شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الأوروبيون والخصوصية الثقافية (1)
أشار الأستاذ بدر الغانمي في افتتاحية ملحق الأمة الإسلامية بصحيفة عكاظ الجمعة (13/6/1414) إلى قصة الشاب العربي الذي يعيش في ألمانيا وأراد أن يضع دشاً فوق سطح منزله حتى يستطيع رؤية قنوات عالمية متعددة، لأن قنوات التلفزيون الألماني لا تلبي رغباته، ولقد فوجئ الشاب العربي بأن الأمر ليس بتلك السهولة التي كان يتصورها، فبداية كان عليه التقدم بطلب إلى الجهات المسؤولة حتى تنظر فيه، وبعد مدة أبدت تلك المرجعية الألمانية رفضها للطلب بحجة حماية الإنتاج الوطني والحفاظ على خصوصية الثقافة الألمانية، وهذا ليس أمراً استثنائياً خضع له هذا الشاب العربي وحده ولكنه إجراء يخضع له كل الذين يتخذون من المجتمع الألماني مقراً دائماً أو مؤقتاً لهم، ولعل هذه القصة تستدعي ما يحاول الفرنسيون - الآن - استثناءً من معاهدة (الجات) الخاصة بالتعاون الشامل بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول المجموعة الأوروبية، فالفرنسيون يريدون استثناءاً للقضايا الثقافية وهم يقاومون بكل قوة المد الإعلامي الأمريكي المتمثل في المسلسلات التي تنتجها (هوليوود) وتمثل ثقافة مختلفة عن ثقافة المجتمع الأوروبي، ومثلهم الإنجليز الذين ناقش - رئيس وزرائهم الحالي - (جون ميجور) في فترة توليه منصب وزارة الخارجية مع نظيره الأمريكي السابق (جيمس بيكر) ناقش وجوب وضع حد لغزو مسلسلات (دالاس) و(داينستي) للمجتمع البريطاني، والإنجليز حتى مع وجود هذا الغزو يفضلون رؤية (كورنشين ستريت) و(اميديل فارمز) و(كروس رودز) يفضلون رؤية هذه المسلسلات التي تعكس الثقافة الإنجليزية الشعبية على تلك المسلسلات التي تعكس حياة المجتمعات الأرستقراطية في المجتمع الأمريكي.
والأوروبيون أنفسهم على رغم تلك العلاقات السياسية والاقتصادية القوية التي تربط بعضهم بعضاً، وعلى رغم تلك الوشائج التاريخية التي تمتد في ذلك الماضي العميق، على الرغم من هذا كله فإن كل شعب منهم يرفض التحدث بلغة الآخر ويتمثل هذا بصورة واضحة عندما نرى الرئيس (ميتران) لا يتحدث إلا باللغة الفرنسية عند وقوفه على عتبة باب دواننغ ستريت، وكذلك كانت تفعل مارجريت تاتشر عندما تطأ أقدامها قصر الإليزيه في فرنسا، وهي - أي تاتشر - لم تجد ما تهديه في الذكرى المئوية للثورة الفرنسية سوى عمل الروائي الإنجليزي المشهور شارلز ديكنز قصة مدينتين، وكانت بهذا تؤكد - من وجهة نظرها - على أسبقية الثقافة الإنجليزية بالنسبة للثقافة الفرنسية وغيرها من الثقافات الأوروبية الأخرى.
ويتساءل المرء كيف يوصف دعاة الحفاظ على الهوية الإسلامية والعربية بالتعصب والإنغلاق في الوقت الذي تحمي فيه كل شعوب الأرض خصوصياتها من كل وافد ثقافي آخر، حتى لو كان هذا الوافد يرتبط مع نظيره بكثير من وشائج القربى وسمات الحضارة موحدة، كما هي الحال بين فرنسا وإنجلترا، أو بين فرنسا وألمانيا، ويزداد السؤال حدة عندما نعلم أن الذين ينكرون على البعض دعوتهم للحفاظ على ملامح الثقافة الإسلامية الأصيلة، عندما نعلم أن هذا البعض يريد أن يركب القطار الغربي بأقصى سرعة ممكنة، حتى وإن لم يعلم أين هي المحطة القادمة من رحلته هذه التي يمكن أن توصف في النهاية بأنها رحلة الضياع والتشتت، وهو ما لا يرتضيه أحد لنفسه أو لأمته أو لمجتمعه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :768  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 435 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.