شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
خالد سعود الزَّيْد.. بين إبداع الفكر وتهذيب النفس (1)
حمل إلي الزميل الدكتور جميل مغربي نبأ وفاة الأديب الكبير خالد سعود الزَّيد، وقد عدت إلى منزلي في تلك الليلة الرَّمضانية متسائلاً؟ لماذا هذه القطيعة الثقافية بيننا في ديار العروبة والإسلام، فالأديب الكويتي الكبير ((الزَّيْد)) تجاوزت كتاباته وإبداعاته حدود البيئة التي نشأ فيها، فالمرحوم - الزَّيْد - كان يحمل من هموم أمته ما يجعله جديراً بكثير من الحب والتقدير، وإن عزَّ تقديم ذلك في حياته، فلعلَّ مؤسسات الفكر في الخليج العربي - عامَّة - تحتفي برجل استمرَّ عطاؤه منذ بداية الثمانينيات الهجرية - الستينات الميلادية واستمر حتى وفاته قبل شهر رمضان المبارك من عام 1422هـ.
ولعله من المفارقات العجيبة أنني عرفت الأديب الزَّيْد في ديار الغربة وعندما كنت أحضِّر لدرجة الدكتوراه في الأدب العربي في جامعة مانشستر المعروفة بجامعة ((فكتوريا)) فلقد انتقلت مع نهاية عام 1982م من جامعة لانكستر إلى جامعة مانشستر - اضطراراً - فلقد أُحيل أستاذي البروفسور وليد عرفات إلى التقاعد المبكر، وقد انتقل ((عرفات)) من معهد الدراسات العربية والإفريقية بجامعة لندن بعد أن أمضى ردحاً من الزمن في تلك الدائرة العلمية التي تخرج فيها عدد كبير من رواد الكلمة في العالم العربي مثل الدكتورة سلمى خضراء الجيُّوسي على رسالتها النقدية حول التيارات الأدبية في الأدب العربي الحديث والتي صدرت عن دار بريل في عام 1977م، في جزءين، وتحمل هذه الدراسة التي قدمت باللغة الإنجليزية العنوان التالي: TRENDS AND MOVEMENTS IN MODERN ARABIC POETRY.
ودرس في الدائرة نفسها - أساتذتنا الدَّكاترة، منصور الحازمي، وحسن باجودة، وحسن شاذلي فرهود، وجميعهم ممن قدم عرفات لهم ما يستطيعه، فلقد كان حفياً بالطلاب العرب وحريصاً على تهيئتهم للعمل الأكاديمي والدراسة الجادَّة.
أغلق قسم الدراسات العربية والإسلامية بجامعة لانكستر والتي ظلت الكويت تموِّله لسنين عدَّة، ثم جاءت حكومة تاتشر المحافظة في عام 1979م، وكان من ضمن أولويات برنامجها الاقتصادي تخفيض المساعدات المقدّمة للجامعات البريطانية... ذهب عرفات وجاء إدموند بوزورث - محرر الموسوعة الإسلامية - فلقد حملت إليه أوراقي فقبلني طالب دراسات عليا على شرط أن أحصل على تزكية من وليد عرفات، وكان عرفات صعباً في تقديم مثل هذه التزكيات ولكنه فعل معي ونظر إليَّ يقول ((منذ زمن كان الأساتذة يسرقون طلاب بعضهم البعض)) وكان يشير بهذا إلى لقائي الأول بالبروفسور ((بوزورث)) في رحاب جامعة ((لانكستر)) حيث انعقد مؤتمر دراسات الشرق الأوسط، وكان من ضمن الحضور الأساتذة الكرام الدكتور محمد الهدلق، ومحمد السديس من جامعة الملك سعود.
لم أكن أعلم بالصلة الوثيقة التي كانت تربط الأستاذ بوزورث C.B.Bosworth برجال الفكر والأدب في البلد الشقيق الكويت، وكان القسم يعقد في كل فصل دراسي ندوات علمية يدعى إليها متخصصون في الأدب العربي من داخل بريطانيا وخارجها، من أمثال محمد عيسى صالحية، وديفيد وينز، والبروفسور ليْثم.
كان يوماً ممطراً من أيام الشتاء الشديد الوطأة على الجسم والنفس - معاً - ويبدو أنه شتاء عام 1984م - وكنا على موعد مع محاضرة للأستاذ خالد سعود الزَّيْد عن تطورات دلالات الأمثال العامية. ويبدو أن اهتمامات المرحوم الزيد بالأمثال تعود إلى حقبة طويلة فلقد ذكر الباحث الدكتور علي عاشور الجعفر في مقال له بصحيفة الوطن الكويتية ((10/9/1422هـ)) أن مفهوم الهوية الخاص بتراث بلده - أي الكويت - كانت مرتبطة مع ((الزَّيْد)) منذ زمن مبكِّر من عمره، وكان صدور كتابه ((من الأمثال العاميّة)) عام 1961م حدثاً متميزاً، جعل ناقداً مثل الدكتور سليمان الشَّطي يصف دور الزيد الذي قام به في جمع الأمثال بدور الرائد ((انظر: خالد سعود الزيد، نجم كويتي غاب عن سمائنا، الحلقة الثانية، الثقافي، الوطن الكويتية، 10/9/1422هـ)).
كان الأستاذ الزَّيْد بسيطاً في كل شيء في لباسه، وحديثه وصريحاً فيما يعتقد أنه حق من وجهة نظره، ولهذا أتحدث أمام الزملاء الذين كانوا يدرسون في قسم الدراسات العربية بجامعة ((مانشستر)) أنه منشغل بدراسة التصوّف الإسلامي، وذكرت أمام المرحوم ((كتاب الإمام المحاسبي)) (المتوفى سنة 243هـ) ((الرعاية لحقوق الله))، سألني - رحمه الله - متى قرأت الكتاب وأجبت كان ذلك في الحرم النبوي الشريف عام 1390هـ - 1970م، تبسم متعجباً، وأجاب في تواضع ((لم أسقط في هذا العلم إلا متأخراً)) أتذكر كلمته ذات الدلالة البعيدة ((أسقط))، وشاهدت أستاذنا الزَّيْد متأملاً سابحاً في عوالم الملكوت، وكانت هذه المسحة الإيمانية الفطرية مما ربطني به وكنت أزوره في المنزل الذي استقرَّ فيه ضيفاً على الجامعة البريطانية المذكورة، فلقد كان - رحمه الله - صريحاً إلى أبعد الحدود فهو متحمس آنذاك في بداية الثمانينيات الميلادية لإنشاء مجلس التعاون الخليجي ولكنه يسعى لأن يكون لبلده خصوصيته في كل شيء - وكنت أرى على عكس رأي بعض الزملاء أن هذا حق من حقوقه كمفكر وأديب ومواطن.
طلبت منه الورقة التي ألقاها علينا عن تطور الأمثال العامية، ونشرتها كاملة في مجلة الطالب الصادرة عن منتدى الطلاب السعوديين في بريطانيا، والتي تشرفت برئاسة تحريرها إبان رئاسة الزميل الدكتور عصام بن يحيى الفيلالي للنادي، وكان الزميل المؤرخ الدكتور محمد آل زلفة يعاضدني كنائب لرئيس التحرير، رغم مشاغله البحثية مع أستاذه ((سارجنت)) في جامعة ((كمبردج)).
ولقد حمدت للأستاذ الزَّيْد عطفه على طلاب من أرض فلسطين كانوا يدرسون في القسم، وهم من عرب 1948م، وكانوا يحملون حساً إسلامياً ووطنياً عربياً لم نكن نتوقع وجوده بينهم، وهذا من الأخطاء التي يجب معالجتها، فهؤلاء الأخوة رغم عيشهم داخل الكيان العنصري الإسرائيلي، إلا أنهم يشعرون بأنهم جزء من الوطن العربي - عامة - والأراضي الفلسطينية المحتلة - خاصة - وعندما أقرأ اليوم ما يكتبه ((عزمي بشارة))، وما يتحدث به عن قضايا الأمة - أدرك حجم هذه الثروة البشرية التي تعاني من العنصرية الإسرائيلية البغيضة ما تعاني، وأنها تحتاج لدعم عربي قوي ومشترك.
ويوم تحررت الكويت من الغزو الصدامي الغاشم، حل بأرضنا - موئل العروبة والإسلام - وفد كويتي رفيع، جاء ليقدم الشكر لحكومة خادم الحرمين الشريفين والشعب السعودي على موقفه النبيل إزاء أشقائه في الكويت، فقرأت في الصحف أن الأستاذ الزَّيْد، والذي كان - يوماً - رئيساً لرابطة الأدباء الكويتيين، كان من ضمن أفراد هذا الوفد الكريم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :698  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 432 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج