(( فتح باب الحوار بين الحضور والمحتفى به ))
|
ثم أعلن مقدم الاثنينية عن فتح باب الحوار مع الضيف، وقبل أن يتقدم أحد الحاضرين بسؤاله، طلب الأستاذ عزيز ضياء الكلمة فأعطيت له فقال مختصراً: |
- مما آسف له أني جئت متأخراً عن الوقت الملائم لأصغي لبداية المحاضرة القيمة وأقول قيمة متأثراً بأواخر ما سمعت من فكر، وبأواخر ما سمعت من رغبة المتحدث في أن يرى أكثر كثيراً مما نرى في واقعنا هذه الأيام، ولذلك إن كان لدي ما أقوله فبضاعة قليلة جداً لكنها تخلو ربما من بعض ما يرضيه، وهي أني معه في كثير مما سمعت، وأتمنى وأتمنى كثيراً على حملة القلم ورجال الفكر والمتصدين للشؤون الاجتماعية والحياة الاجتماعية في بلادنا أن تكون لديهم القدرة إلى جانب الجرأة على أن يقولوا ما ينبغي أن يقال. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته... |
|
ثم أعلن الأستاذ عبد المقصود خوجه عن تلقيه محادثة هاتفية من معالي الشيخ عبد العزيز الرفاعي.. يبلغه فيها مشاركته في تكريم ضيف هذه الأمسية الدكتور راشد المبارك وتحيته له، وقد ذكر في حديثه الهاتفي بأن الضيف الكبير قد حدثه أنه اطلع في مكتبة أسكوريال على مخطوطة تظهر جهود العرب الأولين ومعرفتهم في علم الذرة، حتى أنهم نسجوا قصيدة في ذلك يحفظها أستاذنا، ثم طلب المحتفي من المحتفى به أن يسمع الجميع شيئاً مما يحفظ من هذه القصيدة. |
|
ويرد الدكتور راشد المبارك قائلاً: |
- شكراً لأخي الكريم فيما أثار. |
- أحسب أن ما خلفه العرب المسلمون، من تراث يمثل نموذجاً فريداً في انتشاره وحجمه وكميته، والأعجب من ذلك أن الشواهد والظواهر تدل على أن ما فقد منه كثير، وبجانب ذلك فإنما عرف من هذا الموجود شيء قليل. وأسباب ما فقد منه معروفة ميسورة فيمن له أدنى إلمام بتاريخ هذه الأمة، حيث اكتنفتها كارثتان: الأولى من الشرق على يد التتار، حيث كانوا أشبه بالوباء الذي اجتث الفكر مع النفوس، ثم اجتاحها كارثة أخرى من الغرب عندما دخل فرديناند وإيزابيلا إلى آخر معقل من معاقل المسلمين في الأندلس وآخر بستان مما زرعوه في هذه الأرض. فإذا كان التاريخ يروي أن نهر دجلة قد امتلأ بالكتب، فقد كان وقوع كتاب عربي أو مصحف بين يدي محاكم التفتيش يؤول إلى إعدام وإحراق من يملكه. ولقد قدر لي حين اهتممت بعض الوقت بجهد محدود بتتبع بعض ما لأسلافنا في هذا المجال. واجتمعت عندي خيوط لا تزال فيما أراها قليلة، ولكن لا تمنع قلتها من الحديث معها فيها مع أهل الدار. |
- أحد هذه الخيوط هو أنه في عام 1932 كانت إحدى الشركات الألمانية تقوم بحفر مجاري في مدينة بغداد، وكان المشرف على هذا الحفر مهندساً ألمانيا اسمه هانج، فوجد هذا المهندس في أثناء الحفر صندوقاً صغيراً عليه كتابة عربية غير واضحة، فتح الصندوق فوجد فيه بطارية جافة، هي نفس البطارية الجافة المستخدمة الآن باحتوائها على معدنين مختلفين ومادة للتوصيل بينهما، ومادة عازلة نشر نبأ عثوره على تلك البطارية في أحد الصحف التي كانت تصدر في أمريكا في ذلك الوقت. فاهتمت دائرة الطبيعة في جامعة بنسلفانيا بهذا الأمر وبعثت من أخذ البطارية من هانج، وفي حدود علمي لا تزال هذه البطارية محفوظة في دائرة الطبيعة في جامعة بنسلفانيا. |
|
- المثل الثاني هو أن قصور غرناطة في الحمراء زارها ملايين البشر وزارها الآلاف، بل مئات الآلاف من العرب والمسلمين، ورأوا ما بها من دقة في البناء ورشاقة، ورأوا ما بها من زخرفة، ولم يزد ما رأوه عن ذلك، ومنذ عشرين عاماً أو نحوها زارها أحد أساتذة الرياضيات في جامعة أكسفورد وهو بولندي الأصل اسمه (J. F. Polanski) وأصله من بولندا نزح إلى بريطانيا في أثناء الحرب العالمية الثانية، وبقي أستاذاً للرياضيات بجامعة أكسفورد فترة من الزمن، ثم ذهب إلى أمريكا وعاد مرة أخرى إلى بريطانيا، وكان يقدم حلقات في التلفاز البريطاني في عام 70م، 71م تحت عنوان: (The ascent of man)، أي ظهور أو صعود البشرية. |
- استعرض في فكر ثاقب عطاء الأمم ومن العطاء الحضاري والعلمي للمسلمين. وفي كتابه فصل جيد عن حضارة العرب في الأندلس وزار قصور غزناطة من فروع الرياضيات البحتة، وقد يكون من الصدف أن هذا يقع في اختصاصي المحدود وفرع يسمى علم المجموعات أو نظرية المجموعات (The Group Theory) وهي فرع من الرياضيات البحتة، تقوم على التماثل في وحدات الطبيعة تماثل الجزيئات والتماثل في البلورات والتماثل في وحدات الكون، فلما وقعت على هذه الزخرفة، ووجد التناسق الموجود بينها، قطع بأنه لا يمكن لمن وضع هذه الزخارف على هذا النسق دون معرفة كبيرة بعلم التماثل وهذا المثل الثاني. |
- المثل الثالث الذي ذكره أخي الكريم عن ذلك الأثر غير أني لم أقف على المخطوطة في مكتبة الأسكوريال إنما وقفت عليها أول ما وقفت في المتحف البريطاني في لندن، في مكتبة المتحف البريطاني في لندن. |
- من بين علماء الكيمياء في القرن السادس رجل يقال له ابن إرفع رأسه
(1)
وهو عالم في الكيمياء وفي الفقه وفي التصوف، وله كتاب اسم شذور الذهب
(2)
، هذا الكتاب وضع شعراً وكل الكتاب عن الكيمياء، ويظهر أن الشعر من خصائص العرب حتى لو طرقوا مجالاً غير الشعر. قبل أن أذكر ما قاله في كتابه أحب أن أذكر بإيجاز تصور العلم الحديث لوحدة المادة وهي الذرة. |
- وقصة هذا التصور هي أنه في أوائل هذا القرن وفي سنة 1925 قام أحد علماء الفيزياء المعروفين وهو بريطاني اسمه (Brotherfond) بتعريض رقيقة من الذهب لجسيمات ألفا وهي نوع من الإِشعاع الذي ينفذ، فوجد أن الجزء الأكبر من ذلك الإِشعاع ينفذ منحرفاً في مساره، وجزءاً ضئيلاً جداً يرتد دون أن ينفذ. فكان تصوره أن الذرة تتكون في مجملها من فراغ تتركز كتلتها في مركزها وتحيط بها هذه الكهارب، وأن سبب الانحراف هو اقتراب الجسيمات المقذوفة، وهي جسيمات ألفا، وهي مشحونة بشحنة موجبة من جسم مشحون بشحنة مماثلة، وأن سبب الارتداد هو أن تلك الجسيمات اصطدمت بجسم أكبر منها وهو النواة، فكان هذا التصور الذي يعرفه - قد يكون - كل الناس لأن الذرة أشبه بالكرة تتركز كتلتها في حيز صغير جداً منها هو النواة، وتحيط بها كهارب، والذي يمسك هذه الكهارب قوتان، قوة الجذب بين الشحنة السالبة على الكهارب والموجب على النواة، وقوة تنشأ من دورانها تسمى القوة الطاردة المركزية. في كتاب أو ديوان ابن إرفع رأسه يقول في وصف الذرة وصفاً دقيقاً، بحيث لو كان عند أحدنا مجهر إلكتروني ونظر إلى الذرة لما وصفها بأدق من وصفه يقول في القصيدة وهي طويلة وإنما يعنيني منها هذا الشاهد: |
فشتان بين إِثنين هذا مكهرب |
يدور وهذا مركز للمراكز |
وإنهما عند اللبيب لواحد |
لأنهما من عنصر متمايز |
|
|
- هذا المكهرب الذي يدور أو الكهارب والنواة يكونان ذرة، والذرة هي العنصر... |
فهذا على هذا يدور وهذه |
لها مركز راس بقدرة راكز |
وإنهما ضدان عالٍ وسافل
(3)
|
بقاؤهما فردين ليس بجائز |
وبينهما جسم مشف كأنه |
من اللطف فيما بينها غير حاجز |
|
|
- الأمر محير لأنه من المحتمل أن يصف شخص أو أشخاص شيئاً ما وصفاً تفصيلياً غير دقيق، فينطبق على أشياء كثيرة، إذا قلنا أن جسماً مكوراً قطره عشرة سنتيمترات قد ينطبق على كرة وقد ينطبق على برتقالة وينطبق على تفاحة، أو أن نصف شيئاً ما وصفاً دقيقاً غير مفصل، فينطبق على شيء وأشياء كثيرة. لكن أن يأتي وصف دقيق ومفصل لشيء واحد يستبعد أن ينصرف إلى أشياء كثيرة. ابن إرفع رأسه فيما قرأت في كتابه لم يذكر اسم الذرة. ومنذ سبعة أعوام كان هناك ضمن نشاط الحوار العربي الأوروبي، لعل الكثير منكم سمع عنه أو شارك فيه، وكان من نشاطه إقامة أسبوع للحضارة الإِسلامية العربية في جامعة هامبورج بألمانيا وكنت حريصاً في المشاركة فيه على أن أتقدم ببحث عن تحقيق هذا النص، لأن ذلك أحسبه كسباً للأمة العربية والمسلمة قلّ أن يضاهيه نظير. |
|
فحرصت على أن يكون هذا موفقاً وليس استنتاجاً، فبحثت إذا كان هناك شروح لكتاب ابن إرفع رأسه، وعرفت أن هناك شرحاً لأحد علماءِ الكيمياء في القرن الثامن في مصر اسمه أيدمور
(4)
بن علي الجلدكي، وشقيت كثيراً في الوصول إلى مخطوطته، ومرة أخرى لم أجدها في البلاد العربية، ووجدت نسخة منها في مكتبة جامعة برلين، ونسخة أخرى في المتحف البريطاني، ولكنني مع الأسف لم أعثر فيها على شيء. ولا يزال الموضوع رهن التحقيق وأرجو أن نصل يوماً من الأيام إلى ما يؤكد هذه الصلة. |
(( تعقيب الأستاذ شكيب الأموي ))
|
ثم عقب الأستاذ شكيب الأموي على كلمة الدكتور راشد المبارك فقال: |
- في البداية أعتذر عن إسرافي في أطماعي، كنت أرجو وأتأمل من الدكتور العالم الشاعر الرجل المعروف الأديب أن يحدثنا: |
- ليس عن الماضي بل عن المستقبل، مستقبل الأمة العربية والأمة الإِسلامية. وكيف يمكننا أن ننهض لنسترجع ما كنا عليه في الماضي؟ والسلام. |
|
فيجيب الدكتور راشد المبارك على ذلك بقوله: |
- أخي الأستاذ شكيب يذكرنا بنكتة لطيفة، حيث يقال أن أستاذاً ما سأل تلميذاً غير نجيب في فصله فلم يحر التلميذ جواباً، فقال له: لماذا لم تجب؟ هل السؤال صعب؟ قال: لا يا سيدي ولكن الجواب هو الصعب. |
(( مداخلة الأستاذ عزيز ضياء ))
|
وبعد أن استمع الجميع إلى رد الدكتور راشد المبارك على سؤال شكيب الأموي تحدث الأستاذ عزيز ضياء فقال: |
- كلمة الأستاذ شكيب الأموي تطالب الدكتور وتطالبنا جميعاً بأن نتحدث عن المستقبل أو نتطلع إلى هذا المستقبل، والملاحظة التي يعيشها الإِنسان العربي وعلى الأخص بعد الحرب العالمية الثانية هي أنه يعيش في الماضي ومحاولة الحفر واستنباط ما كان في هذا الماضي. الواقع أن الماضي كان كبيراً ومزدهراً ومرضياً من جميع الوجوه، في حدود ظروف تلك الأيام، ولكن المشكلة أننا ظللنا نعيش الماضي حتى هذه اللحظة. ونحن ولا أعني المملكة العربية السعودية، أو أعني المجلس الذي أتشرف بالجلوس فيه، وإنما أعني العالم العربي والإِسلامي بأجمعه ما يزال يعيش على هذا الماضي. |
- ولي أن أقول أنه يتسلى بأن كان له هذا الماضي، وأنه عاش هذا الماضي، وأمجاد هذا الماضي، ومفاخر هذا الماضي. مفاخر الأمة العربية والإسلامية أكبر كثيراً من أن تحصيها جلسة كهذه، ولكن تطلع هذه الأمة إلى المستقبل ينبغي أن يكون أكبر من غوصنا على الآثار والمتاحف وعلى ما مضى وعلى ما كان. |
- ما كان قد كان وانتهى - نحن نتطلع إلى ما سوف يكون ومن المؤسف جداً أن تطلعنا لما سوف يكون ما يزال خامداً خمود الرماد، ولا أدري إن كان تحت هذا الرماد جمر أم ليس فيه جمر على الإِطلاق؟ أتمنى أن أسمع من الدكتور ومن الأساتذة تطلعاً إلى المستقبل، لا أقول أن الماضي لم يكن فيه شيء؛ بل فيه الكثير، ولقد رأيت رحلة عمري الطويلة التي تشرف على الثمانين من العالم الإِسلامي والعربي وغير العربي والإِسلامي الكثير جداً، وفي كل ما رأيت وفي كل ما عشت كنت أشعر أننا ما نزال نعيش ذلك الماضي ونتسلى به، إذا لم أقل أننا مخمورون بذكراه، ونحن يجب أن نفيق من هذه الغفوة، وأن نتخلى من هذه السكرة، وأن نتطلع إلى المستقبل، وأن نرى ماذا يمكن أن نكون فيه؟ وأين سوف يكون موقعنا منه؟ ولعل هذه فاتحة للحوار، والكلام على كل حال متروك لمن يريد أن يتكلم.. والسلام عليكم. |
|
ويعقب الدكتور راشد المبارك على مداخلة الأستاذ عزيز ضياء فيقول: |
- شكراً لأستاذنا الجليل الأستاذ عزيز ضياء، وأحسب أنني متفق معه فيما قاله، ولو قدر أن نسعد بحضوره في أول ما قلت لوجد أن هناك لقاءاً منطبقاً بين ما قلته وما ذكر. ولقد قلت أنني بتأمل حالنا الحاضر، وأعجب كيف وصل إلى ما وصل إليه في عالمنا الإِسلامي بصفة عامة ولا أقصد مكاناً واحداً منه. |
- وعندما ألممتُ هذه الإِلمامة في هذا التاريخ، فقد كانت استجابة لرغبة مضيفنا الكريم. وأحسب أنه لن يضيرنا إن لم يفدنا أن نعرف مثل هذه الومضات من تاريخنا، وعندما قلت أن ليس السؤال هو الصعب ولكن الجواب هو الصعب، فقد قلت أنه صعب ولم أقل أنه متعذر. |
- ولكنني من وضع نفسي.. أحسب أنه ليس هناك جملة مفردة تسكب في فنجان فتقدم ليقال هذا الجواب. ولقد أشقاني البحث عن ذلك يا سيدي، وأشقاني أكثر أننا لم نجد أو لم أجد أنا لكي أكون دقيقاً فيما أقيم في البلاد الإِسلامية والعربية من مؤتمرات تبحث عن كثير من الأسئلة، أن مؤتمراً ما أقيم ليسأل إلى أين نحن سائرون؟ ومرةً أخرى أتحدث عن الجانب التقني حيث الفارق الآن بين من تسمى الدول النامية والدول المتقدمة.. فكنت أسأل أين يقع الخلل؟ ولم أعرف أن مؤتمراً وقف لكي يسأل هل العلة في الذات أم العلة في الظروف أم في شيء آخر غير الذات والظروف كنقص الأبحاث؟ وأحسب أن أول اجتماع حدث في هذا الشأن قد أثيرت هذه القضية في المنظمة الإِسلامية للتربية والثقافة والعلوم، فتبنَّت البحث عن هذا السؤال الذي يرغب أخي الأستاذ شكيب الأموي أن أجيب عليه. واشترك معها في إقامة الندوة الجمعية الملكية الأردنية، وعقدت هذه الندوة في عمان منذ عام ونصف، ثم تقدمت المنظمة الإِسلامية للتقنية والعلوم والتي مقرها المملكة لاستضافة ندوة أخرى، إذ تبين للمجتمعين أن ثلاثة أيام غير كافية لبحث هذا الموضوع والوصول فيه إلى حلول شافية. |
- ثم إن هذا الجانب يتطلب بحثاً ميدانياً أي لا يكفي فيه التنظير الفكري، ووضوح التجارب التخيلة، وإنما ينبغي أن تواجه المسألة أو المسائل في مواضعها للاستقصاء والتحليل والتعليل. وأرجو أن يكون فيما سيصل إليه الإِخوة الذين اشتغلوا في هذا وقد حضرت جانباً من اجتماعاتهم، وبعض الجواب الذي أرجو أن ينشر ويستفاد منه. ومثل ذلك أو الحديث عنه أخشى أنني لا أضع نفسي موضعها عندما أقول أن هناك وصفة واحدة لو ذكرها الإِنسان لكانت هي العلاج. |
|
(( مشاركة الأستاذ عبد الفتاح أبي مدين في الحوار ))
|
ثم أدلى الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين بدلوه في الحوار الدائر بين الدكتور راشد المبارك والأستاذ شكيب الأموي فقال: |
- يبدو أننا سندور في نفس الفلك والدكتور من البداية قال: أن الجواب صعب، ومعنى هذا ينبغي أن ننتظر أو أن نعمل إلى أن نذلل السؤال، وحينئذٍ... فذلك الجواب الصعب وحينئذٍ يزول السؤال والدكتور شاعر ويعرف قول المتنبي: |
ولم أرَ في عيوب الناس عيباً |
كنقص القادرين على التمام |
|
|
- ويدرك أيضاً أنه لا يكفي أن نعيش على الماضي، ولكنه يجب أن نضيف إلى الماضي الجديد والكثير من متغيرات الحياة، وتطور العصر. |
- منذ 14 قرناً والكتاب العزيز يخاطب المؤمنين دون غيرهم، قال الله سبحانه وتعالى: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون... إلى قوله تعالى: إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص... معنى هذا أن هذه الأمة العربية المسلمة ذات الألف مليون أو المليار إذا لم تتجاوز هذا النذير وهذا التقريع في هذه الآية الكريمة بأن يطابق قولها عملها، وأن يطابق علمها قولها فستبقى في مكانها لا تتغير ولا تريم. |
- وهناك قضية شائكة، فقد وجه صاحب الرسالة
(5)
أحمد حسن
(6)
الزيات رحمه الله قبل ثلث قرن أو يزيد إلى مؤرخنا أبي خلدون ساطع الحصري
(7)
، ولعل دكتورنا المنجد يذكر هذا، والسؤال هو: هل الشقاق طبع في العرب؟ وكان الرد على هذا السؤال مقالتين في الرسالة نفسها لا أريد أن أستعرضها ولكننا أمة دعينا بكتابنا بدستورنا إلى العمل قال تعالى في كتابه العزيز: وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون الأمر يتطلب عملاً، فإذا لم نعمل فسنظل ندور في هذه الحلقة المفرغة. نرجو الله أن يعيننا على أنفسنا حتى لا نضل، وأن يعيننا على أعدائنا حتى لا نذل، والسلام عليكم. |
|
ويرد الدكتور راشد المبارك على كلمة الأستاذ أبي مدين بقوله: |
- أنا سعيد بهذا الحوار فهو غذاء للعقل والفكر والوجدان، فقد جاء من إخوة أحبة يقات الإِنسان بمثل مشاعرهم. وأعرف ما يعتلج في نفس أخي أبي مدين، كما يعتلج في صدري، وليس أجد يا أخي في الموضوع أي حرج على الإِطلاق، وإنما أجد نفسي كما ذكرت وأكرر مرةً أخرى أني لم أجد المعادلة التي تحل هذا السؤال حلاً دقيقاً. وما ذكرتموه من العمل لعلي أعرف ذلك كما تعرفونه، ويعرفه ملايين المسلمين، ولكني أظن أن ذلك هو الجواب السهل يعقبه السؤال التالي: هل الناس لم يعملوا لأنهم لم يقرؤوا كما قرأتُ أم لأنهم قرؤوا ولم يعملوا؟ |
- إذن أين يقع الخلل هنا في الذات، أم في الإِيمان؟ أنا لا أستطيع أن أحكم على الناس من موقفي هذا. هذا الكتاب العزيز منذ أربعة عشر قرناً وهو خالد وباقٍ وقرأه ملايين من البشر، ومن يقرؤه يومياً بالملايين، وإنما نسأل كيف لم يرق الناس؟ لم يرق المسلمون في أكثرهم إلى هذا المستوى؟ مَرَدُّ ذلك لأسباب اجتماعية، أو أسباب اقتصادية أم أسباب ذاتية، أو أسباب ذهنية. |
- أرجو ألاَّ أزعجكم إذا قلت أنني الآن لا أستطيع أن أعطي رأياً قاطعاً في هذا. وما أحسب في هذا إحراجاً... شكراً. |
(( شيء من الشعر ))
|
ويطلب المحتفي الأستاذ عبد المقصود خوجه من ضيفه العزيز أن يتحف الحاضرين بقصيدة من قصائده تكون مسك الختام، مستحسناً أن تكون من الغزل: |
ويرد الدكتور راشد المبارك على طلب مضيفه بقوله: |
- أولاً أشكر لأخي المفضال، ويعلم لأصدقه القول أن ذلك شرف لا أدعيه، فلم أكن شاعراً، وليس لي شيء أتقدم به، ولكنني سأدفع عن ذلك جِزْيةً بأن أروي مما أحفظ فهو أحسن مما يمكن أن أقول لو أمكن بكثير، وهنالك قصيدة سمعت بعض أبياتها مغناة من إذاعة البرنامج الثاني في إذاعة الكويت منذ أعوام تغنيها فيروز وعلق بذهني بيت واحد منها لغرابة معناه. |
- هذا البيت يقول: |
أخادع النوم إبقاءاً على حلم |
حان على الشفة اللمياء مخمور |
|
- وكانت لبنان في ذلك الوقت مفتوحة لروادها. وتكررت على أصحاب التسجيل أسألهم لأنني لا أعرف ما اسم القصيدة، ولا أعرف أولها ولا آخرها، فما أجابوني. |
- وفي عام 71م وكنت في أيام الطلب في بريطانيا وكان من سعدت بصحبته الأخ الدكتور غازي ورويت له هذا البيت، فأملى عليَّ بيتين آخرين، ثم ذهبت وكنت على موعد في معهد الرياضيات في أكسفورد، وكان الحديث فيه والندوة وهي أسبوعان عن الذرة والانتقال للإِليكتروني، وكانت كلها شيئاً ثقيلاً على حسي كثيراً، ثم في يومين أنقذني كتاب وصل من الأخ غازي يقول: بعد سفرك بيومين جاءني ديوان شعراء سوريا المعاصرون، وإذا بي أمام قصيدة فيروزية وإذا هي لبدوي الجبل
(8)
عنوان القصيدة "خالقة" يقول فيها: |
من نعمياتك لي ألف منوعة |
وكل واحدة دنيا من النور |
رَفعتني بجناحي قدرةٍ وهوىً |
لعالَمٍ من رؤى عينيك مسحور |
تَعُبُّ مـن حسنـه عينـي فإن سكـرت |
أغفت على سندس من أساطير |
أخادع النومَ إبقاءاً على حُلُمٍ |
حانٍ على الشفة اللمياء مخمور |
وزار طيفك أجفاني فعطرها |
يا للطيوف الغريرات المعاطير |
كأنَّ همسك في رياه وشوشة |
دار النسيم بها بين الأزاهير |
تندى البراءة منه فهو منسكب |
من لهو طفل ومن تغريد عصفور |
رشفت صوتك في قلبي معتقة |
لم تعتصر وضياءاً غير منظور |
|
|
- إلى أن يقول: |
يا نجمة تختفي حيناً وتشرق لي |
حيناً أفانين تعريف وتنكير |
لقد هجرت أخاك البدر وانتبهت |
شمس النهار على أنفاس مهجور |
من موطن النـور هـذا الحسـن أعرفـه |
حلو الشمائل قدسيّ الأسارير |
ففي السماء على مطلول زرقتها |
أرى مساحب ذيل منك مجرور |
لا تجزعي من مقادير تظللنا |
حتى يدللنا ظلم المقادير |
عندي كنوز حنان لا نَفَادَ لها |
ألهبتها كل مظلوم ومغفور |
أعطى بذلة محروم فوالَهَفي |
لمانحٍ يهب النعماء منهور |
جواهري في العبير السكب مخفية |
من الونى بين تغليس وتهجير |
تاهت إلى العنق الهاني فأرشدها |
إلى سناه حنين النور للنور |
|
|
|