شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحالة الفكرية في الحجاز خلال القرن الثاني عشر الهجري (1) (2)
الشيخ محمد سعيد سفر: (2)
لقد شارك هذا الشاعر بملحمة شعرية بلغ عدد أبياتها 154 بيتاً، وكان في تناوله لموضوعاتها يتجاوز ما تعارف عليه شعراء عصره من أطر جامدة، أو عاطفة مصطنعة، كزميله السيد البيتي؛ فهما يمثلان - بحق - نقلة هامة في تلك الفترة، ومهدا - فيما بعد - لظهور شعراء أفذاذ في الحجاز، كالسيد الأسكوبي، شاعر المدينة السياسي في القرن الثالث عشر الهجري.
يستهل الشيخ سفر مطولته قائلاً:
على بلدة المختار يبكي ويندب
ويشكي إلى الله العظيم ويرغب
ويرثي لها مما عراها عدوها
ويأنف من تلك الخطوب ويغضب
ثم يقول:
في مائة من بعد ألف وستة
وخمسين أبدى الدهر هرما منه يعجب
بدت فتنة عمياء فأدهشت
أولي العقل واحتار الطبيب المجرب
تموج كموج البحر في ظلمة الدجى
تظن شراباً وهي نار تلهب
وتخدع ذا اللب السليم بمكرها
وتعبث بالحبر العليم وتلعب
وما جاء في الإسلام قطعا نظيرها
ولا في قديم الدهر مذ كان يثرب
وإن كان قتل الشيخ أعظم فتنة
وهتك يزيد للمحارم أغرب
ولكن هذي فتنة مستمرة
فليس لها من بعد المطالع مغرب
ويصور آثار هذه الفتنة العمياء، وما ارتكب فيها من جرائم فظيعة قائلاً:
وجاسوا خلال الدور ينتهبونها
فشرق عنها ساكنوها وغربوا
فصارت خلاء وحشة بعد أنسها
وأرجف فيها المفسدون وأرغبوا
وعطل منها مسجد المصطفى فلا
يذاع به علم ولا القسط ينصب
ومن عجب منع المصلي دخوله
وأعداء دين الله منه تقرب (3)
إن الشعر والحرب لا يفترقان، في المدينة المنورة، في هذه الحقبة التاريخية، وبعبارة أدق لقد غيرت الحرب تيار الشعر لفترة معينة، وكان هذا التغيير يتناول اللفظ والمعنى، على حد سواء؛ فإلى جانب حلبة الحرب تقف حلبة الشعر يتنافس فيها الرواد على إبراز الجياد من مطولاتهم، يعكسون - من خلالها - آراءهم القومية، ويدافعون عن قضايا مجتمعهم الذي أصبح فريسة الأطماع المتعددة الناتجة من فساد الأمور الإدارية، وعدم كفاءة من يقبضون زمامها.
يقول الشاعر أحمد الجامي في فتنة 1189هـ: (4)
إلى م رسول الله يشتد ذا الخطب
وحتى م هذا الحال والطعن والضرب
وما بال أهل العلم والشرف الأولى
لهم درجات فوق غيرهم تربو
بها لم يقم لهم وزن وخيامهم
أشايرها مرفوعة مالها نصب
وكيف بمرأى منك يا سيد الورى
ومستمع في مسجد يشهر الغضب
ويصدر فيه ما يمج سماعه
ولا يرتضي ذكراه شهم ولا ندب
كنائس من لم يعبد الله وحده
لها حرمه فيهم وعنها لهم ذب
فما لأناس مسلمين تجبروا
على الله في ناديك واستهل الصعب
وأين احترام السر أين افتخارهم
بنسبته أين المهابة والقرب (5)
ويرسم الشاعر لوحات زاهرة بالإثارة عن آثار تلك الفتنة في رحاب المدينة الطاهرة؛ فيقول مخاطباً الرسول - صلى الله عليه وسلم:
فبلدتك الغراء زاه خرابها
وقامت للدغ الناس حياتها الجرب
وقطعت الأسباب فيها وعطلت
وحق عليها الحزن والنوح والندب
وصار يحل الأمر خوفاً وحالها
غداً حالكاً والخلق عمهم الكرب
وجرد سيف البغي والمنكر الذي
به الله لا يرضى ولا أنت يا حب
إذا كان في حال السجود لجمعة
وبين يدي من لا سواه لنا رب
تدور رحى الهيجا لا دردرها
وتطحن ذا ذنب ومن لا له ذنب
عمر بن عبد السلام الداغستاني (6) :
قال بعض الباحثين إن من مآثر هذا الشاعر هو عنايته بترجمة معاصريه من أعيان المدينة المنورة في كتابه المعروف ((تحفة الدهر ونفحة الزهر من أعيان المدينة من أهل العصر)) (7) والذي يعد مصدراً جيداً لمعرفة حلقة من التاريخ الأدبي القريب للمدينة، إلا أن ثمة مأثرة أخرى هي أكثر أهمية مما ذكره له بعض الباحثين من مآثر؛ فقد قاد هذا الشاعر معارضة صريحة ضد بعض الأشراف من حكام تلك الفترة التي تجيء بين أواخر القرن الثاني عشر وأوائل الثالث عشر الهجري، والتي تفاقمت فيها مشاكل الحجاز السياسية.
وإذا كان السيد البيتي، من قبل، يجاهر بانتقاداته لسلاطين آل عثمان - فإنه أعطى راية المعارضة، من بعده (8) ، لشاعرنا الذي نجد له مطولة يبلغ عدد أبياتها 69 بيتاً؛ يتناول فيها بعض الفتن التي تخللت حكم الشريف سرور بن مساعد، في الحجاز، وهي الفترة الواقعة بين 1186هـ و1202هـ (9) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :898  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 483 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.