شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عنوان الكتاب: أمريكا.. سري للغاية
المؤلف: الدكتور: محمد خضر عريف
الناشر: دار القادسية للنشر والتوزيع: جدة (1)
تحدث الكاتب ((العربي)) الأصل ((الأمريكي)) الجنسية (هشام شرابي) في مقابلة أجرتها معه عكاظ الأسبوعية الاثنين 13 ربيع الأول، 1414هـ، 30 أغسطس1992، عن الساحة الثقافية الأميركية فقال:
هناك مؤسسات وقيم أساسية يقوم عليها الفكر الأمريكي، والفن الأمريكي، والموسيقى الأمريكية، والأدب الأمريكي ففي القرن التاسع عشر والعشرين تكون في هذه البلاد ثقافة غنية فذة لا مثيل لها في التراث الغربي الآخر الأوروبي، بدأ من أوائل القرن التاسع عشر وكتابات هيرمان ميلغل موبي ديك إلى روائع الأدب في القرن العشرين وانتهاء بأدب أرنست هيمنجواي، وهـ.د. سالينجر، بالفلسفة البراجماتية التي أصبحت الآن في حالة نهضة عميقة جداً من سان جون بيرس، وويليام بليك إلى ريتشارد نولتي، والحركة التكنيكية لذلك التراث النقدي والحركة الفكرية والمقدرة على رؤية الذات والآخر، ونقد الذات وتجاوز الأفكار والمواقف، التي عفا عليها الزمن والدخول في اتجاهات جديدة ومجابهة المجهول على المستويات كافة في الفكر والعمل والممارسة، في السياسة والاقتصاد والحياة اليومية، كلها أعطت صبغة للحياة الأمريكية وأعطتها دينامية لا أظن أن هناك مجتمعاً في العالم اتصف بها إلى هذا الحد، منذ المجتمع الإغريقي أيام سقراط وأفلاطون في تلك الفترة الزمنية أو منذ النهضة الثقافية الفكرية في شمال إيطاليا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، أو أيام النهضة والتنوير في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، أي إن النهضة الأمريكية في القرنين التاسع عشر والعشرين هي إحدى المحطات الأساسية في الثقافة الغربية كما تعرفت إليها في اختباري في هذه المدة.
وهذه رؤية مثالية للثقافة الأمريكية صدرت من كاتب عربي استقر في تلك البلاد منذ أن كان عمره عشرين عاماً، وهو يصرح - أي شرابي - في لغة متعجرفة أنه لم يرض بالكتابة باللغة العربية حتى بداية السبعينات وهو إن لم يوضح - صراحة - لماذا لم يرض بالكتابة بلغته الأم لمدة طويلة إلا أن المقطع السابق من حديثه عن الثقافة الغربية يفسر سر تلك الفجوة بينه وبين ثقافته وتراثه وبين وعاء هذه الثقافة وذلك التراث وهو اللغة العربية مع أن شرابي وكثيراً من المثقفين العرب الذين يعيشون في منفاهم الغربي الاختياري يقتاتون من الكتابة عن مجتمعاتهم العربية التي تركوها في فترات مبكرة من حياتهم، وكتاب شرابي المعروف ((النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي))، يعطينا مثالاً واحداً كيف أن هؤلاء الكتاب على استعداد لتشريح أوجه الحياة الاجتماعية في بلادهم ولكنهم لا يجرؤون على تقديم مثال واحد - مع أن الأمثلة كثيرة ومتعددة - عن إخفاقات الحضارة الغربية في عدد من وجود الحياة ومن أهمها إخفاقها في تقديم ما تصبو إليه روح الإنسان وتتطلع إليه ذاته الداخلية المسكونة بذلك الانشطار العميق الذي تسببت فيه هذه الثقافة الغربية التي يدعي الكاتب شرابي أنها فذة وغنية.
لقد تعددت أوجه الكتابة عن ((الغرب)) مجتمعاته وثقافته وفكره من منظور عربي، وكانت السيرة الذاتية والقصة الروائية في الأدب العربي الحديث من ضمن الفنون الأدبية التي حملت إلينا تجربة طه حسين في ((أيامه)) وتوفيق الحكيم في ((عصفور من الشرق)) وسهيل إدريس في ((الحي اللاتيني)) ويحيى حقي في ((قنديل أم هاشم)) ويوسف إدريس في ((السيدة فيينا)) و((نيويورك)) والطيّب الصالح في ((موسم الهجرة إلى الشمال))، ويرجع بعض الدارسين ظهور هذه النصوص الإبداعية إلى عامل واحد هو مشكلة العلاقة مع الآخر ((الحضارة الغربية)) وغالباً ما كانت تصنف هذه الأعمال ضمن التجارب الذاتية الخاصة - ولكن الذي يميز حقاً - بعض الكتابات العربية عن الحضارة الغربية أو ثقافتها هو عدم قدرتها على النفاذ إلى عمق هذه الثقافة بالشكل الذي نجده عند كتاب آخرين من ثقافات أخرى كما هي الحال عند الكاتب المكسيكي الحائز على جائزة ((نوبل)) ((أوكتافيوباث)) الذي يصف الحداثة الغربية بأنها ((الحداثة الإمبريالية)) أو الكاتب الفرنسي P. Boudraillard الذي يصفها صراحة بالحداثة البربرية أو المتوحشة.
وليس بين أيدينا كتاب المفكر الإسلامي المعروف سيد قطب ((أمريكا التي رأيت)) حتى نستطيع أن نتبين الخلفية التي انطلق منها المرحوم قطب في نقد المجتمع الأمريكي وحضارته وإن كان هناك مقتطفات من كتابه الآنف الذكر قد تضمنتها نصوص للكاتب نفسه، وهذه المقتطفات توضح الموقف السلبي للكاتب من هذه الحضارة وقد بناه الكاتب على ما شاهده من انحلال خلقي في بعض قطاعات ذلك المجتمع، ولعل الانحلال الذي شاهده المرحوم قطب في الخمسينات الميلادية من هذا القرن كان بداية لما تعانيه بصورة مرعبة ومخيفة المجتمعات الغربية وليس المجتمع الأمريكي وحده، من مشكلات أخلاقية عديدة - في الوقت الحاضر - وما داء العصر وطاعونه - الإيدز - إلا مثال صارخ لهذه المعاناة القاتلة، وما قوافل المشردين من الشباب والشيوخ الذين يفترشون محطات السكك الحديدية في بعض عواصم الغرب مثل لندن إلا دليل على أن الحضارة الغربية تتضمن الكثير من أوجه القصور التي يحاول أن يتجاوزها بعض الكتاب العرب من منظور الانبهار بالآخر وثقافته وفكره، على أن ذلك لا يعني بحال من الأحوال أن الحضارة الغربية شر كلها فتلك نظرة قاصرة أيضاً، ولكننا نتحدث كيف أن بعض الكتاب الغربيين استطاعوا نقد حضارتهم نقداً موضوعياً، وهم أبناء هذه الحضارة الذين ولدوا بين أكنافها - بينما لا يقدم بعض الكتاب العرب - وخصوصاً أولئك الذي يتخذون من عواصمها مقراً لهم أو مورد رزق وكسب، لا يقدمون إلا الجانب الإيجابي وهم أيضاً عند تقديمهم لهذا الجانب كثيراً ما يغالون فيه أشد المغالاة، ولو حدثهم البعض عن الحضارة الإسلامية والعربية ودورها في إثراء الجوانب الإيجابية من حضارة العصر لأداروا ظهورهم ولووا وجوههم، بينما يعترف المنصفون من كتاب الغرب بهذا الدور ولا يجدون غضاضة في الإشادة به أثناء حديثهم عن العصر الذهبي لحضارتنا العريقة.
كتاب الزميل الدكتور محمد خضر عريف الذي أجدني متشرفاً بتقديمه للقارىء أكاد أصنفه ضمن المؤلفات العربية التي لم تنطلق من فراغ في نقد الوجه القبيح لهذه الحضارة وخصوصاً فيما يتعلق بقضية امتهان حقوق الإنسان التي ينصب الغرب نفسه محامياً عنها، ويتعرض الكاتب كذلك في كتابه لأوجه العلاقة بين المجتمعين الإسلامي والأمريكي، وكيف أن اليهود يفسدون كل محاولة يراد من ورائها رسم الصورة الصحيحة للإسلام والمسلمين في هذا العصر، فاليهود دوماً يوحون للغربيين بأن العرب والمسلمين ينامون على بحر من النفط، وأنهم يحاولون ابتزاز الغرب حضارة ومجتمعاً من خلال هذه الطاقة التي تقوم عليها صناعة الغرب، وتناسى اليهود أنهم - أنفسهم - عاشوا عصرهم الذهبي في أحضان الحضارة الإسلامية في شبه الجزيرة الإيبرية كما يعبر عن ذلك رئيس الوزراء اليهودي المعروف - أبا إيبان - في مذكراته وغيره من المفكرين اليهود.
والمؤلف الدكتور محمد خضر عريف لا ينتقد الحضارة الغربية أو المجتمع الأمريكي من فراغ فهو إضافة إلى رجوعه إلى عدد من المصادر والدوريات الغربية. يعتمد في نقده هذا على تجربته الذاتية حيث عاش المؤلف عدة سنوات من عمره في ذلك المجتمع وهو ما لا يتوافر لكثير من أولئك المنبهرين بالحضارة الغربية بينما هم لا يجيدون حرفاً من أحرف اللغة الإنجليزية ولم يشاهدوا الحياة الغربية إلا من خلال الأفلام والمسلسلات وبعض الصحف والمجلات وكأن ذلك في نظرهم كاف للتحدث عن ثقافتهم الإسلامية والعربية ومحاولة رميها بكل الأوصاف السيئة والنعوت المتحاملة - وهو أمر لا يقدم عليه بعض الغربيين - فكيف يكون الحال إذا صدر من ينسبون أنفسهم إلى هذه الحضارة، بل هم رغم هذا السلوك الشاذ والغريب تجاه ثقافتهم وحضارتهم فإن الآخر لم يرض بأن يكونوا جزءاً من ثقافته الخاصة وهويته المتميزة ويرفض كل محاولاتهم للالتحاق به أو الانضمام إلى قطار الحياة فيه.
إن كتاب الزميل الكريم ((عريف)) محاولة جادة لرسم ملامح الحياة الغربية بكل تفاصيلها الإيجابية والسلبية، وهو الشيء الذي نطمح لتوافره في كثير من الكتابات الأخرى التي تعتمد الرؤية الواحدة وهو أسلوب يتسبب في نشوء جيل منبهر بالآخر ومنفصل في الوقت نفسه عن مجتمعه الذي يعيش فيه وتراثه الذي لا محيد له عن الارتباط به، وهذا الأسلوب يؤدي في النهاية لأن يظل الجيل في مرحلة حضارية حرجة فلا هو بالذي يرضى بثقافة الأمة وتراثها، ولا هو بالقادر على اللحاق بالآخر الذي ينظر - دوماً - للمتنصلين من ثقافتهم الأصيلة بنظرة فيها الكثير من الاحتقار والازدراء وأتذكر في هذا السياق قول أحد الأساتذة الغربيين لواحد من زملائنا حيث كان يحاول دوماً تقليد الغربيين في كل شيء قال له: ((إنني أفضل أن أراك عربياً مسلماً)).
فهل تكفي مثل هذه المقولة رادعاً لعودة أولئك الذين يتحدثون عن الغرب كأنهم ولدوا في نيويورك وباريس ولندن، وكأنهم عايشوا ت.س إليوت، وبول سارتر وميشال فوكو، ورولان بارت، وليفي شتراوس، وصموئيل بيكيت، وغيرهم من مفكري الغرب الذين يعتزون دوماً بتراثهم ويعتبرون المرجعية الأصلية لهذه الثقافة هي الديانة المسيحية بكل طقوسها وشعائرها ورموزها، وأساطيرها.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1036  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 465 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.