| سمعت صوتاً حزيناً غائر النَفَس |
| أنّاتِ مكتئب، في ظُلْمَة الغَلَس
(1)
|
| حُشَاشة تتنزّى للفناء وفي |
| جوعِ الفقير بِذَارُ الشّر والنَحس |
| مُشَرَّداً لفَظَتْ دنيا الحياة به |
| على الرَّصيف مَقَرِّ المُعْدِم التَّعس |
| إذا مشى تتخطاه العيونُ، وكم |
| يرمونه - عَنتاً - بالمنطق النَجِس |
| الطَّيِّب النَّفس لا يعفيه من رَهَقٍ |
| في جفوة الرَّدِّ تحوي غلظةَ الكلم |
| وآخرون إذا ما لاطفوا فعلوا |
| ما قد يُمزِّق نفس الحُرِّ بالألم |
| ومفسدون عطاياهم بعجرفة |
| تُشَوّه الخيرَ في المعنى وفي القِيم |
| يمُنُّ واحدهم بالقِرْشِ ينفقه |
| كأنما هو أَحْيَاهُ من العدم |
| ما أظلم النّاس! ما أقسى غنيهمو |
| على اليتيم، على الثَّكْلىَ، على الهَرِمِ |
| على الأيامى، على المرضى، ومن نكبوا. |
| من خيرة القوم أو من فِدْيَة الكرم |
| أخنى الزمان عليهم بعد بسطتهم |
| يوماً وإدراكِهِم حظّاً من النِّعم |
| ما أظلم النّاس! ما أقسى غنيهمو |
| على أولاء! فهل تُجْدي لهم كلمي؟! |
| رأيت صاحب هذا الصَّوت ملتحفاً |
| بقطعة من قُماش هلهل خَلَق
(2)
|
| قد بات والجوع يُهْري بطنه ألماً |
| بئس الضَّجيج، وويح الجّائع القلق |
| يَغُطُّ في سكرات الموت حشرجة |
| حَرّى الأنين على أنفاس مُخْتَنِق |
| أتيته وعسى أنّي أَبِرُّ به |
| نفساً معذبة باتت على رمق
(3)
|
| لكن تَعَجَّله الموت الزُّؤام فلم |
| أدرك حَرَاكاً به في جسمه النَّحِل |
| حملته لأولي البِرّ الذين سعوا |
| جُهْدَ الكرام لخير القصد والعمل |
| فكفنوه وآوَوْهُ لتربته |
| في موكب بأولي الإحسان محتفل |
| مَدُّوا إلى أهله إبَّانَ محنتهم |
| يَدَ الكرام إلى ثَكْلىَ بلا رجل |
| وأجزلوا العون في رفق وتكرمة |
| ومنطق طَيِّب حلو كما العسل |
| ونَشَّأوا طفله المكلوم في كَنَفٍ |
| رحبٍ بأعين أهل الفضل مُشْتَمل |
| يرعونه أملاً من صنع أعينهم |
| كأنما هو منهم حَلَّ بالمُقل
(4)
|
| حتى غدارجلاً يسعى إلى عمل |
| في بُنْيَةِ القوم كُفْئاً جِدَّ مُكْتَمل |
| وراح يدعو وأهلوه لمن كلأوا |
| مصابهَم وتولوهم لدى المِحن |
| أهل المكارم، والإحسان ما فتئوا |
| يواصلون خطىً من أقوم السَّنن |
| وَرَدّ حسن صنيع النّاس مَرْحَمَة |
| بالنَّاس عند يد الأقدار والزّمن |
| يأسو جراحهمو، يرعى ذِمامهمو |
| يمحو بذلك عنه شِقْوة الإِحن |
| هذا هو الخيرُ نبت الخير إذْ فعلوا |
| فكيف لو عاش فيما بينهم هَمَلا؟! |
| هذا العلاج لأدواء مُعَقَّدَةٍ |
| تشقى بها أمةٌ لم تدرأ العِلَلا |
| تاللَّه هذا هو الإسلام يفهمه |
| - على حقيقته - منّا الذي عَقِلا |
| من رام عند إله النّاس مرحمة |
| فليرحم النّاس مما عنده جَعَلا |