شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الغربُ بين البراءة والمصلحة في جَمْع المعلومات (1)
قد تكون قضية الكاتب المصري سعد الدِّين إبراهيم - والذي يَحْملُ جنسية أمريكية قد أُغلق ملفها، وقد يكون الرجل بريئاً وأن إغلاق المركز الذي يحْملُ اسم المفكر العربي - ابن خلدون - قد أحدث ضجَّة صحافية تجاوزت الحد المعقول في مثل هذه القضايا.
ولكن يبدو للبعض أنَّ وضْع الإصبع على هذه القضية قَدْ فَتَحَ الباب على مصراعيه لمناقشة قضية هامَّة، وهي دور المؤسسات الغربية في رصْد الأحوال الاجتماعية والاقتصادية للعالم العربي، ليس رغبة - بطبيعة الحال - في رفع مستوى الفرد العربي فكرياً واجتماعياً بمقدار الاستفادة الذاتية المحضة في الهيمنة التي يمارسها هذا الغرب على هذه البقعة مِن العالم التي احتلها عسكرياً ولم يُخلِّف وراءه بعد تلك الحقبة المظلمة في تاريخ العلاقة بين العالمين العربي والإسلامي من جهة والغربي منْ جهة أُخرى، لم يُخلف سوى سفك الدِّماء الذي يُبَرهن على أن الغرب يؤمن بالعدالة وحقوق الإنسان والمُساواة عندما يكون هو المستفيد منها على مستوى الفرد والمجتمع، ولكنه لم ولن يَعْبأ بهذه العدالة وما سواها من قيم ومفاهيم عندما يتصل الأمْر بالهندي الأحمر الذي طُرد مِنْ أرْضه قسْراً، والإفريقي الذي لم يمتهن كرامته أحد كما أمتهنها هذا الغربي، أو العربي الذي اغتصبت أرضه في فلسطين وكتبَ عليه أن يعيش لاجئاً يفترشُ الأرض ويلتحف السَّماء، ولن تغيب عن ذاكرتي صورة رئيسة الوزراء البريطانية السابقة - مارجريت تاتشر والتي قامت في عام 1985م بزيارة مخيَّم للاجئين الفلسطينيين في الأردن، بعد أن زارت الكيان الإسرائيلي وذرفت الدُّموع على إخوانها اليهود الذين قُتِلُوا على يد الحركة النازية العنصرية، وشوْقاً لدائرتها اليهودية ((فنشْلي)) في المملكة المتَّحدة، ولأبنائها المدلَّلين في حكومتها من اليهود الملتزمين، منْ أمثال مُعلِّمها الروحي كييث جوزيف الذي أوْصَلها لعتبة ((10 دواننغ ستريت)) ووزير عملها المليونير الصهيوني ((ديفيدينغ)) ووزير خزانتها الملتزم بحرفية التوراة ((نايجل لونسون)) ووزير داخليتها الذي يحمل في قلبه ضغينة للعرب والمُسْلمين اللورد ((ليون بريتين)).
في تلك الزيارة التي نقل أحداثها ومشاهدَها التّلفزيون البريطاني، اصطفت النساءُ العربيات وقُمْن عن حُسْن نيَّة بتقبيل يدها، فلم يخفق لها قلب، ولم يرف لها جفن، وعندما وصلت لبريطانيا رفضت استقبال شخصيتين فلسطينيتين أحدهما مسيحية وهو الرَّاحل الياس فريح، والآخر مُسْلم وهو محمد ملحم زاعمة أنهما إرهابيان لمجرّد دفاعهما عن حقهما المشروع - وحق الملايين - من أبناء الشعب الفلسطيني - في أن يكون لهما وطنٌ وراية ومطارٌ وعُملة.
ورفضت ((تاتشر)) - آنذاك - ووزير خارجيتها السّير ((جيفري هاو)) أن يكون الرجلان - كما جرى اتفاق بذلك عند زيارتها للمسؤولين في الأردن - ضَيْفي دواننغ ستريت على قطعة من ((الكيْك الإنجليزي)) الزَّهيد الثمن وفنجان من القهوة يقومان بإعداده شخصياً - على طريقة اخدم نفسك بنفسك))، والأدهى من ذلك أن الرَّفْض طال إيجار يوم وليلة في ((الدور شيستر)) بعد التعهد البريطاني المسؤول بالدَّفْع، وقامت سفارة عربية بحفظ ماء وجْه الرّجلين، ولم يستقبلهما سوى مبعوث أسقف كانتربري، وقد تعرَّض لنقد لاذع من الإنجليز الصَّهاينة ومنْ يهود فنشلي وليفربول حتى وزير الدولة اليهودي في مكتب الشؤون الخارجية ((مايكل ريفكند)) وجَدَ الجوَّ ملائماً لنفث سمومه. ولكن تاتشر كانت كريمة إلى حدٍّ كبير مع الإرهابي شامير ومنْ قبلها جيمس كالاهان المعجب بشخصية مذبحة دير ياسين ((مناحيم بيغن))، أما سلفه ((هارولد ويلسون)) فقد كان يرفض مقابلة أي مسؤول عربي من وجهة نظر صهيونية بحْتة.
كان الغرب يقيم مراكزه التي تتجسَّس على المصالح العربية بصورة متنكرة ومنْ هذه المراكز مدرسة ((شميلان)) في لبنان التي كان يتعلم فيها منسوبو وزارة الخارجية البريطانية اللغة العربية قبل تسلمهم مراكز في هذه الوزارة ولقد كان الجاسوس المزدوج الولاء كيم فيلبي، والذي كان يُشكِّل مع بعض الأسماء التي كشفها صاحب كتاب ((صائد الجواسيس)) بيتر رايت، وهم:
Maclean Donald; Anthony, Blunt; Guy Buryess، ما عُرف بعد باسْم حلقة كيمبردج التجسسية، نعم لقد كان فيلبي، منْ روَّاد هذه المدرسة لفترة من الزَّمن، ثم إن ظهور بعض الوثائق أخيراً دلَّلت على أنَّ رحَّالة بريطاني مثل: ريتشارد بيرتون، وآخر هولندي مثل: سنوك هورخرونيه كانا على اتصال بالمؤسسات العسكرية والأمنية في بلادهما، ولقد كرَّمت الحكوماتُ الغربيةُ بَعْضاً من هؤلاء الرَّحالة، ((فسنوك)) مثلاً عُيِّن في عام 1889م، مستشاراً لحكومته في جَاوة للشؤون الشرقية والإسلامية، ولقد أمضى عقداً كاملاً من الزَّمن في هذا المنْصب الرَّسمي الهام.
إنَّ الخيط رقيق للغاية بين ما يمكن أنْ يدخل في باب البحث العلمي المحض، وبين ما تمتد الأيدي الغربية الخفية لتمويله في بلدان عربية وإسلامية عديدة تحت دعاوى تأسيس المجتمع المدني، والدَّعوة للنهوض بمعايير الممارسة الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، إنها عناوين عريضة لقضايا إنسانية تهم كُل إنسان، ولكن متى كان الغرب ومؤسساته وكليات دفاعه المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمؤسسات الأمنية، حريصاً على تحقيق هذه المفاهيم على أرْض الواقع، إن حرْصه يتبدَّى فقط في مصالح ربيبته المُدلَّلة ((إسرائيل)) وما يجمعه من معلومات عن و اقعنا يُقدِّمها كهدية ثمينة لها.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :710  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 425 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.