"لا تظلموا الموتى وإن طال المدى" |
تجمَّدي يا برهتي |
حداءُ حادٍ من بعيدْ |
"لا تظلموا الموتى وإن طال المدى" |
ورفرف اللحن البعيدْ |
تراجع الصمت البليدْ |
وهومَّ السِّجف الصفيقْ |
"لا تظلموا الموتى وإن |
طال المدى طال المدى" |
أقل من عمر الثواني حلميَ الكئيبْ |
يا لعنة الوجيبْ |
وانزاحت الجدران للأفق الرحيبْ |
أطل من ثنيَّة الوادي الكبيرْ |
شيخ ضريرْ |
وسائق يَحْدُو بِعدْسٍ عريبْ |
يرجِّع اللحنَ العتيقْ: |
"لا تظلموا الموتى وإن طال المدى" |
جاوبتُه في المنحنى |
بمثل لحنه الكئيبْ |
كأنه ثوب الحِدَادْ |
إذْ يشرب الدموعْ: |
"يا جثة الخريفْ |
مازلتُ مثل ما تكونْ |
مجنونَ إيقاع حزينْ |
يضجُّ في قلبي دم الغروبْ". [1هـ]. |
* * * |
وأَطلق الوجناءَ ترعى كل صيفيٍّ غضيض |
واستوسد الحصيرْ |
من عالم الأشباح صوفيٌّ ضريرْ |
وفي يديه جعبة ثقيلةٌ |
أوليتُه سمعاً وتفديه |
أوليته سجع الحمامْ |
لكنَّ سجعه زئيرُ قَسورةْ |
يسترجع اللحن الشرود حائراً |
كأنه دوامة وئيدة مدوِّيه: |
[أكل ربَّان يهيم في جزيرة الغرامْ |
ويذرف الدمع السخينْ |
والجرح محفور من الماضي السحيقْ؟! |
طيوف ليلى في دَلال الشعر غافيةْ |
وهدبها الداجي يرقِّص القريضْ |
وقينةَ النادي ومعبداً أَوِ الغريضْ |
أكلكم في هذه الحياةْ |
صبٌّ بليلى والشرودْ |
يستعذب البكاء والنحيبْ؟! |
أكلكم في الصفحة الأولى من الغرام؟ |
فأين ذو القروح أو عبيدْ؟ |
وأين مجنون الثريا والرَّبابْ؟ |
وكلُّ ما قلتمْ وكلُّ ما قلناهْ |
تقوله ليلى بصمتها الأليم والدلال: |
"أنا عبير زنبق نقيّ |
ويستحي القصيدْ |
من كشحيَ الهضيمْ |
ويخْجلُ اللهيبْ" |
قصيدةٌ عصماءُ شُيِّدتْ |
كقبةٍ على ضريحْ |
وتبذرُ النُّواحْ |
قصيدة رعشاء مرعِبةْ |
تَقيةُ المجونْ |
تُخفي بها ظلي تجاريبُ السنينْ |
كزرقة السماءْ |
كنفخة الهباءْ |
صوتٌ بلا معنى رمادك |
لكنني |
قَبَّلْتُ زهرةً يُغذِّيها رُفاتك |
ثرثرتُ بالشعر المقفى وجالت الراءاتُ |
والدالاتُ تحتشدْ |
إذْ لاذ بالصمت لسانكِ البخيلْ |
حسدتُ أفواف الزهورِ في عناقها الطويلْ |
فليحمد الثغرُ القرنفلا |
وكل شاعرٍ |
منا ومنكمُ |
فراشة تطير للَّهبْ |
ليلى زمانِنا عفيفة نقيةٌ |
ليست كليلى هذه الحياةْ: |
"دولابها يضم ألف ثوبْ |
وقلبها يضم ألف حبّ". |
والوقت غير الوقت يا ذئابْ |
وتولدُ البطولةُ |
من شرفةٍ ومعصمِ |
وهدبِها الداجي وجيدْ |
لا تظلموا الموتى وإن طال المدى]. اهـ. |
* * * |
وعادت الجدران تحضن الدجى |
وطرسيَ الصادي وأقلامي وعيبةً ثقيلةً |
تضم أشعارَ القبيلةِ |
وغاب عن عيني أبو العلاءْ |
والواديَ الكبيرْ |
أقل من عمر الثواني حلميَ السعيدْ |
لم يبق إلاَّ صوتُه الوئيدْ |
في مسمعي. |
- تجمدي يا برهتي - |
وعيبةٌ ثقيلةٌ |
وكلها حكاية الحب المريض |
ولونها كصفرة الذبولْ |
ووزنها كخفَّةِ النحولْ |
لكنها ثقيلة |
آب الزمانْ |
إلى مدارهِ. |
تألَّقت دُعابةُ الأسى الجريحْ |
نسترجع الماضيْ السحيقْ |
وننبش الرمادْ |
ويشرب الجمرَ الرمادْ |
وننحتُ القاموسَ قافيةْ |
نميتها سوى طيوف قاتمةْ |
يميس في ظلالها الغريقةِ |
شحوبُ قيس بن الملوَّح الأسيفِ أو جميلْ |
تُخفي بها ظلي تجاريبُ السنين |
* * * |
يا شعر يا عبد القوافي |
سئمتُ وقعَك الرتيبْ |
دعابةَ الأسى النديبْ |
هل انتهى الزمان يا عطر الربيع؟ |
يا شهقةَ الزهورْ؟ |
تجمدي يا برهتي |
أقلُّ من عمر الثواني حلميَ السعيدْ |
هنيهةُ الضياءْ |
ويزهر السريرْ |
قصيدة مضيئةً |
وتنشدُ المحال والمجهولْ |
وتعشقُ القلقْ |
وتُولَدُ الرُّؤَى |
في ظلمةِ التعبيرِ.. في زوابع الشعورْ |
ويومض الضبابْ |
قصيدتي أبني لها |
من شارد الفكر الجموح قافيةْ |
قيثارتي ألحانها |
من عتمة المجهول صافيةْ |
رؤى أليمة وأخرى هانئةْ |
من أجل أن تهز في الجوعَى تلاحينَ السغبْ |
من أجل أن يزلزل الطغاةَ بركانٌ من الغضبْ |
من أجل أن يضيء في الغصونْ |
حلمُ العيون بالكرى |
ويعبق العرقْ |
أنغامنا هوادج مسافرة |
تصفيقةُ الدَّهماءِ والجموعْ |
نايٌ لريفيٍّ حزينْ |
وحلمه السجينْ |
نايُ المعذَّبينْ |
تنغيمةُ البؤس القديم والرجاء المستفيقْ |
تنغيمة البعوض والذبابْ |
وشاردٍ لم يبقَ في الطريقْ |
إلاَّ ظلالُه وصمته العميقْ |
يَنْخَسُهُ ديَّانه محوقلاً |
وفي يمينه سواكُه العريضْ |
ودفترُ الحسابْ |
"أما علمتَ أن أعظم الذنوب والعقوقْ |
الكفر بالديان، ثم أكلكَ الحقوقْ؟ |
أما رأيتَ البارحةْ |
وظلمةً محلولكةْ؟ |
أما رأيتَ ليلةَ السِّرارْ؟"[اهـ .]. |
تجمدي يا برهتي |
هنيهةَ الضياءْ |
أقل من عمر الثواني حلميَ السعيدْ |
ويزهر السريرْ |