على قبرك الجاثي هنا جَثمَ القلب |
ومن بين طيّات الحشا اندفق الحب
(1)
|
ذكرتك لا عن نَسْوةٍ بل مردداً |
لذكرى بقلبي لم تكن قبل ذا تخبو |
ذكرتك فانهلت لذكراك أدمعي |
غِزاراً وفاء للذي عشت تمنح |
وإني الذي أَدَّبت صبراً وحكمة |
إذا الدهر واسى أو إذا الدهر يجرح |
ذكرتك في البيت الكريم مُوَقَّراً |
وأنت إلى الشمل الجميع محبّب |
فقاصيهمو دان لديك وكلهم |
بعطفك موصول إليك مُقَرّب |
ذكرتك ترعاني بخير الذي رعى |
به والدٌ واعٍ وقلبك أرحب |
فلم تك تلقاني بما ساء زاجراً |
ولا مسرفاً في اللوم أو تتلهب |
ولم تك تطغيني دلالاً وإنما |
تفيض بعطف بَرَّ في فيضه أب |
وتأتي الذي يأتي الحليم نصيحة |
وتأبى الذي يأباه أو يتجنب |
فآونة تهدي إلى الرشد ليناً |
وأخرى بطرف العين منك تؤدب |
فلا أفسدتني قسوةٌ أو جَهَامةٌ |
ولا أبطرتني حُظوة ليس تَغْضَب |
ولما أبنت السبل واضحة الرؤى |
أمامي تركت الأمر لي وتأدبي |
فلم ينسني ذيّاك حقك واجباً |
عليّ ولا أنساك حق المُؤَدِّب |
وزدت على فضل الأبوة بالذي |
تَحَلَّيْتَ من علم وفن ومنهج |
فرويتني من كل سقيا ومشرب |
وباركت خطوي في سير ومعرج |
فلما مشت بي السن جنبك خطوة |
وسرك في بُرْدَيَّ غَيْبٌ مُحجَّب |
أَسَرَّتْ إلى عَيْنَيّ عينُكَ سِرَّها |
وأيقظ قلبي قلبُكَ المتوثب |
كأنك ترأى فيّ نفسك ثانياً |
وما زلتُ من أعماق نفسك أشرب |
وإن كنت لم أبلغ مداك فإنني |
سعيد بأني بَضْعَةٌ منك تُحسب |
ذكرتك في دنيا الأناسيّ هَلَّة |
من النور في آفاقهم تتوهج
(2)
|
فللحق تهدي بل وللحق ناصراً |
وبالحق تستهدي وبالحق تلهج
(3)
|
ولم تلهك الدنيا الغرور نعش بها |
قليلاً ويَعْرُوها الفناء المؤكد |
ولكن تعشقت الخلود ولم يكن |
على وجه هذي الأرض حَيٌّ مخلد |
ففارقتها مستعجلاً غير آسف |
وفي قلبك الزادُ الذي ليس ينفد
(4)
|
وخَلَّفت ذكرى لمن تموت وإنما |
على مسمع الأجيال تحيا وتُنْشَد |
فيا رب عطر ذكره بعد أن تكن |
به راحماً إذ أنت قَبْلُ وآخر |
رضاك هداه في الحياة وشُغْله |
وكلُّ مناه وهو نحوك ناظر |
وأنت بكل الخَلْق بَرٌّ وراحم |
فكيف بمن يرجو ويخشى ويجهد |
إذا سعدت بالعفو نفسٌ ضَلولةٌ |
فأهلُ التُّقَى بالجود أحرى وأسعد |
سلاماً أبي في الخالدين ورحمة |
فوالله، إن الله، أرضى وأكرم |
وأنت لها أهل بما كان منعماً |
عليك من التقوى وما هو أعظم
(5)
|