شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كريستوفر مايهو والدفاع عن الحق العربي (1)
لا أظن أن هناك شخصية - غير عربية - تحملت عبء الدفاع عن القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية مثل شخصية اللورد كريستوفر مايهو Christopher Mayhew، الذي توفي في يوم 7 يناير عام 1997، وفي الفصل الذي عقده عن بداية اهتمامه بالقضية الفلسطينية وضمّنه الكتاب الذي ألّفه بالاشتراك مع الصحافي البريطاني المعروف مايكل آدمز Michael Adamas، وأطلقا عليه عنواناً يشير إلى الضغوط التي تعرضا لها من جراء محاولتهما نشر وجهة النظر العربية، العنوان المتكون من هاتين العبارتين ((لا تنشروا.. التعتيم على الشرق الأوسط)) ((Publish it not-The Middle East cove up)) Longman, 1975.
يصف مايهو تلك البداية من خلال الوقائع المأساوية للجلسة التي عقدها مجلس العموم في 11 يوليو عام 1948 لمناقشة قضية الاعتراف بالكيان الصهيوني ((إسرائيل))، وكان مايهو وقتها يعمل وزير دولة في وزارة الخارجية، تحت رئاسة وزير الخارجية إرنست بيفين Ernest Bevin، وقد طرح في تلك الجلسة سؤالاً كان من الصعب طرحه في ظل سيرة اللوبي الصهيوني على حزب العمال آنذاك، كان السؤال يركز على أن زميله المتحمس لإنشاء الدولة الصهيونية لم يسمع قط وجهة النظر العربية في هذا الموضوع، وأضاف مايهو بل إن المتحدث وهو هارولد ليفر Harold Lever برهن من خلال طرحه للقضية أنه ليس على دراية كافية في ما يتصل بالرؤية العربية للمشكلة الفلسطينية)).
لم يسعف مايهو أحد، فأنصار الحركة الصهيونية ومعظمهم من اليهود كانوا حوالي ثلاثين شخصاً، وكانوا على استعداد لمضايقته بكل السبل الممكنة، وعندما شاهد وزير الخارجية بيفين ما يجري داخل المجلس، صاح بأعلى صوته في وجه مؤيدي الدولة الصهيونية ((يجب علينا أن نتذكر أنه لا يوجد عربي في المجلس حتى نسمع رأيه في موضوع كهذا))، لقد عم الصخب المجلس، ولكن ذلك لم يمنع بيفين من رفع صوته بالحقيقة مذكراً بأن ((الصهيونية تتوازى من خلال أعمالها الإرهابية في تلك الحقبة ضد البريطانيين والعرب على حد سواء، تتوازى وتتماثل مع النازية)) وهي حركة فاشية وعنصرية، ويعتبر بيفين من أوائل من تنبهوا للمضمون العنصري الذي تحمله الصهيونية، وأن هذا في رأي بيفين يقود للشغب والإرهاب، ولقد أثبتت الأيام أن هذا الرأي الذي طرحه بشجاعة نادرة الوزير البريطاني بيفين هو ما يشكل لب سياسة الحركة الصهيونية، فجندي إسرائيلي يطلق النار على مواطنين فلسطينيين عُزَل في الخليل، وإرهابي مثل جولدشتاين يقتل المصلين بدم بارد داخل الحرم الإبراهيمي، وتعتبره الصهيونية بطلاً وزعيماً، في الوقت الذي تذرف فيه الدموع على ضحايا الحركة النازية.
لقد كانت الكلمات القليلة التي حاول من خلالها مايهو أن ينتصر للقضية العربية، جريمة كبرى في عُرف الحركة العنصرية الصهيونية، فقد تسلم بعد أسابيع قليلة من كلمته في مجلس العموم رسالة تمتلئ بالعبارات النابية، فهي تصفه بالخنزير وتؤكد له أن الحركة أصدرت في حقه حكماً بالموت، وكانت الرسالة موقعة من حزب ((حيروت)) الإرهابي.
ساهم مايهو في دفع عملية الحوار الفكري بين العرب والإنجليز من خلال مشاركته في تأسيس ((مجلس التفاهم العربي البريطاني)) والمعروف باسم ((كابو))، كما شارك - بعد أن ساءت العلاقة بين بريطانيا والعرب بسبب التأييد المطلق لحكومة هارولد ويلسون العمالية 1964-1970م للحركة الصهيونية - في تأسيس مجلس حزب العمال للشرق الأوسط، وقد أثمر هذا المجلس عن محاولة حزب العمل لاتخاذ موقف أكثر حيادية في موضوع الصراع العربي - الإسرائيلي، وحصل هذا مع بداية الثمانينات الميلادية، كما ساهم في تعضيد موقف الصحيفة الخاصة بقضايا الشرق الأوسط المعروفة باسم Middle-East International ((ميدل ايست انترناشيونال)).
لقد طُويت صفحة هامة في تاريخ العلاقة العربية البريطانية من منظور إيجابي، وسوف يتذكر الجميع بأن مايهو كان صوتاً عربياً داخل مجلس العموم، ثم داخل مجلس اللوردات لمدة تقارب نصف قرن من الزمن.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :741  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 455 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.