أَمَضَّني البعد عن ناديك واللَّهف |
وأنت من أنت.. لا صدّ ولا جَنَف |
وبي (لطيبة) شوق ليس يعدله |
إلا (لأم القرى) من نفسي الشَّغف |
هما الرياض، وأنت الزرع، واحدة |
مهد الغراس، وأخرى الجَنْي والقطف
(1)
|
وإن تكن كل أرض الله دارته |
فالفضل مشتمل، والحُظوة الشرف |
وفي رحابك ريُّ المؤمنين، وما |
في ساحة الفضل إسراف ولا سرف |
وكلّ فضل وإن عمّ الورى غدقاً |
فالأقربون لهم من فيضه الرَّأفُ |
ومن تكن في رحاب المصطفى نبتت |
أصوله، فله من رَوْحه كنف |
متى تعود إلى أحضان راحتها |
نفس تخضخضها الآمال والأسف |
ظمأي إلى منهل رَوّاء تألفه |
وما سواه ففي إحساسها جُفُف |
والموطن الأصل للإنسان عالَمُه |
فيه التُراث وفيه الكسب والهدف |
هتفت باسمك والأحداث محدقة |
من كل صوب وقد أودى بنا الضعف
(2)
|
طافت بي الذكريات البيض فانبعثت |
فيّ الشجون وإني الموجَع الدَّنِف |
يَغَصُّ بالسر صدري لا يبوح به |
فالدمع مُنْبَجِسٌ والنفس تنذرف |
طافت بي الذكريات البيض ماثلة |
أمام عَيْنَيّ من أحداثها طُرَف |
رأيت في صورة المعراج رائدنا |
عبر السموات.. لا وَهْمٌ ولا خَرَفُ |
سرى إلى المسجد الأقصى وَخلَّفَهُ |
إلى السموات والأفلاك لا تَجِف |
مشيئة الله سِرّ السّر في بشر |
دانت له الفلك، والأرواح والنُّطَفُ |
والنفس ترقى بسر النفس ما قَصُرت |
عنه المدارك والأفهام والثَقَف |
رأيته يتخطى الفلك موعدُه |
(بسدرة المنتهى) ريُّ ولا رَشَف |
سرى وأفضي إليه الله ثم دنا |
وظلمة الليل ما زالت لها سُدُف |
قالت له زوجه، هلا سكت على |
هذا الحديث فعُذْري لو همو صَدَفوا
(3)
|
إني عرفت الذي لا يعرفون، فبي |
في ما تقول يقين فوق ما أصف |
والمرء حِلْفُ رشاد في معارفه |
وحين يجهل قد ينتابه الصَّلَف |
فقال: والله ما لي لا أحدّثهم |
بما شهدت ولم أكذب وقد عرفوا |
وكان ما كان من هذا الحديث كما |
أراده الله للإيمان يعتصف |
أمّا النبي ففوقَ الوصف جوهره |
حتى أخال به الإيمان يتصف |
والناس من حوله صنفان: منصرف |
إلى الرشاد: وقوم للهوى صُرِفوا |
ليبلوَ اللهُ من يمضي لغايته |
على ثبات ومن يرتَدُّ أو يقف |
ومن هنا بدأ (الإسلام) وثبته |
لم تخلق النَّصْرَ أحداث ولا صُدَف |
وإن (يوم حنين) شاهد عجب |
لله في خلقه، للناس منكشف |
في مثل يومي هذا كان معرجه |
إلى السماء وكان الفَحْصُ والزَّلَفُ
(4)
|
وكان معرج صدق للعقول إلى |
أمدائها من معين الله تغترف |
وكان بدأ خطى الإنسان ثابتة |
إلى المعارف والمجهول يكتشف |
هي الحقيقة إن يحظ البصير بها |
عاشت على نورها الأجيال تقتطف |
فما أراه إذاً حولي؟ امتسق |
مع البداية؟ أم منها به نُتَف |
كلاَّ.. أُجِلُّك عن هذا الخليط وما |
هذا الخليط بغير الشكل يلتحف |
ليس (الحواريُّ) من جارى ومن شغلت |
منه (الطقوسُ) فؤاداً هَمّه التَرف |
كأنما نحن أشباح مُشَوَّهَةٌ |
للمؤمنين وبئس الجوهر الخَزَف |
هذي (يهود) غزت مسرى النبي ولم |
تحفل بما جمع العُرْبان أو حَلَفوا |
والمسلمون بشتى الأرض واجفة |
قلوبهم وعلى أبصارهم سُجُفُ |
قامت على عيننا بل في جوانحنا |
دويلة أُسُّها العدوان والزنف
(5)
|
دويلة من شرار الناس جَمَّعهم |
على الرذيلة من أغراضهم سلف |
فكيف لو جمعتنا من عقيدتنا |
على الفضيلة أعراقٌ ومُؤْتَنَف |
إذاً غمرنا فجاج الأرض، لا عددا |
رثَّ الحقيقة في الأحداث ينجرف |
إذاً غمرنا فجاج الأرض، لا صوراً |
جوفاء، إن رابها الأعداء ترتجف |
إذاً غمرنا فجاج الأرض، لا شِيَعاً |
كلٌّ إلى نزعات النفس ينصرف |
إذاً غمرنا فجاج الأرض، لا نِسفاً |
أهون بها من بقايا الأَجْبل النسف
(6)
|
إذاً غمرنا فجاج الأرض، أفئدة |
عصماء بنّاءةً والشمل مؤتلف |
لكن قعدنا عن التاريخ مكتسباً |
وملؤنا العجب بالميراث والعَجَف
(7)
|
كأننا في خلال السوق مُتَّجِرٌ |
شراؤه فيه سوء الكيل والحَشَف |
أكدي بأشياخنا ضعف، وفتيتنا |
ألوي بهم عن مجال العِزَّة الرَّخف
(8)
|
وقد تَشَكَّل فينا الضعف في صور |
شتى مصادرها: الأهواء والطنف
(9)
|
وأرخص الناسَ حبُّ العيش في دَعَةٍ |
والعيشُ أهون ما نرجو ونحترف |
وأعذب العيش للأحرار مذ عشقوا |
معنى الكرامة - إذ يلقونها - الشَّظَف |
وما أبرئ نفسي من غوايتها |
إني إذاً لامرؤ بالحق يعترف |
لكنّ معرفة الأدواء مدرجة |
إلى الشفاء وجَرّا القطرة الوَطَف
(10)
|
وما (فلسطين) أو معنى قضيتها |
إلا قضية رُوَّادٍ لنا انحرفوا |
وللشعوب من الرُّواد أمثلةٌ |
ما أفدح الرزء أن هانت بل التَّلف |
وسيّدُ القوم مرآة لأنفسهم |
فالمرء ينبئ عنه الرأس لا الطَّرف |
يا صاحب البيت أنَّ البيتُ من ألم |
و (القدس) أوذيَ فيه القدس والشرف |
وأنت أحكم عدل في حكومته |
ومَنْ سواك لصوت الحق ينتصف؟ |
يا ربّ.. آن - وقد فاض الأذى وطغى - |
أن يطهر (القدس) من أرجاس ما اقترفوا |
يا ربّ والعدل شرع أنت جوهره |
فاحكم بما شئت فيما فيه نختلف |
* * * |