شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
إلى روح أبي
في أواخر شوال من عام 1365هـ انتقل أبي فضيلة أستاذي الأكبر الشيخ (محمد أمين إبراهيم فودة) إلى لقاء ربه وقد كان - رحمه الله - ظلاً ظليلاً، أوى إليه من قَيْظ الحياة الدنيا فيُرخي على ظلال طمأنينته، وسراجاً منيراً أستهدي برأيه، وأقتبس منه الحكمة وألتمس عنده الحلول، وصدراً رحيباً ينفتح لنفسي في سرائها وضرائها، فلم يسعني - وأنا أؤمن بأن كل شيء بقضاء الله، وإن هذه سبيلنا إليها صائرون - إلا أن أشيعة بهذه العبرات التي كنت أسكبها ومن حولي دموع وبجواري زغاريد. أشارت القصيدة إلى قصتها لما فيها من عبر الحياة وصورها المتناقضة.
إ.أ.ف. (1)
كل شيء بقضاء وقدر
لست بالساخط من صنع القدر
ضل من يسخط من أقداره
ولقد يفلح من كان صبر
ليس يغني السُّخْطُ من شيء سوى
أن يزيد الضُّر أضعافَ الضرر
فالضنى حَمْل وفي الصبر السلى
وضنى فوق الضنى حِمْل الضجر (2)
ونهايات الورى واحدة
ليس من فرق سوى فرق الصور
قصتي أحدوثة محزنة
لأولي الأبصار فيها مُزْدَجَر
هي مأساة ولكن عبرة
ولكم طي المآسي من عِبر
كنت في (الروضة) أختال كما
في (ربى الروضة) يختال الزهر (3)
بادَى العزمة وضّاءَ الرؤى
وافر النعمة في ثوب الغَرَر
ومضى الدهر على عادته
يقلب الأوضاع من خير وشر
فإذا الدنيا - وكم وجه لها -
أبدلتنا المر عن حلو النَضَر
أجدب الخِصْبُ وأزهارُ الرُّبى
صَوّحت والروض مصفر الشجر
وإذا الروضة أخشاب وقد
حَصْرَمَتْ فيها بواكير الثمر
وحياة الناس في هذي الدنى
عجب!. بين سرور وكدر
بينما كنت أواسي مُشْرِفاً
يلفظ الأنفاس في سَمْت بَهر (4)
بينما كنت أعاني ألماً
في السويداء من القلب انفجر
لأبي الشيخ الذي أحببته
مثل حب منه أسنى وأبر
لأبي كان - على عيني التي
قَرَّحَ الدمعُ - طريحاً يُحْتَضَر
ليتني كنت فداه ليتني
ليت لا تغني إذا حُمَّ القدر
كان ركب لعروسين ازْدَهى
فَنَثا البشر وغَنَّى وازدهر
وإذا نحن جوار عجب
وحياة وممات: في سمر
وإذا الحب بكاء في فمي
وزغاريد بأفواه أُخر
كنت في هَمٍّ عميق وأسى
في حنايا النفس والقلب استقر
بينما كانوا على العكس مضوا
يعلنون البشر في شتى الصور
أعلنوا الفرحة ما شاءت لهم
"حكمةُ النسيان" تغشى وتَغَر
حسبهم ذاك ولو قد ذكروا
منتهى الأشياء ما غنى بشر
ما أضل الناس من يَرْفِدُه
حظَّه يملأ جنبيه البطر
سُرَّ من واتاه جَدٌ باسم
وهو لا يعلم ما يخفى القدر
ربما عَقَّبَ نعماه أسى
بالغ يمحق ما قد كان سر
هذه العبرة ما أبلغها
جهل الإنسان!. لولا ما ادَّكر
إنني أؤمن بالله، وما
في قضاء الله من خير وشر
أبتي فَقْدُك خَطْبٌ فادح
جَلَّ عن صبري فأكدى وانفطر
لي رضاء منك - بعد الله - يا
أبتي أفضل ما قد يدخر
إنما أبكيك إجلالاً لما
ملأ القلب جَلاَلاً وعَمَر
إنما أبكي علوماً ضَوَّأت
وينابيع لفضل قد غمر
إنما أبكي خصالاً كَرُمت
وخلالاً طبن والوجه الأغر
أين أيامُك في مصر وقد
طاب فيها العيش واحْلَوْلى السهر
زانها أنك في عافية
بعد سُقْم قد عرانا وبَسَر
هي في عهدك كانت روضة
من رياض العمر فارتدت سقر
واكتوى العمر على حَرّاقها
كاد أن ينهد من لفح الشرر
فتجلى الله في آفاقه
يُبْرد النار ويحيي ما اندثر
وعلا الصبر الذي علمتني
ما ادْلَهَمَّ الخطب واستشرى الخطر
أين مِنِّي وجهك النضر الذي
يمنح الفرحة بل يجلو النظر
أين من سمعي مِنْطيق إذا..
أرسل القول فقد صاغ الدرر
مخلص لله في دعوته
ما تَرَجَّى مِنْ سِواه وائتجر
عارف بالله والله به
يرشد الناس ويهدي ما شَجَر
إنني أرجو لك الله الرضى
كلما ناجيته جوف السحر
ولدى كل صلاة..... وإذا
عاودتني منك أطياف الذكر
أنت ملء السر والجهر وما
يفعم الذهن بألوان الفكر
ذاك ما أملك إني عاجز
ولقد عودتني أن يُغْتَفَر
أبتي ذكرك رطب خالد
في ضمير الدهر كنز مدخر
قد بذلت الجهد في الله وفي
صالح الناس وفي خير وطر
في سبيل الوطن الغالي وفي
خدمة الشعب بإعداد البشر
كنت - والله - مثالاً رائعاً
للقضاء العدل في علم زخر
كنت أستاذاً لجيل ثَقِفٍ
حمل العبء وأعطى وانتشر
حسبك الله وفي الله لنا
عوض عنك فطب نفساً وقَر
 
طباعة

تعليق

 القراءات :537  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 115 من 1288
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.