خجلتُ يا ربّ من نفسي وقد كَثُُرتْ |
منها الديونُ، وضاقت بالوفاء يدي |
أعطتْ وما بخلتْ وَهْبَاً بلا ثمن |
قلبَ الملائكِ، لولا صورة الجسد |
وأغدقت في عطاء الحب منعمة |
شأنَ الكرام بلا مَنٍّ ولا نكد |
تغضي حياء إذا ما أَفْضَلَتْ وسخت |
إن الكريم حيّي كلما يَجُد |
وإن تَحَوّل حَرُّ الحب فيّ لظي |
صبت على الجمر ماء ليس في البَرَد |
تضمني بصفاء الحبّ - مؤمنة |
بعمق صدقي وإن لم أُبْدِ مستنَدي |
وأنت يا ربّ - مَنْ عودتني أبداً |
رَدَّ الجميلِ كففتَ اليوم عنه يدي |
أحسُّها وبودّي لو يطوّقها |
طوقُ الحديد ولا طَوْقٌ من الحَدَد
(1)
|
إن كان عندك ذنبي أننّي رجل |
إلاك في حاجة لم أتخذ سندي |
فلن أزال على ذنبي أمارسُه |
عن سبق قصد وإصرار إلى أبدي |
فإن كفاك الذي ذوّقتني محناً |
للصدق فيّ وإن لم يكفِ فَلْتَزِد |
حملت كُلَّ ثقيل الوطء مبتسماً |
حتى كأني لم أشعر ولم أَمِد
(2)
|
ولم أَخَفْ طعنات الموت آثمة |
بل زادني الإثمُ إصراراً فلم أَحِد |
وطال صبري والأيام تَعْركُني |
والدرب يوحش لم أضجر ولم أَفِد
(3)
|
ولم يشقني بَهْرُ المجد أعشقه |
من صنعة الجِدّ لا من صنعة الدَّدَد
(4)
|
وعفْتُ كل عروض المال في صور |
شتى تُبَرّرُ بالإسهام والعَتَد
(5)
|
وصنت طبعي عما قد يُدَنِّسه |
حتى اتهمت بمعنى الكبر والعَنَد
(6)
|
وما انحرفت عن الأهداف أحسبها |
دربي إليك على الأشواك والقَصَد
(7)
|
فهل تَخَلَّيتَ عني؟! لا أظنُّ، إذاً |
ماذا؟! ومن يا تُرى للحق من صَمد؟! |
ذوّقتني بعد مُرّ البعد عن بلدي |
مُرَّ الضنى فيّ، في أهلي وفي ولدي |
فكم قعدت وبي مما أحس به |
ما دونه الجَمْرُ وَقْداً شبّ في خَلَدي |
يدي التي عُوِّدَتْ أني أُمِدُّ بها |
أصابها العجز لم تمسك ولم تجد |
وخاطر عشت فوق الحادثات به |
خضخضته بشئون فتتت كبدي |
رأيت بيتي - قَصْدَ الوافدين - خلا |
إلاّ على نفر إن جاء لم يَزِد |
رأيت من حَوّموا حولي وقد فقدوا |
فيّ الرجاء ومَلُّوا اليأسَ كالشُّرُد
(8)
|
رضيت - في ذات نفسي - أنهم هربوا |
من خشية الوهم أو من خيفة الحَرَد |
رأيت من كنت استدعي فيسعده |
أني دعوتُ إذا ما جاء لم يَعُد |
لولا حياء من الماضي ومن خُلقي |
يُكَرِّمون به وجهي بكل نَدي
(9)
|
وأحمدُ الله أني ما ذُكِرتُ لهم |
إلا حُمدْتُ على ما قدمته يدي |
فإن تعزيت عن هذا بيوم غد |
فأنت تعلم أني ما ضمنت غدي |
فكم تذوقت مُرَّ اليوم مرتجياً |
غداً فجاء بمُرّ المُرّ يومُ غد |
وهكذا تنفد الأيام من عمري |
إلا مزيداً من الآلام والمُدَد |
يومي كأمسي وأمسي مثلُ سابقه |
فما يزيد غدٌ إلا إلى العَدَد |
عذراً إلى الأمس بل عذراً لسابقه |
فكل تال تلى بالزَيْد في الكَبِد
(10)
|
وقد أراني غداً لليوم معتذراً |
عما سخطت على يومي به وقَدِ |
لولا صغارٌ وأكبادٌ مُعَلَّقَة |
في ذمتي كفتيل الخيط في المَسَد |
ومأملٌ عشت كي أشقى بنعمته |
إذا يعيش خَلِيُّ البال في رَغَد |
ذابت مع الريح والتيار موجتُه |
حتى غدت كغثاء البحر والزَبَد |
كرهت شمسَ غد أني أطالعها |
أو أن تطالعني في الموعد النَكِد |
قد كنتُ أعجوبة الأمثال في جَلَدي |
حتى شقيت - على الأيام - بالجَلَد |
لولا بقيةُ ستر منك تشملني |
أبدو بها في عيون الناس كالعُمُد
(11)
|
أخالط الناس لا أشكوك عندهمو |
إن لم أُدِلّ بزيف ظاهر ونَدِي
(12)
|
حتى ليحسبني العُذّال في دَعَة |
خالي الوفاض عريضَ البال والوُسُد
(13)
|
فإن تعزيت عن هذا بفلسفة |
عن الحقيقة والإيمان والبلد |
فقد ظننتُ - إذاً - أني أراك بها |
ترضى عليّ، إذا ترضى على أحد |
وفي الكرامة معنى للرضاء على |
من قد رضيت، وإلا ساء معتقدي |
فالعزُّ بالله دِرْعُ المؤمنين به |
إن كان للشر في الطاغوت من عَضُد |
فهل تراني أخطأت الطريقَ وقد |
سلكت درباً إلى ما كنتُ لم أُرِد؟! |
أليس ينفع حسنُ القصد من عثرت |
به الخطى حين يعدو مسلكَ الجَدَد؟
(14)
|
لقد علمتَ وما نفسي بكاذبة |
أني لأَزْهَدُ في دنياي من أُحُد
(15)
|
أما العزاء عن البلوى وإن عظمت |
أَني - على رغمها - مُسْتَهدَفُ الحَسد |
فاسْتُر عَلَيَّ بعين الحاسدين إذا |
أبطأتَ - عني - بالإسعاف والمَدَد |