| يوم أغرُ وليلة غراءُ |
| فالأرض مشرقة الرؤى فيحاء |
| والعالم العلويُّ في ملكوته |
| متهلّل مستبشر وضّاء |
| الكون في حدث جديد شامل |
| قد أشرقت أرض به وسماء |
| وكأنما جنات عدن فُتِّحَتْ |
| أبوابُها فتضوَّعت أشذاء |
| ومشت على الدنيا وفي نسماتها |
| فتعطَّرتْ بعبيرها الأرجاء |
| وكأنما قبس يثُرُّ شعاعه |
| بالنور فالدنيا به بيضاء |
| وكأنما هي نفحة من طيّها |
| أملْ يَرِفُّ وديمة سَحَّاء |
| رفّت على الأرواح فهي وشيجة |
| بين القلوب تراحم ورجاء |
| وعلى الوجوه تهلل وتبسم |
| وعلى الشفاه تفاؤل وثناء |
| ما ذاك إرهاص بأمر كائن |
| مما يظنُّ الناس والعُرفَاء |
| لكنّه حدث له ما بعده |
| في العالمين وحكمة وقضاء |
| إيوان كسرى زلزلت أركانه |
| وهوت له شرفاته العلياء |
| وإذا به لألى الكتاب بكتبهم |
| عنه وعن أوصافه أنباء |
| وإذا به البشرى يسير بها إلى |
| أبناء هاشم والورى البشراء |
| وإذا به البشرى بمولد (أحمد) |
| وتَحَوُّل في الأرض منه مضاء |
| وإذا (بآمنة) ترى في نومها |
| حلماً وفيه بشائر وسناء |
| بَصُرت ضياءً مشرقاً من جوفها |
| فالكون منه مشرق لألاء |
| قد طال ما غشيَ الوجود من الهوى |
| ومن الضلال غلائل سوداء |
| ومشى على الأَرضَين أهلوها بما |
| تُملي النفوسَ الشِرَّةَ الأهواء |
| الجاه فيهم للمُدِلّ بماله |
| والأقوياءُ السادةُ الزُّعماء |
| والأكثرية دون وعي أنها |
| منقادة وكما تُساق رِعاء |
| وإذا (بيوم محمد) وكأنه |
| حَدٌّ لعهد مُظْلمِ - وضياءُ |
| وُجِد الهدى في الأرض يوم وجوده |
| فتقشعت بضيائه الظلماء |
| مرّت على الأفكار نفحة عبقر |
| قدسية وعلى العقول رُخاء |
| فإذا ببعض القوم يبدو شكُّه |
| في ما عليه الأمة العمياء |
| لكنهم ما بين من هو خائر |
| متردد تجري به الدَّهْمَاء |
| ومُحَيَّر مُسْتَضْعَفٍ في معشرٍ |
| لا يَستَعزُّ لديهمو الضعفاء |
| ومَسَوَّد يخشى على سلطانه |
| أن يستخف بأمره النُّظراء |
| والحق أعوزهم فلم يُهْدَوْا إلى |
| ما فيه طبُّ نفوسهم وشفاء |
| وإذا (محمد) فوق ذاك وإنما |
| من قلبه للحق كان وعاء |
| وبنفسه دون الضلال ودون ما |
| غشيَ الوجودَ حصانة ووقاء |
| يستلهم الله العليّ هداية |
| تشفي القلوب ففي القلوب عماء |
| وتشيع في الكون البهيم أشعة |
| تمحو الضلال فللهدى أضواء |
| والحق ميزان النفوس فما لها |
| لولا هداه قناعة وصفاء |
| ومن استبان الحق في أعماقه |
| لم يثنه الكبراء والغوغاء |
| ولكان في إرضائه لضميره |
| عمّا يلاقي راحة وعزاء |
| يتعبد الله العظيم بمعبد |
| ناءٍ عليه جلاله ورواء |
| فيه من الحق المبين صفاته |
| وسبيله كسبيله وعثاء |
| ناء فليس يُؤَمُّ دون مَشَقَّةٍ |
| والحق فيه مَشَقَّةٌ وعناء |
| كهف وكهف الحق ملجأ مؤمن |
| للنفس فيه سكينة.... ودواء |
| عالٍ على البيداء يشرف شامخاً |
| والحق عالٍ ما وراه علاء |
| يحتاطه الصمت الوقور وإنه |
| للروح رَوْحٌ، والعقول غذاء |
| عار، ودنياه الطبيعة وحدها |
| وطبيعة الحق المبين عراء |
| لله درّ (حراء) في عليائها |
| كَرُمَت على الدنيا بذاك (حراء) |
| أفضى إليه (الله) في جنباتها |
| وَحْياً تبارك ذلك (الإيحاء) |
| ومشى (النبي) إلى العوالم داعياً |
| للحق وهو المنهل الرَّواء |
| يدعو إلى الحقّ الصُّراح بشرعة |
| عن غيرها للعالمين غَناء |
| ضمنت حقوق الناس كيف تنوَّعت |
| أحوالهم وتعدَّدت أنحاء |
| الحق أصلٌ ثابت في أُسِّها |
| وذوو الحقوق بحقهم أسواء |
| والعدل أُسُّ بناء كل حضارة |
| يفنى الزَمان وللبناء بقاء |
| تتعاقب الأجيال، وهو مُخَلَّدٌ |
| رأسٍ يعزّ بصُنْعه البَنَّاءُ |
| وتعشق الحق المبين جماعة |
| فهمو على حرماته أُمناء |
| ومشوا على الدنيا به وهمو على |
| أعبائه وبحملها أكفاء |
| والحق أسمى ما تكون نهاية |
| لكنه في طَيِّه أعباء |
| وإذا همو من بعد موت (محمد) |
| خلفاؤه والقادة النبلاء |
| رفعوا على الدنيا مشاعل هديه |
| فتضوأت بضيائها الأجواء |
| وتغلغلت أمداؤه في جوفها |
| فإذا على أمدائها أمداء |
| ومشوا عليها قادرين أعِزَّةً |
| بالحق، أنفسهم به بيضاء |
| فالمستعزُّ بعزهم يأوي إلى |
| ركن وفيهِ مناعة شَمَّاء |
| والمستظلُّ بظلّهم في وارف |
| منه وفيه لغيرهم أفياء |
| والمستجير جوارهم في مَأْرِزٍ |
| فهمو بذاك السادة الكرماء |
| وهمو الخيار منابتاً ومرابعاً |
| للخير في رحباتهم إذْكاء |
| ليس القويّ بسيد ما لم يكن |
| يحميه حق بَيِّنٌ وإباء |
| أما الضعيف فليس إلا من تكن |
| تستضعف العثرات والأخطاء |
| أكرم بهم عظماء غير مدافع |
| موتى وأحياء، همو (الخلفاء) |
| الخالدون على الدهور بذكرهم |
| فوق التراب وتحته أحياء |
| وأتى على أعقابهم خَلْفٌ لهم |
| أهوت به الأطماعُ والخُيلاء |
| أغراه من دنيا الحياة رواؤها |
| وظواهر خدَّاعة جوفاء |
| والنفس مولعة بما هو هَيِّنٌ |
| فيه لمحض رِغابها إغراء |
| فتقسموا شيعاً وبُدِّد شملُهم |
| فإذا المُلاء ممزقٌ أشلاء |
| وإذا تشقق للخلاف مسارب |
| في أمة فعلى الجميع عَفاء |
| ومضت سنون تعاقبت أجيالها |
| والمسلمون الكثرة البَلْهاء |
| استحكم الدَّاءُ العُضَال بجسمهم |
| حتى تأصّل في الدماء الداء |
| وتشدَّق المتشدقون بمنطق |
| وتبارت الرُّواد والخطباء |
| والداء يفتك عابثاً في أمة |
| عزَّت على حكمائها... الأدواء |
| لن تستقيم أمورها إن لم تفد |
| (ذكرى) لمطلع هديها إيماء |
| ما ذاك بالتبريز في تصويرها |
| لحناً يصاغ من الشعور براء |
| ما ذاك بالإطراء في خير الورى |
| فهو (العظيم) ودونه العظماء |
| ما يبلغ الإطراء شأوَ (محمد) |
| في المجد وهو السِّدْرةُ العصماء |
| إن كان يوجبه الوفاء مُؤكِّداً |
| فأقلُّ ما يُزجي البخيل ثناء |
| من يَدَّعي حبَّ (النبي) ولم يُفِدْ |
| من (هديه) فسفاهة وهَراء |
| الحبُّ أول شرطه وفروضه |
| إن كان صدقاً طاعة ووفاء |
| بل إنه قبس يشيع أشعة |
| في النفس تستهدي به وتضاء |
| تستلهم (الذكرى) المعاني ثَرَّةً |
| والذكريات المنهل الرَّوَّاء |
| وتفيد منها ما يكون سلاحها |
| في الحادثات ففي الخطوب بلاء |
| وتفيد منها ما ينير سبيلها |
| للخير فهي المشعل الوضَّاء |
| لله ما أسمى النبي وإنها |
| أسمى الزمان الليلة الغراء |
| * * * |