شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ملحق التراث والتيارات الفكرية المعاصرة (1)
لقد تبين لأعداء الإسلام: بعد قرون طويلة من الاستعمار السياسي، والمواجهة الصليبية: أن أنجح وسيلة لحرب الأمة الإسلامية والعربية هو محاربتها من الداخل، أي: بأيد عربية السحنة: شرط أن يتحقق فيها انعدام الهوية، واستلاب الإرادة، وشذوذ المنزع والهدف، وأن تكون هذه الحرب موجهة - بالدرجة الأولى - ضد اللغة العربية، إيماناً منهم بدورها الفعال في الربط بين الفرد المسلم وتراثه الفكري، وتيقناً بمدى قدرتها - بصورتها الأصلية - على تشكيل مناحي التصور لدى الأمة اعتماداً على ما أنزله الله في كتابه الكريم، وأتت به سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم.
ومن هنا: بدأت الحرب الفكرية المدبرة التي كان دعاتها في أواخر القرن الماضي، ومطلع هذا القرن، مبشرين: يحملون - في يدهم اليمنى - الإنجيل، وفي الأخرى دعوة صريحة لهجر اللغة الفصحى، واستبدالها بالمحلية أو العامية، كان من هؤلاء الألماني ((ولهلم سبيت)) والإنجليزي ((وليم ويلكوكس))، ولم يتورع هؤلاء المبشرون عن استخدام كل الوسائل التي تهيئ لدعوتهم الانتشار، ولأفكارهم الترويج، فكان من أمر ((ويلكوكس)) هذا أنْ تحصل على امتياز مجلة تسمى ((الأزهر)) ومعلوم ما يمكن أن تحققه هذه التسمية من تقديم لهذه الأفكار الاستشراقية المغلوطة بمنهج يعتمد على استثمار العواطف الدينية عند عامة الناس، وتكريس التقاليد الاجتماعية في عملية نقلها بينهم.
ولم يغادر هؤلاء المبشرون الساحة الفكرية حتى تيقنوا من أن دعواتهم المبطنة بالحقد والعداء قد وجدت الاستجابة المطلوبة عند بعض المنتسبين إلى الأمة اسماً، والفارقين في خيالات الجاهلية، أو العلمانية، أو الفرعونية، والفينيقية فكراً وتوجهاً وتبرز في ساحة المواجهة أسماء - عديدة يأتي - في مقدمتها: مارون غصن، وسلامة موسى، ولويس عوض، والصلة بين الأخيرين عميقة وهذا يستفاد من كتاب ((عوض)) الأخير ((أوراق العمر، سنوات التكوين)) حيث يشير إلى علاقته بأستاذه في عبارات تحاول نفي التعصب الديني عنه، وربطه بالمنظمة العربية للتيار العلماني.
يقول عوض: ((ولا أعتقد أن سلامة موسى كان مسيحياً إلا بالميلاد، وكانت جميع أديان التوحيد يضعها في سلة واحدة كان ينظر إلى جميع الأديان من وثنية وتوحيدية كأنها فولكور راق كان لا يعرف إلا الخيال العلمي أما الخيال الأدبي فلم يكن له عنده وجود.
وإذا كان ((عوض)) قد انطبع انطباعاً عميقاً بأستاذه السالف الذكر فإنه لم ينس - في معمعة كتاباته السياسية والأدبية، وانشغالاته الصحافية - أن ما يظهر ولاءه لأساتذته من المنصّرين الغربيين، ويشاركهم الهجوم على اللغة العربية ويشكك في قدسيتها وارتباطها بالقرآن، وما انبثق عنه من علوم ومعارف، وسجل هذا الولاء الفكري بصورة واضحة في كتابه ((في فقه اللغة العربية)) الذي صدر في سنة 1980م ولم يعدم ((عوض)) مع هذا كله من أن يدافع عن اتجاهاته الفكرية المنحرفة، وينتصر لميوله الفرعونية المستهجنة.
ولعل هذا ما جسدته عبارات ((جابر عصفور)) في مجلة الهلال وعدد مارس 1990م حيث يقول: ((ومن المؤكد أن لويس عوض يعرف أن العرب ليسوا كلهم أعراباً، وأن فرعونيته لا تتناقض مع عروبته، بل تتكامل معها. وأن عروبته مكون أساسي من ثقافته وإسهامه ومن المؤكد - أيضاً - أن كتاباته وإنجازاته أضافت إلى العروبة والعربية ما لم يضفه الكثيرون ممن يتشدقون بالعروبة ويدافعون عن العربية.
ولا بد لنا أن نشير أن ((الخال)) كان واضح التعبير عن أهدافه التنصيرية التي سعى إليها من وراء معظم محاولاته الأدبية والشعرية وهي ترجمة الإنجيل باللغة العامية لتتذلل بذلك صعوبات معرفة مصطلحاته بين أفراد المجتمع العربي.
ولئن كان ((الخال)) من الجرأة ليحدثنا عن عقيدته المسيحية وسعيه الحثيث لجذب الناس إليها فإننا نحتار في هوية من أطلق على نفسه المخرب الكبير والشعوبي العظيم ثم يستشهد - في مداراته - بأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة، ويكتب عن شاعرية لغة القرآن وهو يهدف من وراء ذلك إلى التضليل على عقول فئة من الناس وإيهامهم بسلامة مقصده وحسن نواياه.
إن ((أدونيس)) ينطلق - في دعوته التي نهضت بها مجلة ((مواقف)) في لبنان - من رؤية عقدية واحدة وهي معاداة التراث الإسلامي وما دعوته المتوسلة بالشعر والغموض إلا لتحقيق أهدافه التخريبية الكبرى التي يقول عنها: ((إن استمرار البنية التعبيرية القديمة دليل على استمرار البنية الثقافية الذهنية القديمة فتحطيم البنية التعبيرية - إذن - دليل على الخروج من البنية الثقافية القديمة)).
وتنتصب - اليوم - كذلك في ساحة الفكر العربي أسماء عديدة منها: حسن حنفي، ومحمد أركون، ومحمود العالم، والجابري، وعبدالله العروي، وغالي شكري، ومحمد برادة، وهذه الأسماء - إن اختلفت في مناهجها التي توسلت لمناقشة قضايا الفكر العربي بين ماركسية وعلمانية وبنيوية تكوينية مرتبطة - أيضاً - بالفكر الماركسي فإنها تتفق في شيء واحد وهو غرض الإجهاز على سلفية الفكر وأصالته ووضوحه والبحث عن الأمثلة الشاذة في مسيرتنا الفكرية للالتفاف حولها والترويج لمقولاتها.
في هذه الأجواء الفكرية المشبوهة التي يحاول أصحابها أن يجدوا لهم أرضاً يقفون عليها وقواعد إعلامية ينطلقون منها يتضح دور ومواقف ((ملحق التراث)) الذي كان - منذ بدايته قبل خمسة عشر عاماً - واضحاً في منهجه الذي اختطه لنفسه، ورسالته التي اضطلع بأدائها وهو: خدمة التراث الإسلامي من منظور لا يعترف بالأصباغ الداخلية والثنائية المكشوفة فكان أرضاً لا تطأها أقدام المتشككين، ومنبراً ترفع عن أباطيل الإرجاف والإثارة.
وإذا كانت الوسائل الفكرية والعلمية أدوات ترتبط حقيقة وأهدافها بالمشرفين عليها، والقائمين على إدارتها فمن وضوحهم تستمد صفاءها ونقاوتها، ومن سمو توجهاتهم تنطلق في آفاق الفكر والمعرفة لتؤدي - بذلك - دوراً تدعم به مسيرة الأمة، وتضيء به دروبها فإنه مما لا شك فيه كان لزميلي الدكتور الفاضل محمد يعقوب تركستاني دوره الرائد الصالح في النهوض بهذا ((الملحق)) ومقاومته وصموده في ساحة الفكر والثقافة.
لقد كان لهذا الرائد: المنطلق من حلقات الدرس بالمسجد الحرام وما تشعه من نور، وتبعثه من هداية والمتمرس بعلوم الشريعة واللغة وفنون الأدب في رحاب ((كلية الشريعة)) بجامعة أم القرى كان له فضل المجاهد الذي يضحي براحته ووقته في سبيل أن يظل لهذا المنبر وهجه ومتابعته واستمراره ومجنباً إياه - في نفس الوقت - ضبابية الفكر وطروحات الإثارة والتعدي التي أصبحت أخيراً منهجاً يحتذى عند المتنكرين لإسهامات أهل الفضل، والمتطلعين للفكر الآخر عن جهل بأسسه ومناهجه وعدم دراية أو إتقان للغاته، ومصطلحاتها ودلالتها.
وأود أن أختم هذه الإسهامة المتواضعة في هذه الذكرى العزيزة علي.
ولكنني سأقف بالقارئ على مائدة من موائد ((جريدة المدينة)) أعني ((ملحق التراث)) الذي اعتدت، ومنذ زمن طويل أن أرى فيه أحبة أصدقاء لم ألتق بهم ولكنها صداقة في التوجه نحو خدمة التراث وتتبع أخباره: التراث بمعناه الواسع زماناً ومكاناً أي التراث القديم والحديث، والتراث العربي والإسلامي في كل أعصاره وأمصاره.
فللَّه درّ هذه الحديقة الغناء ((ملحق التراث)) فلطالما شممنا عبرها أريج التراث وحلو روائحه وروائعه.
فهذا خبر عن كتاب نُشر أو رسالة نوقشت، أو ندوة جرت، أو مؤتمر عقد في النقد والأدب والبلاغة في الشعر والنثر في الفقه والحديث والتفسير في النحو والصرف...
وقد تجاوز الأمر أخبار التراث التي يغلب أن تتصدر من ((الملحق)) هاتين الورقتين الوارفتين من أوراق ((جريدة المدينة)) فأنت تجد في الصفحة الثانية والثالثة والرابعة من هذا ((الملحق)) النفيس الذي حرصت عليه ((المدينة)) فضمته كواسطة العقد بين طياتها تجد مادة طيبة في غير فن من فنون التراث الخصب.
وأذكر - في هذه المناسبة - أن أستاذاً مجمعياً زارني في رحلة له لأداء العمرة قد وقع على ((ملحق التراث)) فأخذ يقرأ بعض ما في ((الملحق)) من مواد فهاله أن يكون هذا ((الملحق)) جزءاً من ((جريدة)) يومية سيّارة وفي هذه الشهادة البريئة من عالم فاضل لا يعرف شيئاً عن هذا ((الملحق)) - بحكم البعد المكاني - ما يؤكد أن هذا ((الملحق)) يعدّ متعة ثقافية حقيقية لطبقة خاصة من المثقفين.
أما وقد بلغ هذا ((الملحق)) عمر الشباب بعد أربع عشرة سنة مباركة - فإني لأنتهزها فرصة أهنئ بها كل من أحبوه، وشاركوا فيه قراءة وكتابة.
وإنها لفرصة طيبة من أهل ((المدينة)) بهذا ((الملحق)) الذي ينبض فيها نبض القلب، وقد وضعته منها وسطاً موضع القلب في كل يوم من أيام الخميس.
كما أهنئ الرجل العالم الفاضل الذي كنت أظنه ((فريق عمل يقوم بشؤون الملحق)) ويسهر عليه يستقبل المادة - وله طريقة ودية خاصة في التعامل مع الكتاب - ويقومها ويشرف على تصحيحها وضبطها فضلاً عن أمور فنية أخرى يقوم بها - أسبوعياً - في إعداد هذه المائدة الأسبوعية الحافلة هذا إلى جانب أعماله الرئيسة الأخرى فأعان الله الأخ الفاضل الدكتور محمد يعقوب تركستاني وأجزل له الثواب على ما يبذل من جهود طيبة.
ومع فرصة التهنئة أود أن تكون هذه المناسبة مواتية لأنه ولى ((الملحق)) بمزيد من العناية من جانب القراء وذلك بمزيد من المشاركة من بعض الباحثين كأن تعمل فهرسة شاملة لما دونت فيه من تبويب للموضوعات ويستحسن أن يلي ذلك دراسة للحركة اللغوية والأدبية في هذا الجزء من العالم الإسلامي سيكون ((ملحق التراث)) مصدراً مهماً في هذه الدراسة.
كما يستحسن - أيضاً - أن تنشر مواد منتقاة من هذا ((الملحق)) في ميادين اللغة والنقد والأدب وغيرها من أبواب ((الملحق)) الثرة.
ولقد سرني أن أعلم أن ما نُشر من هذا ((الملحق)) حتى الآن مما يزيد على ثلاثة مجلدات ضخمة وأحسب أن هذا ((الكم)) الكبير يحتاج منا إلى وقفة طويلة ويستحق أن يُنظر إليه بوصفه مصدراً من مصادر حركة إحياء التراث في العصر الحديث.
وختاماً، فإني أتمنى لهذا المنتدى التراثي الخصيب. أن يستمر متدفقاً لا يتهدده الانقطاع، ومنبراً من المنابر التي توصل صوت التراث في أصقاع المعمورة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :661  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 446 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .