إليك أتوب يا ربي متابا |
وعندك أرتجي الحسنى مآبا |
إليك أتوب من شتى الخطايا |
وما كذب الفؤاد وما أصابا |
إليك أتوب من خطرات نفس |
إذا حَكَّمْتُها كانت مَعابا |
إليك أتوب من دنس خبئ |
بنفس تَدَّعي التقوى كِذابا |
فوَفقني اتباعَ الحق سُبْلا |
ورَشِّدني المحجةَ والغِلابا |
ونَوِّر بالهدى بصري وقلبي |
وألهمني الدُّعاءَ المستجابا |
ومن خلصت مودته احتساباً |
لذات الله أخلق أن يُجابا |
وتعلم أنني أبداً مقيم |
ببابك ما التمست سواه بابا |
ومن ألقى الرجاء بكل باب |
- خلاك - أضلّه وعدا الصوابا |
ومن جهل الطريق فليس بدعا |
إذا حمل المتاعب والعذابا |
إليك أتوب من خطئي وعمدي |
وبعضُ العمد أهونُها حسابا |
وكم كسب الخطيئةَ غيرَ عمد |
سفيه القوم فاستشرت مُصابا |
على النيات ترتكز القضايا |
وتستملي المثوبة والعقابا |
وما يُجزي من النيات شيء |
فتى ضل المسالك والشِّعابا |
إليك أتوب من ماض حفيل |
بحسن الظن، حين الظن خابا |
ومن حسنت طَوِيّتُه حَرِيٌّ |
بطيب الظن إن حَسّ ارتيابا |
وما بعد التجارب من دليل |
لمن طلب الحقيقة واللُّبابا |
وتعلم أنني ما كنت يوماً |
بذي وجهين يستوحي الرِّغابا |
يقابلني بوجه ذي خِضاب |
فإن أدبرتُ أبدله خضابا |
يُزَوِّق غيرَ ما اشتملت حشاه |
ويلبس كُلَّ آونة ثيابا |
تراه كأنه سقّاء قوم |
أعدّ لكل واردة شَرابا |
ومن فسدت سريرته فأهون |
إذا استغشى الخديعة والنقابا |
ولا عُذري لمن غَطَّى الخبايا |
- لدى عَلاّمِها - وكسا حجابا |
إليك أتوب من قلم حييّ |
إذا رَشَّدْتَه هجر القِرابا |
ولست أقول قد نسج الخزايا |
ومَهَّد للخنا، لأقول.. ثابا |
معاذَ اللهِ لم يَنْبِسْ بشر |
ولا حابى الرذيلةَ والذِّئابا |
ولكني أقول غفا طويلاً |
وإذ هَزَّتْه منك يدٌ أجابا |
ومن أغفى عن الحق المُفَدّى |
فقد نسي الرسالة والكتابا |
ومَنْ يَرْضَ الدَنْيَّةَ وهو كفء |
لكَبْح جماحها خسئ اكتسابا |
وما عَتَبي على الأيام أني |
أغالب من حوادثها انتيابا
(1)
|
فمن عرف الحياة كما أراها |
يهون عليه أن يلقى الصعابا |
فلا تجزع لعادية الليالي |
ولا تبد الملامة والعتابا |
رأيت الحق في الدنيا غريباً |
يَشُقُّ مفاوزاً ويجوب غابا |
على أني وفير الحظّ منها |
ويكذب من يقول قضى طِلابا |
ولكني أساورها شجونا |
صميم القلب جَرّاهُن ذابا |
على خضراء أنبتت المعالي |
وأنجبت الرجال غدت يَبابا |
وأُمَّةِ عِزّةٍ كانت منارا |
لأهل الأرض أصبحت الذُّنابى |
وأشبعنا الدخيلُ أذىً، وذُلاًّ |
فأحنينا لخشيته الرِّقابا |
وكُلُّ مُظَفَّرٍ يوماً - وليٌّ |
بأن يطغى، وأخلق أن يُهابا |
وكُلُّ مُقَدَّرٍ لا بد يمضي |
إلى غاياته - قَدَراً مجابا |
ولكنَّ المساعيَ وهي شتّى |
تُوَفّي أجرَها عدلاً نِصابا |
ويا وطني فداك دمي وروحي |
هما مَحْضي وليتهما أثابا |
أصافيك الولاء هوى رشيداً |
وأبذل في محبتك الشبابا |
وأقتحم المتالف لا أبالي |
- لأجلك -، بل وألتذُّ العذابا |
وما هَمّي من الدنيا صَغارٌ |
ولا أملٌ أطارده سَرابا |
فما يبقى على الأيام شيء |
سوى الأعمال نبذلها احتسابا |
ومن أبدى المكارم يبتغيها |
رجاء مثوبة أكدى وخابا |
وكُلُّ مناي أن ترتد يوماً |
إلى الماضي، وأنت أَحَدُّ نابا |
تُشِعُّ النورَ وهّاجاً سخيًّا |
فينتظم البراري والقِصابا
(2)
|
وينبعث الرجال بك انبعاثاً |
كسالف عهدهم أُسْداً غِضابا |
فينتفضون وثبة أريحيّ |
خِفافاً نحو غايتهم صِلابا |
وينتشرون في الدنيا هداة |
يَبُثّون المعارفَ والحُبابا
(3)
|
يُوَلِّي الناسُ شَطْرَك كُلَّ حين |
وجوههمو وأفئدةً طِرابا |
وأنت أعزُّ (بالقرآن) دنيا |
وأكرم في مرافقها جَنابا |
فليس الدين أهأهة وزمرا |
ولا شبحاً تَبَلَّد أو تغابى |
أحس الدين أخلاقاً وعلماً |
ونفساً تعشق الخير انتدابا
(4)
|
* * * |