شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تعالوا يا رفاق الدرب إلى كلمة سواء (1)
تدور في الساحة الثقافية والفكرية العربية بعد كل حدث من الأحداث نقاشات عدة عن كيفية استفادة الأمة من هذه الأحداث وتوظيفها إيجابياً لصالح الفرد والمجتمع العربيين وهذا ما يجعل دور المؤسسات العربية على مختلف وظائفها وتوجهاتها من الأهمية بمكان ويلقي على هذه المؤسسات من الواجبات الوطنية عبئاً جسيماً يجدر بها أن تتحمل مسؤوليته بكل ثقة وشجاعة وتجرد.
الأحداث العالمية الأخيرة رمت بنا في خانة الدفاع عن النفس وغدونا نتسابق على توضيح مواقفنا الفكرية المستمدة من ديننا الحنيف وتراثنا الأصيل الذي مثل حلقة الوصل بين الثقافة القديمة والحضارة المعاصرة ولولا التراث الإسلامي الذي طفق الغرب بعد صحوته من العصور الوسطى يترجمه ويقدمه لمؤسساته المعنية بتطوره وتقدمه لم يكن بمقدوره - أي الغرب - الوصول إلى ما وصل إليه من تقدم تقني.
ثم كانت مرحلة أخرى بعد تلك الصحوة وحقبة الضعف الإسلامي وهي مرحلة التوجه للتراث الإسلامي برؤية مغايرة وهي المرحلة التي جسدها الاستشراق ومدارسه والتي توافرت على دراسة التراث العربي والإسلامي وتحقيقه وكان وراء هذا الاهتمام بواعث عدة منها ما هو ذاتي محض - وهو النادر - ومنها ما هو مرتبط بالهيمنة الاستعمارية وما زال شبح هذه المدارس الاستشراقية يتردد بصورة قوية وفاعلة وذلك في ظل غياب عربي وإسلامي رهيب، وذلك أن الغرب سعى إلى تفريق الأمة لأنه وجد ضعفاً فينا وقابلية لمثل هذا الضرب من صنوف الاستراتيجية الغربية - نعم لقد رسم الغرب بعد معاهدة سايكس بيكو المشهورة خارطة الدول العربية والإسلامية بما يخدم مصالحه ويعزز مواقعه فكان تقسيم الأمة الواحدة، وتبع ذلك أن أضرم نار الفتنة فأضحينا شيعاً وأحزاباً، ولقد قرأت مقابلة في إحدى الصحف العربية مع واحد من علماء الدين المرموقين في نظر مريديهم وأتباعهم بأن العدو الأول للتوجه الذي يؤمن به لا يوجد خارج الدائرة الإسلامية بل في داخلها ولهذا فعليه مسؤولية إعادة هذا التوجه النافر والذي ينطلق في أفكاره من المنطلقات الأساسية للأمة ولكنه يختلف معه في بعض الفروع وفيما لا يدخل في جوهر تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ولكنه ينحصر في قضايا فرعية ظلت الأمة تلوك القول فيها لقرون عدة وسوف تنقضي قرون قبل أن يفرض أصحاب الرأي الأحادي والمنغلق رأيهم بالقوة وإصرارهم على ذلك ولو أدى ذلك إلى القتال والتناحر.
هذا نموذج شائع في بعض مجتمعاتنا الإسلامية والعربية ولكنه النموذج المسؤول عن تشويه حقيقة الفكر الإسلامي الأصيل، فلقد كان علماء الأمة في العصور الذهبية من تاريخنا يختلفون في ساحة العلم ثم ينصرفون وهم يبتسمون ولا يحملون غلاً ولا ضغينة لبعضهم البعض، وعندما سئل الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن الخوارج هل هم كفار فأجاب: لا بل هم من الكفر فروا، ووصفهم في عبارة حبذا لو تمعن فيها بعض طلاب العلم الذين يحجرون على الرأي الآخر ويضيقون على إخوانهم وأشقائهم في الدين ما وسعه الله لهم - لقد قال الخليفة الرابع (بل هم - أي الخوارج - إخواننا بغوا علينا أو خرجوا علينا) ونسي هذا النفر الذي يضيق ويتجهم إن قلت له قال: أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل - رحمهم الله - يتجهم وجهه ثم يسألك ولكن محدث العصر قال بخلاف ذلك، أي محدث هذا الذي مهما أوتي من العلم لن يبلغ شأو صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين والأئمة من قرون الخير؟؟ مع أن أولئك الأئمة كانوا على درجة كبيرة من التواضع فهذا إمامُ دار الهجرة يقول في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يشير إلى مثوى سيد الأولين والآخرين كل منا يأخذ منا ويرد إلا صاحب هذا القبر يعني الحبيب والرؤوف الرحيم عليه صلوات الله وسلامه.
نعم لقد تناسى هذا البعض الذي لم يفق بعد من غفلته أن أئمة الحديث الكبار، رووا عن عمرو بن عبيد أحد أئمة المعتزلة الكبار والمعروف بتقواه وعلمه وورعه وزهده، حتى إن الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور قال: مخاطباً علماء عصره (كلكم طالب صيد إلا عمرو بن عبيد).
لقد نسي هذا البعض الذي يسعى بكل ما أوتي من قوة قفل باب الحوار وإعطاء الآخر - المسلم - حقه من إبداء الرأي الذي لا يتعارض مع أصول الدين ومنطلقاته.
نعم ولقد نسوا أن الإمام مالك بن أنس مع سعة علمه وعظيم فضله ورفض ما طرحه عليه خليفة المسلمين أبو جعفر المنصور من تعميم موطئه على جميع ديار الإسلام وعلل الإمام مالك رحمه الله توجهه ورفضه بأن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الأمصار، مما يعني رفض الإمام مالك فرض رأيه في الفقه والحديث على الآخرين آخذاً في الاعتبار طبيعة هذا الدين الحنيف الذي لم يفرض العقيدة قسراً على الآخرين ولهذا كان المجتمع الإسلامي من أكثر المجتمعات تسامحاً فعاش فيه أهل الملل الأخرى وفضلوه لخصوصيته تلك على إخوانهم في مللهم ونحلهم.
قبل الدعوة إلى الحوار مع الآخر علينا أن نوطن أنفسنا على إفساح باب الحوار والنقاش بين بعضنا البعض فذلك الأهم والأولى.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :602  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 444 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.