شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
توني بين وخلط إعلامي (1)
قامت قناة الجزيرة الفضائية باستضافة المفكر والسياسي البريطاني توني بين Tony Been وعندما أقول المفكر فإن الوصف ينطبق عليه كانطباق صفة السياسي على شخصه المثير للجدل لمدة تزيد على أربعين عاماً، إلا أن القناة المذكورة قدمته على أنه زعيم حزب العمال مع أن زعيم الحزب هو (توني بلير) الذي فاز قبل أشهر بدورة ثانية لرئاسة الوزراء في بريطانيا معيداً إلى الأذهان صورة هارولد ويلسون في الستينيات الميلادية.
لقد ورث (بين) عن والده لقب لورد في عام 1960م ولما كان النظام البرلماني في بريطانيا يحظر على من يمنحون لقب (لورد) تمثيل أي دائرة انتخابية في مجلس العموم فلقد دفع هذا العائق (بين) إلى الدعوة إلى سن قانون يبيح لمن يرث (لورد) عن والده أن يخلع مثل هذا اللقب، وبهذا تخلى (بين) عن إرث عائلة Wedywood ليصبح عضواً في مجلس العموم كبقية زملائه، ويبدو أن تخلص (بين) من سمة أرستقراطية بريطانية كهذه جعلته يبدو كنجم لامع في الأوساط السياسية والفكرية، كما دفعت (هارولد ويلسون) بعد فوزه بانتخابات 1964م إلى اختياره كمروج للأفكار العمالية بعد أن اكتشف في شخصيته القدرة الفائقة على الحديث والتعامل مع فن الكلمة مع أجهزة الإعلام، وهو الفن الذي أتقنه (ويلسون) نفسه وتمكن به من هزيمة اثنين من أقطاب الحزب المحافظ، وهما إدوارد هيث، وسير دوقلاس هوم.
عرف (بين) بتبنيه لمجموعة من الأفكار الهامة منها معارضته لانضمام بريطانيا للسوق الأوروبية المشتركة، وهو المشروع الذي تبناه (هيث) بعد معارضة فرنسية شديدة وكان الرئيس شارل ديجول يأخذ على بريطانيا تقديمها المصالح الأمريكية على المصالح الأوروبية مما جعل بريطانيا بسبب هذه الحيثية الفرنسية تظل خارج إطار الوحدة الأوروبية لمدة من الزمن، وكان حدس (ديجول) صادقاً إلى حد كبير، فما أن سقط هيث في عام 1974م وصعد نجم مارجريت تاتشر بدعم يهودي واضح حتى أضحت بريطانيا عبئاً على السوق الأوروبية المشتركة لارتباطها العضوي بالولايات المتحدة الأمريكية، ومثلت حقبة (ريجان - تاتشر) ذروة هذا التحالف، وهو ما دفع بالزعيم الجديد لحزب العمل توني بلير للتخلص من كل الوجوه التي تظهر ميلاً للجانب الأوروبي وكان آخر هذه الوجوه المميزة وزير الخارجية السابق روبن كوك الذي كان محسوباً على الجانب اليساري المعتدل وخصوصاً أنه عمل سكرتيراً لزعيم الحزب السابق نيل كينيك Neil Kinook والذي كان يحمل في شخصيته من المزايا أكثر مما يحمله (بلير) ولكن صلة (كينيك) الحميمية بالزعيم العمالي الأسبق مايكل فووت Michael Foot والذي كان يعد (بين) منتمياً إلى تياره وهو تيار عمل على تغيير المعادلة داخل الحزب والتي كانت على مدى قرون عدة تعمل على تغليب المصالح اليهودية على المصالح البريطانية.
بعد أن خاض (بين) معركة مع السياسي المعروف (دنيس هييلي) على منصب نائب زعيم الحزب في عام 1981م ومع خروجه مهزوماً أمام سياسي محنك مثل هييلي Healey استغل الإعلام البريطاني في عهد حكومة (تاتشر) هذا الحدث لتشويه صورة (توني بين) وخصوصاً أن (بين) كان يغرد خارج السرب بانتمائه فكرياً إلى التوجه اليساري وهو توجه مرفوض داخل المجتمع البريطاني المحافظ بجميع أطيافه.
وظل (بين) يمثل صورة مرعبة (لتاتشر) حليفة (ريجان) القوية ولهذا عملت على مشروع دمج بعض الدوائر الانتخابية وسقطت دائرة (بين) الانتخابية بسبب هذا المشروع، فلم تعد (بريستول) Bristol مركزاً مأموناً لشخصية مثل (بين)، ولكن (بين) عاد إلى البروز من تحت أنقاض الركام، عندما استطاع هزيمة نائب محافظ في دائرة شغر مركزها بسبب وفاة نائبها وكانت مفاجأة للتيار التاتشري بأن يحصل (بين) على أغلبية من الأصوات في قلعة من قلاع الحزب المحافظ.
لم يكن (بين) الذي كان على قدرة كبيرة من إتقان فن الحوار بلغة إنجليزية راقية تفوق أحياناً لغة أصحاب (الياقات) الزرقاء من المحافظين، مقبولاً عند يمين الحزب العمالي أما حظه داخل أوساط المحافظين فكان العداء السافر.
على رغم الاختلاف الكبير مع أفكار (بين) اليسارية، ولكنه ظل دائماً مع رفيقه الراحل (إريك هيفر) Eric Heffer يتعاطفان مع حقوق الشعوب المحتلة والمظلومة، فعلى رغم انتمائهما اليساري فلقد انتقدا التدخل السوفياتي في أفغانستان في بداية الثمانينيات الميلادية وهاجما الإمبريالية الغربية وكان (هييلي) Healey وزير خارجية الظل في الثمانينيات الميلادية أحد المنتقدين لهذه السياسة وهاجم هذا التيار الاندفاع (التاتشري) نحو الأفكار الأمريكية ومعاييرها المزدوجة، ورفعوا أصواتهم مطالبين بدولة فلسطينية مستقلة، وما زال (بين) مع زميله (جورج غالاواي) ونفر قليل يعمل على الدفاع عن الحقوق العربية المهدورة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :623  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 439 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.