علم الله ما نسيت ولا أنسيت |
لكن شغلت بالهم بعدك |
عضني الداء ضعف ما كنت تدريه |
فكم عشت بالحقيقة عندك |
ولقد تسبحون في عالم الأرواح |
حياة تلقى بها اليوم وجدك
(1)
|
ونعيش الحياة أطياف وهم |
عشتها بيننا فما عشت وحدك |
* * * |
لا تلمني على القصور فوالله |
يرغمني برغم في الحشاشة وقد |
كم تمنيت أن أكون الذي أرجو |
وحاولت والظروف تصد |
وتهاوى على ما ليس في الحسبان |
وما ليس بالعقول يرد |
أنا بالله وحده أطرد الهم |
وبالله وحده أنا جلد |
* * * |
ما عرانا نقص الحياة نعيماً |
بل عرانا من النعيم اللغوب
(2)
|
والمعاني عند الأديب هي النعمة |
إن أخصبت فعيش خصيب |
والمعاني إن أجدبت أقفر الخصب |
وشاخت مع الوجوه القلوب |
نحن في نعمة من الله وفر |
هي في غفلة النفوس تذوب |
* * * |
التفاهات حولنا تغل الناس |
ونفسي حتى تذوب المعاني |
أنا أشكو نفسي ولست أزكيها |
وأشكو معي بني الإنسان |
والحياة الحياة جادت بما فيها |
نعيماً يفضي إلى الإيمان |
غير أنا إلى النعيم ركنا |
وهجرنا موارد العوفان |
وتهون الأعباء ما كثر الأحباب |
لقياً فيها على كل معنى |
كم أنسنا بالقرب منك وطابت |
بك لي هجرة حياة ومغنى
(3)
|
ما افترقنا يوماً سنين طوالاً |
وارتبطنا عهداً وقلباً وذهنا |
* * * |
ثم عدنا إلى الديار وفي القلب |
ندوب تخضخض الجسم وهنا |
وظللنا على اللقاء وإن بعد المنزل |
وازدادت الكواهل حملا |
وفتحنا الصدور نلتمس الآمال |
نعتد كل وعر سهلا |
والمودات للقلوب غذاء |
كم سعدنا بها على المر نهلا |
لم تزل وحدها بقاء حياتي |
أتداوى بها شباباً وكهلا |
* * * |
والحسابات في الحياة رصيد |
بعض أرباحه يعوض بعضا |
والمزيد المزيد في حسبة الأحباب |
شعور يزود الحي ركضا |
غير أن الفقيد في عالم الأحباب |
رصيد يظل حساً ونبضا |
مثلما يلهم السعادة رجعاً |
تنهش الحسرة الجوانح عضا |
* * * |
وبهذا وذا تلقيت ديوانك |
في دمعتي سرور وذكرى |
فرحة بالتراث بعدك منشوراً |
فتحيا به مراراً وتقرى
(4)
|
كم زحمت الأحياء حياً وهذا |
أنت ميتاً تزاحم الحي ذكرى |
وطيوف من ذكريات زمان |
وحبيب تعج في القلب حسرى |
* * * |
إن أكن منك حيث أنزلني الحب |
فأطريتني صفات وذكرى
(5)
|
وتلقيتني تشد على الكف |
بقلب وبسمةٍ منك سكرى |
الفقي قبل والأساتذة العقاد |
وأنت اللصيق جهراً وسرا |
انتموا انتموا الأولى ملأوا النفس |
اعتزازاً وكان شعري ذخرا
(6)
|
* * * |
كنت أعتز بالمقالات نثراً |
والأحاديث في المحافل جهرا |
وتصدي العواد بنقد شعري |
ويثنى خيراً ويكرم قدرا |
والفقي قال في اليفاع كلاماً |
لم يزل ينفح الجوانب عطرا |
ورأيت العقاد يقرأ شعري |
ثم يضفي الثناء جماً ووفرا |
ثم ألقى إلى ما كنت أرجوه |
وأسعى إليه كالحلم بشرى |
وتهيأت للذي أسعد النفس |
ورتبت للبشارة أمرا |
وجمعت الديوان كي يكتب العقاد |
فلم تفسح المنية عمرا |
وتولى العقاد لم يكتب الرأي |
ولكن غذا به النفس شعرا |
* * * |
كنت تدري هذا وبالقرب تدري |
غيره فانثنيت بالأمر أحرى |
وامتشقت اليراع بعد اطلاع |
ممعن صغته حديثاً أبرا |
ملأ النفس غبطة بمعانيها |
وأروى زنادها واستورى
(7)
|
هذه قصتي مع الشعر والنثر |
أحي بها المحبين نثرا |
* * * |
إن عدوت الحديث عنك إلى الذات |
فقد شئته اعترافاً وبرّا |
علمتني بك الحياة كثيراً |
وأفانينها تعددن كثرا |
جمع الود بيننا فتساقيناه |
كؤوساً من المعارف شكرا |
كم خبرت الرجال من قبل ومن بعد |
وقد كنت في الرجال أغرى |
* * * |
يا رفيق المنى وإن خابت الآمال |
لهفي على الزمان الحالمْ |
كم نعمنا به على نشوة الحلم |
اقتناصاً من الزمان الظالمْ |
وضحكنا وفي القلوب مآسٍ |
والليالي من حولنا كالمآتمْ |
ليس ذنبي وليس ذنبك أن الأقدار |
شاءت والأنف لله راغمْ |
* * * |
كنت لي منفذ الرجاء على الغيب |
تواسي همي بحلو الأماني |
فكفاني إن خابت الآمال |
جمال الرؤى وعشق المعاني |
وكفاني رفيق صحبتك السمحة |
في قسوة الظروف كفاني |
حفلت جعبتي بخير هداياك |
التقاء على هدى الإيمان |
* * * |
لا تخلني خلوت من عزمة الصبر |
ومن بسمة الفؤاد الواعي |
لم أزل أحرث المنى في ربى الفكر |
بقلب المتيم الزراع |
والبشارات بالثمار توافي |
روضنا الخصب في كريم البقاع |
فرعى الله للنفوس مناها |
ورعى الله بالهدى كل راع |
* * * |
وقرأت الديوان أدرى بما فيه |
وأسراره وخلف القوافي |
كم روينا الأخبار عندك عني |
ثم عندي عنك الكثير الخافي |
وبسطنا الشؤون نستلهم الله |
هداه وهو العليم الكافي |
إن دهتنا الخطوب حتى عتبنا |
فكلانا على الوفاء الوافي |
* * * |
لا أناجيك ناقداً فلقد أعلم |
فوق الذي نسجت بشعرك |
والذي سطرته كفك يكفيك |
دليلاً على نباهة قدرك |
غير أن الكثير من ومضة المنطق |
والعلم والنهى تحت سرك |
قد عرفناه والمجالس كنز |
وأنا اليوم سابح حول ذكرك |
* * * |
وشجاني الحديث حين تبدى |
شعرك الجزل في النسيج القشيب |
فأردت الوفاء للود محضاً |
واعتذاراً عن القصور المريب |
قلت رأيي من قبل فيك رثاءً |
وأنا اليوم في حديث الحبيب |
هو مني عصارة من فؤاد |
يحفظ العهد بالوفاء رطيب |
* * * |
مرحباً بالضياء أشرق في الشعر |
وللنثر حظه منك بعد |
يا ضياءً حديث قلبك أنغام |
على معزف العواطف تشدو |
جدد الشعر نفث سحرك في الناس |
لحونا إلى السرائر تعدو |
فابعث النثر للعقول خطاباً |
فخطاب العقول وقْدٌ وبرد |
* * * |
والذي طالع الوجود بديوانك |
أهل للشكر والعرفان |
هو في دولة القريض أمير |
لا تنحيه غلية النسيان |
وهو أهل لأن يزيدك تبياناً |
بنشر المطويّ من تبيان |
فله الشكر خالصاً ولك الله |
نزيلاً في ساحة الرحمن |
* * * |