شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
دور المرأة في المسيرة التعليمية بالمدينة المنورة (1)
يَعْتُبُ الصَّديقُ المُهندسُ إبراهيم أبو مِزْيد بأنَّني نسيتُ دَوْرَ المرأة الفاعل في تاريخ المدينة المنورة - المعاصر - وذكرني بـ((حَوْشُ عَميرة)) - الذي كان يَقوم - في الحقبة الماضية - عند مَدخل باب قُبَاء، وأَمَام المسجدِ المعْروف باسْم مَسْجِد سيِّدنا عمر بن الخَطَّاب - رضي الله عنه - وكان آل مَزْيَد وبشير، والباز وعبد الحميد عبَّاس والسِّيسي والدَّعْجان، والحَلَواني ورزق، والسِّندي، وعُبيد - الأخوان معالي الدكتور رضا عبيد وأخوه طالب - ومقنص،وزيت حار ومرْزا والفنيكاني، والشريف السنوسي، والجزَّار والحجيلي والكردي والقِرَافِي، وغيرُهم يسكنون في داخل هذا الحوشِ، أمَّا آل شَيْخ، والزُّهدي والدَّردُوم، وناجي أفندي، فكانوا يَسكُنُون بالقرب مِنْ مَدْخله.
جُمْلة من النساء كان لَهُنَّ دَوْرٌ في حفْظ نظام ((الحوش))، وتنظيم حفلات الزَّفاف، و((الصِّرافة)) - حفلة حفْظ القرآن الكريم، والسَّرارة)) وهو مُصْطلَحٌ يعني مَنْ كان يقوم بأداء فريضة الحج لأول مَرَّة، ثم يعودُ للمدينة سالماً.
وأدركْتُ كما أدرك أخي إبراهيم - على رَغْم فارق السِّن بيننا - الأمَّهات. عائشة حسينية، وآمنة طلحة، وفاطمة رزقية، وآسية علي سليمان، وأم محمد أمين، وشمَّة بنت عماير، ودادة حسينة - رحمهن الله - وهذه الأخيرة تجاوز دورها حارتي قباء والعنبرية ليشمل المدينة جميعها،وكانت امرأة فاضلة - قادتها ظروف صعبة لتسْكُنَ المدينة وتحلُّ في دار آل ((عبيد)) وعندما تُوفي ربُّ الأسرة، احتضنت الطفلين رضا وطالب عُبيد، وقامَتْ على تربيتهما، وكانَتْ تُشْرفُ عَلَى دراستهما حتى تخرَّجا مِنْ الدِّراسات الجامعية وما بعدها فكانا مِنْ الصَّفْوة المثقفة في بلادنا الكريمة، ونشأت الأجيالُ في بلد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - تسْمَعُ بهذا المثل، يقول الأب لأبْنائه أو الأم لأبنائها ((خليكْ مثل وَلَدَ ((عُبيد)) شاطر في الدِّراسة))، وإذا كان جيلُنا سَمِعَ هذه العبارة في مقتبل عُمره - وترسَّختْ في ذاكرته فإنَّ السياق يدفعني لرواية هذه القصَّة: فلقد كنتُ أسيرُ بصُحْبة سليل النَّسب الطَّاهر، وأسرة العلْم والفَضْل في بلد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - معالي الصَّديق السيد الدكتور غازي بن عُبيد عبد الله مدني، كُنَّا نسيرُ سويَّة في رحْبة دارِه العَامِرة، فإذا هو يقول: لقد ذكرتُ مِن قبل: أننا نشأنا في المدينة وكان - أمامنا - مثلٌ في العصامية والجدِّ والاجتهاد وهو معالي الدكتور ((رضا عُبيد)) ولعلَّ البعض يَخْلِطُ عن غير قصْد بين أسرة ((عُبيد))، التي ينتمي لها الدكتور رضا وأخوه صالح وطالب، وبين أسرة السَّيد عبيد مدني وأخيه أمين - أبناء السَّيد عبد الله مدني - صاحب منتدى أم الشُّجرة، وأول فندق يُنْشأ في جزيرة العرب وكان مقرُّه - باب المجيدي، وبين أسْرة السَّيد أحمد عبيد المدني - الكاتب المعروف - والد إبراهيم طاهر - رحمهما الله - والسَّيدة ثريا أحمد عُبيد - مديرة دائرة الدول العربية وأوروبا في صندوق الأمم المتحدة للسُّكان - وهي أول امرأة تتولَّى هذا المنصب مِن منطقة الخليج العربي.
لم يَنْس رضا وطالب صنيع الخالة حسينة - رحمهما الله - فعندما دبَّ الوَهْن في جَسَدها الذي أفنته في رضاء الله وخدمة النَّاس كرماً وفضلاً منها، احتضناها كبيرة كما احتضنتهما صغيرين، وأبرَّا بها كما أبرَّا بوالدتهما التي كانت تسْكُنُ حوش عميرة - نفسه -.
كثير من شُجُون الحياة ينْمحي مِنْ ذاكرة الإنسان، ولكنني لنْ أنْسى خُروجي قبْل ظهر - كل يوم منْ دارنا لأصطحب كريمتي - الأكبر سنًّا - من الكُتَّاب الذي كان يقوم فيما يُعْرف بدكة التَّرجمان - أمام مبنى الإمارة ومسجد سيدنا بلال - رضي الله عنه - لقد كانتْ تذهب - صباحاً - لتتعلم القراءة والكتابة في كُتَّاب الأستاذة ((مغربلية)) - في وقت لم يبدأ فيه التعليم النَّظامي للمرأة في بلادنا - وهذا يَجْعُلني أميلُ إلى أنَّ كُتَّاب الأستاذة زينب مغربلي - التي فارقت هذه الحياة قبل شهور عديدة - كانت بدايتُه قبل حوالي نصْف قرْن مِن الزَّمنْ، وإنني أكتبُ وليس بين يدي من المصادر المتخصصة ما يُعينني على ذكر تاريخ إنشاء هذا الكتَّاب أو تلك المدرسة مُوثقاً، ولكنني عُدْتُ لأستاذ الجميع أمين مرشد - أطال الله بقاءه - الذي شهد بدايات النهضة التعليمية في بلادنا، وكان مساعداً لأستاذ الجيل السيد ماجد عشقي - في المدرسة التحضيرية الأولى التي أطلق عليها فيما بعد - اسم المدرسة المنصورية وأصبح الأستاذ مرشد مديراً لها، ثم مديراً للنَّاصرية، ونبَّهني الأستاذ ((أمين)) إلى أنَّ كُتَّاب فاطمة هانم في السَّاحة، وفخرية هانم في الشُّونة هما مِنْ أقْدم مراكز التعليم الأهلي للبنات في بلادنا، ثم أنشأت السيدة زينب مغربل، كُتَّابها في العنْبرية، ولقد كان الكُتَّاب يُعْنى بتعليم القراءة السَّليمة لكتاب الله الحكيم، وكان التركيز شديداً - على مادة الإنشاء أو التعبير كما أنَّ فتْرة الدِّراسة تمتدُّ - أحياناً - إلى وقت العَصْر.
أمَّا الأستاذة شرف علمي فلقد أنشأتْ مَدْرسةً نظامية وجلبت لها أستاذات مُتخصِّصات من بعض البلاد العربية، وكانت مدارسها - إنْ لم تُخني الذاكرة - في المشرفية بحي قباء، ولقد قدَّمت الدَّولة كُلّ التَّسهيلات للتعليم الأهلي في بلادنا، ونفخر اليوم بجهود الرئاسة العامة لتعليم البنات على مدى عدَّة عقود، أصبحت المرأة فيها على قَدَر كبيرٍ من الوعي والإدراك مما أهلها للمشاركة - بحسب ضوابط الشَّريعة الإسلامية - في النهضة الحضارية والفكرية والثقافية في مهبط الوحي ومهد العروبة والإسلام.
وإذا كُنَّا قد أتينا على دور المرأة في نشر العلم في عاصمة الإسلام الأولى، فلا بد من الإشادة بدور المرحوم السيد أحمد الفيض أبادي الذي أسَِّس مَدْرسة العُلُوم الشرعية التي تخرَّج منها عدد كبير من جيل الرُّواد من أمثال المشايخ والأساتذة، محمد الحافظ، محمد علي الحركان، عبد المجيد حسن جبرتي، محمد عمر توفيق، عبد العزيز الرَّبيع، أمين عبد الله القرقوري، أسامة وأنس ونعيمان عبد الرحمن عثمان، عبد الفتاح أبو مدين وغيرهم، ودور السيدين علي وعثمان حافظ اللذين أُنشآ مدرسة الصَّحراء بالمسجد والتي تخرَّج منها كذلك عددٌ كبيرٌ منْ أبناء قبيلة حرب العريقة، وذكر لي السيد زهير حافظ - أمدَّ الله في عمره - أن أخويه السيدين علي وعثمان استدانا من والدهما السيد عبد القادر حافظ - رحمه الله - ما يقرب من ((مائة جنيه ذهب)) عند تأسيس المدرسة، ولم يسددا البقية من هذا الدين إلا بعد وفاة والدهما الكريم، فهل هناك تضحية في سبيل العلم ونشره أكثر من هذه التضحية، ولقد كان رائدهما في ذلك طلب الأجر والمثوبة من ربِّ العباد.
ولا بُدَّ من التنويه كذلك بدوْر الأستاذ عادل عمر - أمدَّ الله في عمره - الذي أسَّسَ مدرسة النجاح، ولقد اتخذ من منزله - عند تأسيسها - مقرًّا لها، حتى استقام كيانُ هذه المدرسة الرَّائدة، واحتضنتها الدَّولة برعايتها كغيرها من المؤسسات التعليمية الأهلية، وإنها مناسبة كريمة أن نشيد بدور نساء فاضلات، ورجال كرام في المسيرة التعليمية في هذا البلد المعطاء، وأتْرُكُ بقيَّة الحديث لكاتباتنا الفاضلات، سهيلة حمَّاد، نورة الخريجي، وفاء الطيب،وسميرة مغربل.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :621  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 427 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.