم، ويبل صباه بالمعرفة، فأقبل على مورد من الموارد العدنانية الزاهية، وحوض من حياض الشريعة الباهرة يمتاح منه دلاء متراعات، ورشاء جامعات، وحسيباً غزيراً وماءاً دفاقاً وفيراً، فيمم وجهه شطر مكة المكرمة واستقر دارساً فوق صرح من صروح الشريعة بها، وتحصن في قلعة من قلاع العربية بكلية قامت بمكة عاصمة الإِسلام، ومنطلق رسالة محمد عليه الصلاة والسلام. وتسربل هذا الفتى اليعربي العدناني برداء الشريعة، وتكلل بأكاليل العربية فأشرقت نفسه بالإِيمان، وقذف العلم في قلبه عطية وهدية من عند الله سبحانه.
- أقولها وأكررها بتلك الكلمة العبقرية الفذة من مقولة للإِمام أبي حامد الغزالي. وجاء المحمود نمطاً إيمانياً وسلوكاً إنسانياً متحلياً بلباس التقوى مشرقاً بنور العلم، ومرتدياً عمامة العلماء، ومطرزاً بجبة الفقهاء، متشحاً بلفاع العربية والأدب، متسربلاً برداء الرزانة، مستمسكاً بعروة من الأصالة لا تموت.
- وبهذه الصحوة الفكرية قضى أحمد محمود محلقاً في دنيا الفكر وعالم الأدب والصحافة، منطلقاً كالشعاع، مشرقاً كالديباجة، واستجاش وفاؤه لرسالته الأدبية، فطاب علمه، وأينع ثمره، ونما طلعه، واخضر ورقه، وزكت سيرته. فكان من الأسماء المتحلية في دنيا الإِعلام والمطيبة في عالم الصحافة. ويوم تقدم الذئاب والضباع إلى مائدته بأنياب وأضراس وأظافر مسنونة، ومخالب ضارية وأيدٍ ضاوية رجع إلى قوله تعالى: وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما. ثم مضى إلى ميدان رحيب أغزر مادة ليرضي طموحه الصحفي ونزعته الفكرية والإِعلامية، فتربع على رأس الإِدارة في تهامة، وتطيب بطيب سلفه، وتعطر بمسك خلقه، فطاب وأزهر وأينع وأثمر، ومن قبل ومن بعد وظف المحمود فكره، وسخر قلمه في خدمة الرسالة الإِعلامية، وسكب روحه الإِيمانية عليها، وأشعل قلمه لتكون حروفه وكلماته في خدمة الإِيمان وخدمة الإِنسان.
- فالفكر دعامة من الدعائم التي يقوم عليها الإِيمان. الإِيمان عقيدة، والإِعلام رسالة، والفكر دعامة. ويوم يؤمن أهل الفكر الصحفي في زماننا برسالتهم، ويوم يوظف الحرف وتكون الكلمة في خدمة الإِيمان، يعتلي الإِنسان، ويرتفع البنيان، وتورق الأغصان، ويزرع الورد والريحان، وتنبت الأوراق الجميلة، وتنمو الأزهار المنعشة، ويصير الجوُّ ربيعاً وأزهاراً كجنات تجري من تحتها الأنهار.
- وبعد.. فمرة أخرى يعاوده الحنين إلى مهنته التي عشقها ويشتعل الشوق في قلبه، ويتشوق إليها لأنه أحبها ومازجت عقله، وملأت شغاف قلبه فعاد إلى منبر الصحافة والعود أحمد، وإلى موقع متقدم، ومركز مرموق في عالم الإِسلام هو به جدير، وله مؤهل ومكون. وأذكرك يا أخي أحمد بأن عملك الجديد في موقع العالي يقتضي منك مثالية فائقة، وتكريساً ذاتياً، وعملاً عقلياً منظماً، ويتطلب الدقة والأمانة، والجد والمثابرة، والتضحية. وأنت بحكم تكوينك الثقافي والإِيماني مؤهل له، ومن خلال عطائك وحياتك المثلى التي وقفتها على خدمة الرسالة الصحفية، فكان عطاؤك عطاء الإِنسان المتميز، وأتطلع أن تنسكب روحك الإِيمانية الخيرة الممتلئة بالمثل الفائقة والمبادئ العظيمة التي شربتها نفسك الطموح شاهداً أميناً على عطاء متميز تبتغي به مرضاة الله ورفعة الإِنسان المسلم في أي مكان.
- وأذكرك وأنا أختم حديثي معك بمقولة الإِمام الغزالي: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلاَّ لله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :499  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 212 من 230
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.