إلى رحاب رسول الله ذي الكرم |
شُدّي الرحال، وغُذّي السير واعتزمي |
يا نفس ما العيش في الدنيا سوى أجل |
إلى انتهاء فمهما طال لم يدم |
فإن يكن حظ دنياك النعيم فما |
جَدَاؤُك - الغَدَ - من نعماء لم تُقم
(1)
|
ويا هوان النعيم ساء عاقبة |
أَدَّى إلى الذل أو أدّى إلى السدم
(2)
|
وإن يصبك شقاء في الحياة فما |
أشقى إذا ما تلاها شر مختَتم |
فما السعادة في دنيا وآخرة |
إلا التقى فبتقوى الله فاعتصمي |
إن التُّقاة جِماعُ الخير عاقبة |
ومنهجاً فعلى القسطاس فاستقمي
(3)
|
وإن عيشك في دنياك نافلةٌ |
لغيرها استبقي الخيرات واغتنمي |
وكل أمرك من شر وعافية |
وما ينالك من: بؤس ومن نِعَمِ |
وما بذاتك من شَبْعٍ ومن نَهَم |
وغير ذا من معاني النفس والقِيَم |
لله مرجعه. أكرم به حكماً |
رُدّي إليه جميع الأمر، واحتكمي |
مدبر الكون من سَوّاه من عدم |
بأمر (كن) وهو الموصوف بالقِدَمِ |
ومن إليه مصير الخلق - أجمع - لا |
يفنى - تبارك - والدنيا إلى عدم |
وجاهدي في حياة الناس بالغة |
ما اسطعت دون عراك هائل عرم
(4)
|
فالأمر قدره الرحمن عن حكم |
بين الورى لا يحابي الله في القِسَم |
قد ضل متهم الأقدار عن سَفَه |
وَطيُّها حِكَمٌ عن فهمهن عَمى |
واستمسكي بعُرى الإيمان واثقة |
بالله ربك، تَلْقَيْ خير معتصم |
إذا التزمت حمى الرحمن مؤمنة |
فلن يضيرك كيد الحانق الخَصم |
واسترشديْ بهدي خير البرية من |
دعا إلى الحق هذا خيرُ مُلْتَزَم |
دعا إلى السنة الغراء فانتظمي |
في عسكر برسول الله مُؤتَمِم |
وما تريدين؟ هل بعد الذي وعد الـ |
ـرحمن عباده غاي لُمَسْتَنِم
(5)
|
هذا لعمرك قول الصدق - أبلج - ما |
قد فاه - قط - بخير منه قبل فمي |
فاستغفري الله من ذنب جنيت ومن |
قلب قسا ولسان غير محتشم |
واطَّهري وأعدي للرحيل - إلى |
خير الرحاب رحال المصطفى الكَرَم
(6)
|
فصالحُ الفِعل والنيات والكَلِم |
خَير الركاب لخير الخلق كلهم |
شدي الرحال من الأرض الحرام إلى الأر |
ض الحرام ببعض الأشهر الحرم
(7)
|
فذي بشائر توفيق قد انْتَظَمَتْ |
من كل مُتَّسم باليمن مُنْسَجِمِ |
إني لأرفع للرحمن معذرتي |
حَرّى تَضَاءلَُ عن إبدائها كلمي |
إني لأرفعها والقلب مضطرم |
كأنما فيه ما بالنار من ضَرَم |
ألقى بمعذرتي في ساح مغفرة الـ |
ـرحمن جَلّلها من عبرتي ندمي |
وهو الكريم الذي ما خاب قاصده |
ومن أناب إليه غيرُ مُهْتَضَم |
إني التجأت إليه واستجرت به |
من يستجر بكريم الوجه لم يُضَم |
يا نفس هذا من الفوز العظيم فما |
تبغين بَعْدُ وهذا خير مغتنم |
إن الرسول صفيّ الله أفضل ما |
سَوَّى من الخلق والأكوان والنَّسَم |
خير البرية والمبعوث خاتمة |
للرسل والمصطفى من أوسط الأمم |
وصفوة الله من بيت النبوة والـ |
ـرسل الكرام دعاة الخير من قِدَم |
هادي الهداة إلى الهدي السَّويّ إلى |
خير الصراط صراط غير مُنْعَجِم |
ومن به انبلج الحق المبين على |
صحيفة الكون فانجابت رؤى الظُُّلَم |
أنجى البرية من ظُلْم ومن ظُلَم |
إلى ضياء وعدل شامل عَمَم |
بشرعة الله أوحاها إليه هدى |
للجن والإنس من عرب ومن عجم |
وحسبك الله بل ناهيك من شرع |
يسنها للورى. هل بعد - من حَكَمَ؟ |
عَلاَّم أسرارهم: ما كان منكتماً |
منها وما هو باد غير منكتم |
طبيب أنفسهم: يدري بعلتها |
منه الدواء لداء غير منحسم |
ويعلم السر بل أخفى سرائرهم |
وما يعالجها من فائق الحكم |
فاستلزمي شرعة الفرقان واعية |
آيات ربك وعي الحاذق الفَهِم |
ومن مناهل وِرْد المصطفى اغترفي |
ما يُفعم النفسَ من أحواضه الفُعُم |
فشرعة الله شرع صالح أبداً |
لكل جيل، وأرض جِدُّ مُنْتَظِم |
فلا يغيّر شيئاً من قواعده |
مَرُّ الزمان، ولا حُكْم بمنصرم |
لكنها سنن تهدي إلى مُثُل |
ليست حبائسَ ألفاظ ولا نغم |
تستهدف الخير، لا بغياً، ولا سَفهاً |
ولا انتقاماً ولا رَضْوا لذي نهَم |
أوحى به الله للمختار في زمن |
عم الفساد شعاب الأرض كالوخم |
فالناس في غَمَرَات من غَوَايتهم |
وعن نداء الهدى والحق في صمم |
في الجاهلية، غَرْقَى - كالخضم إذا |
يموج ملتطم منه بملتطم |
فالخير محتجب من فوقه ظُلَمٌ |
والشر منتشر في الأرض كالحُمَم |
ولم يكن ذاك حظ العرب وحدهمو |
من الحياة ولكن مِحْنَةُ الأمم |
ولم اختارهم جنداً لصفوته |
منهم لأن بهم شيئاً من القيم |
فجاء من خَيْرِهِ في عسكر لَجِبٍ |
يمحو الجهالات هاد خير مقتحم
(8)
|
فشع مَعْ مولد الهادي ضياء هدىً |
كالبرق أومض - بين الأعصر الدُّهُم |
تهدمت شرفات الظلم مذ بزغت |
أنوار عهد وضيء الوجه مبتسم |
ونبأ القوم بالميلاد كاهنُهُم |
وأن باطل عِزِّ بالصحيح رُمى |
وطاف هاتف بشرى قبل مولده |
بقلب (آمنة) الغراء في الحُلُم
(9)
|
رأت ضياء غزير النور منبعثاً |
من جوفها المرتضى والطاهر الرحم |
ثم اقتضت حكمة الرحمن تَكْرِمَة |
لليُتم أن ضاف خير الخلق لليَتَم |
رأت (حليمة) منه - وهي مُرْضِعَةٌ |
له - بوادر فضل غير مكتتم |
والجود واليمن قد حلا بساحتها |
وسَيّب الغيث عنها غير مُنْخَرِم
(10)
|
وعاش وهو أمين القوم أطهرهم |
عرضاً، وأشرفهم فعلاً وفي كَلِم |
وكان أعلاهمو كَعْباً وأكرمهم |
أصالة في قريش جيرة الحرم |
فلا أتى - قطّ - أمراً فيه شائبة |
أو جاء - قطّ - بأطراف من اللَّمَم
(11)
|
بل كان أرفعهم عن كل شائنة |
بل كان أبعد: عن شك وعن تُهَم |
جم الحياء قوي النفس ذا خُلُق |
سمح كريم المحيا طيب الشيم |
حتى ارتضوه لأمر لم يكن أحدُ |
بالمرتضى فيه - إجلالاً ومن عِظَم
(12)
|
ولم يَدِنْ بضروب الوهم عابثة |
بالناس - إذاك - أو آوى إلى صنم |
كأنما كان قبل الوحي مرتقباً |
معارج الوحيِ، يستدنيه في القمم |
يأوي (لغار حراء) وهو في كَلَف |
إلى تفهم سر الكون من أُمَم |
وأطلق النفس تسمو في عوالمها |
لخالق الكون: تستجلي فلم تَهِم |
والله أعلم إذ يوحي إلى بشر |
كيف اصطفاه ونقَّاه من العَتَم |
أكرم به بشراً من قبل بَعْثَتِهِ |
وخاتم الرسل المنعوت بالعصم |
دعا إلى الله معبوداً تَنَزّه عن |
شِرْك له في فعال: الخلق والعدم |
كما تنزه - جل الله - عن مَثَل |
أو مشبه في صفات: المجد والعِظَم |
لذا تَفَرَّد رباً ليتنا - أبداً |
نوفيه بالشكر لا نوفيه بالذمم |
فاستكبروا وَعَمَوْا عن نور دعوته |
إن المضل عن النور المبين عَمِي |
قالوا: أَجُنّ؟ أم السحر اعتراه فما |
ينفك من مسه في مرتع وَخِمِ |
فإن يكن ذاك - فالدنيا الفداء، بها |
نسخو لأجل شفاء المفرد العَلَم |
أو رام ملكاً فإنا مسلموه له |
قد قُلِّد الأمرَ خيرُ الناس والحَكَم |
ولم تكن تلك حاشاه - حقيقته |
ولم يكن غاية هذا ولم يَرُم |
فقال والنفس بالإيمان عامرة |
إيمان مستوثق بالله معتصم: |
"والله لو وضعوا في راحتي - غداً |
الشمس والبدر لم أَعْدِل ولم أرم
(13)
|
فدعوة الحق أوحاها إليّ هدى |
للناس مخرجهم للنور من ظلم" |
وفاضت الدمعةُ الشماء مرحمة |
بالجاهلين وإشفاقاً على الرَّحِم |
فما بكاء رسول الله عن ضَعة |
في النفس حاشا عظيم القدر والهمم |
لكنه العطف منه نحو أمته |
قد هَزَّ في شعور الحزن والألم |
والنفس ما عَظُمَت تشقى برحمتها |
للآخرين وإن لم تَضْنَ أو تُضَم |
وظل يجهد جبار الخطى أبداً |
لله مسعاه لم يعبأ بمتهم |
فكان يحتمل الإيذاء مُدْرِعاً |
بالصبر في الله صبراً جَلّ عن سأم |
وملء جنبيه إيمان بعاقبة |
حسنى ومختتم للشرك مُصْطَلِم
(14)
|
حتى استبان سبيل الحق سالكه |
والنفس والحق مثل الخيل واللُّجم |
وللهداية نور إن تسرب من |
لألائه قبس للنفس تستقم |
يشع بين حناياها على مهل |
فتستضيء ويحيى داثر الشمم |
وتشرق النفس من إشراق وازعها |
ينساب بين خلايا الروح والأدم
(15)
|
كأنما هو إذ ينساب بينهما |
ماء الحياة يُروي دارس الرِّمم
(16)
|
وإذ أجاب دعاء الحق عن ثقة |
بالحق كلُّ أريب طيب فهم |
وما عدا الحق إلا الجاحدون على |
علم وشرُّ تباع الناسِ والعمَم |
عَلاَ على البُطْل سيفُ الله منصلتاً |
يمحو به الله كيد الحانق الخصم
(17)
|
ويستجيب له من لا يعي أبداً |
إن لم يَرَ الحقَّ غِمْدَ الصارم الحَذِم
(18)
|
يا سيدي يا رسول الله أفضل من |
على بسط الثرى يمشي على قدم |
وأفضل الخلق من فلك ومن ملك |
فهم لجاهك عند الله كالحشم
(19)
|
إني لأشهد والأكوان تشهد من |
قبلي وبعدي يميناً بَرَّةَ القَسَم |
إن قد بلغتَ جُهادى
(20)
العَزْم خالصة |
لله غير كليل النفس أو سئم |
أديت واجب مأمون لمؤتمن |
خير الأداء أداء المخلص القَرِم
(21)
|
عليك من ربك الأعلى السلام فطب |
نفساً وسَيِّبُ رحماه عليك همي |
وأنت أعظم - يا مولاي! - عن كلم |
تنساب من فهم مهذار ومجتَرم |
لكنما الحب أغراه، فلا عجب |
إن جاء مُجْتَرِم يدعو لذي عصم
(22)
|
يا سيدي يا رسول الله! معذرة |
إذا تسامت فأكدت فرحةُ القلم |
وما شأوت إلى علياء أنت لها |
فليس يسمو إليها ناطق بفم |
وإن أعارض قصيداً للأُلى سبقوا |
بالفضل، وانتهلوا وِرْدك الشَّبِمِ
(23)
|
فما أطاول ذا بشرى
(24)
مُعَاجَزَةً |
لكن أنافسه في الحب - لا كلمي |