دَوْرُ الكُوَيْتِ في نَشْر الثَّقافَةِ العَربيَّة والإسلاميَّة في الجامعات البريطانيّة |
هذه مجرد خواطر من عهد الدراسة العليا بالجامعات البريطانية، أحببت أن أسوقها - هنا - تدليلاً على دور البلد العربي ((الكويت)) في دعم الثقافة العربية، ونشر الحضارة الإسلامية في البلاد الغربية، وكشفاً لجوانب لم تتوجه إليها الأضواء بعد؛ مع أهميتها القصوى، في ظل الأحداث الأخيرة التي نتجت من الغزو العراقي الغاشم لهذا المعقل الثقافي والحضاري الأصيل. |
في بداية الثمانينات الميلادية - قُبلت طالباً في الدراسات العليا، في جامعة ((لانكستر))، بالمملكة البريطانية المتحدة؛ وهي جامعة تعد في عداد الجامعات الحديثة، التي قامت - في أواخر الستينات الميلادية، وأوائل السبعينات - وتقع في الشمال الغربي للمقاطعة الإنجليزية. |
وكان القسم الذي يتولى الإشراف على دراستي العلمية هو قسم الدراسات العربية والإسلامية، وكان يرأسه أحد الأساتذة العرب المقيمين في بريطانيا؛ وهو البروفسور ((وليد عرفات)) الذي حاز الشهادة الجامعية في الأدب الإنجليزي من جامعة ((إكستر))، وعلى شهادة ((الدكتوراه)) في الأدب العربي ((العصر الجاهلي)) من جامعة لندن؛ إحدى الجامعات العريقة بتقاليدها العلمية في بريطانيا. |
وكان البروفسور ((عرفات)) قبل انضمامه لهيئة التدريس بهذه الجامعة الفتية أستاذاً للأدب العربي في الجامعة التي تخرج فيها؛ وهي جامعة لندن. ومن بين طلابه فيها الأستاذان الفاضلان حسن باجودة، وحسن شاذلي فرهود. |
لكن الظروف التي أحاطت، في فترة من الفترات، بجامعته الأم، قادته إلى الشمال الإنجليزي، واستقر به المقام هناك! ليجد نفسه وسط ظروف أخرى، تهدد بإقفال القسم الذي أدى دوراً هاماً في نشر الثقافة العربية في البيئة الإنجليزية، وغيّر كثيراً من المفاهيم السائدة عن العرب وقضاياهم، وهبت جامعة الكويت لتنقذ هذا القسم الفاعل، وتعيد إليه الحياة، بعد أن كاد يفقدها. |
لم يحدث القسم تغييراً إيجابياً فقط - بفضل الرعاية الكويتية الكبيرة في عقول الجيل الإنجليزي الصاعد - ولكن تجاوزه إلى فئة من الإنجليز الذين يرجعون إلى أصول يهودية، وكانت المفاجأة عندما أعلنت رئيسة الجمعية اليهودية في جامعة ((لانكستر)) إسلامها بعد أن تلقت - لفترة من الزمن، على أيدي أساتذة القسم - الثقافة العربية، وأصول الدين الإسلامي، وتاريخ الحضارة الإسلامية، وأصبحت الفتاة التي كانت تحارب الجمعيتين الإسلامية والعربية في الجامعة نفسها، تتدثر بالحجاب الإسلامي وتبحث عن الحياة الإسلامية الآمنة؛ بعيداً عن أجواء القلق والشك، التي خبرتها، منذ طفولتها، في حضارة الغرب، وثقافته، وسلوكه. |
وفي ظل الرعاية والتشجيع الكويتيين أنتج بعض أساتذة القسم إنتاجاً علمياً يدور في إطار القضية العربية الأولى؛ وهي القضية الفلسطينية، وكان من بينهم الأستاذ الكندي الأصل، العربي الثقافة ((ديفيد وينز)) (David Wains) الذي أصدر كتابه عن القضية الفلسطينية باللغة الإنجليزية؛ وهو: "A sentence Of Exile/ The Palestine -Israel Conflict/ 1896/ -1977”. |
والذي يشرح فيه أبعاد المؤامرة الصهيونية على الأرض العربية، وشعبها، وثقافتها، ولم يخف ((وينز)) حماسه لهذه القضية؛ فكان من صور هذا الحماس الصادق عنده: تدوينه على باب مكتبه باللغة العربية عبارة: ((فلسطين عربية)). |
وانعقدت، في ظل هذا القسم الذي كان محفوفاً بالتطلع الكويتي لدعم الثقافة العربية في معاقل الحضارة الغربية، إحدى الحلقات الدورية لجمعية دراسات الشرق الأوسط، صيف عام 1401 - 1981؛ وكان من بين الحضور بعض أعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية؛ وهما الدكتوران محمد الهدلق، ومحمد السديس. |
وإذا كانت المؤسسات الثقافية الكويتية دعمت هذا القسم؛ فكانت له مكتبته الحافلة بأمهات المراجع العربية والدوريات والمجلات، ورعت أساتذته، وأنفقت عليهم بسخاء، فإن قسماً آخر من أقسام دراسات الشرق الأوسط، بتلك البلاد، كان يتلقى الدعم الدائم؛ في الفترة التي كانت الجامعات البريطانيا - تحت تأثير العوامل الاقتصادية - تفكر في إقفال أقسام الدراسات المتخصصة في لغات الشعوب الأخرى وآدابها وحضاراتها. |
إن القسم المعني بإشارتي هذه هو قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة ((فكتوريا)) بمدينة ((مانشستر))، والذي سجلت فيه درجة ((الدكتوراه)) عام 1982م تحت إشراف المستشرق المعروف ((أدموند بوزورث)) ولقد علمت من الأخوة الذين سبقوني في الدراسة بهذا القسم أن ((الكويت)) يعد مصدراً أولياً في دعم مسيرة هذا القسم، وخصوصاً أن هذا الدعم كان يحقق أهدافاً عديدة؛ من بينها: الوقوف في وجه المحاولات الصهيونية لاختراق هذا القسم، وتغيير توجهاته وملامحه. |
وكان دعم الكويت يتمثل في صور عديدة؛ من أهمها: الزيارات التي كان يقوم بها بعض أدباء الكويت ومفكريه للقسم بين الحين والآخر؛ ففي عام 1403هـ قدم الأستاذ خالد سعود الزبد؛ الرئيس السابق لرابطة الأدباء الكويتيين، محاضرة عن تجربته الشعرية، كما قدم في عام 1405هـ دراسة مقارنة عن الأمثال العربية، وألقى الدكتور محمد عيسى صالحية؛ الأستاذ بكلية الآداب بجامعة الكويت، محاضرة عن تحقيق التراث العربي. |
وكان إضافة إلى هذين الأستاذين الكريمين يطل علينا - بين الحين والآخر - وجه كويتي مشرق هو الدكتور سليمان العسكري، الذي كان يحضر لدرجة ((الدكتوراه)) في القسم نفسه. |
كما كان للعلاقة الوثيقة بين رئيس القسم، في تلك الفترة، والمؤسسات الثقافية الكويتية، دور ملحوظ في نشر بحوث ((تراث الإسلام)) “Legacy Of Islam” والتي كان يشرف على تحريرها الدكتور ((بوزورث)) ضمن سلسلة ((عالم المعرفة)) الشهيرة، والصادرة عن المجلس الوطني للثقافة والعلوم بالكويت. |
ولم يقتصر دور القسم على قبول الطلاب العرب والمسلمين الذين تتولى جامعاتهم دفع رسومهم الدراسية؛ بل كان يقوم - أيضاً - بتقديم منح دراسية للطلاب الذين لا تمكنهم ظروفهم من تحمل أعباء الدراسة العليا، وكان من بين هؤلاء الطلاب أخوة من الطلاب العرب القادمين من الأراضي العربية المحتلة في فلسطين. |
إن الكويت ساهمت بطرق عديدة في دعم مشروع الثقافة العربية في البلاد الأوروبية؛ مما كان له أكبر الأثر في بعث حوار حضاري بين الثقافتين الإسلامية والغربية، ويمكننا القول؛ اعتماداً على هذه الحقيقة؛ إن كثيراً من المؤسسات العلمية في البلاد العربية مدينة لهذه الجهود الكويتية التي ساهمت في تعضيد الوجود الثقافي العربي، وإعداد جيل من الدارسين العرب ساهموا في ترسيخ المفاهيم الأصلية والحية لثقافتنا التي كانت خسارتها كبيرة لتعرض بلد الحضارة والعلم والثقافة لغزو عسكري غاشم متجرد من القيم، وبعيد عن الإنسانية، ومتلبس بدعاوى وأكاذيب باطلة. |
|