شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أدبياتُ الحِوَار وفَصَاحةُ النُّخبة
كما أنَّ العرب يتحدَّثون عن عصر سَمَتْ فيه بلاغتهم وتهذَّبت فيه لغتهم، ونُصِبتْ فيه المنابر للشُّعراء ليُبْدعوا وللخُطباء أن يعظُوا كما ضُربَتْ فيه الخيامَ للنُّقاد أن يحكمُوا، وهو أمر شهدته عصورُ الازدهار في الأدب العربي بدءاً من العصر الجاهلي ومروراً بالعَصْر الإسلامي وانتهاء بالعَصْر العبَّاسي فإن للأمم الأخرى ضروباً من فصاحة القَوْل التي يمكن تصنيفها في باب ما يذهب مثلاً شارداً وقوْلاً يجرى على الألسنة عندما تستدعيه مناسبة أوْ يتفتَّق عنهُ الذّهن لحدثٍ مِنْ أحداث الدَّهر.
ويأتي الإنجليز في مقدمة الأمم التي لا تقتصر البلاغة عندهم على تشوسر، وملْتُون، وشكسبير، وديكنز، و: ت.س. إليوت ولكن نلحظها عند تلك النُّخبة التي تجلس في الصُّفوف الأمامية والخلفية في مجلس للحوار والمناقشة وتبادل الرَّأي فيما ينفع المجتمع ويُحدّد مستقبله، وكان أول ما استرعى انتباهي أن هذا التَّجوْيد في فنّ القوْل والإبداع في لغة الكلام المُرتجلَة لا يقتصرُ على أصحاب ((الياقات)) الزَّرقاء مِن المُحافظِين، ولكنه يشمل كذلك الفئة التي تجْلسُ على يَسَار المُتحدِّث باسْمِ مجْلس العموم ممَّن اختارُوا لأنفسهم مُنْذُ عهد زعيمهم الأول ((رامزي ماكدونالد)) اسْماً اجتماعياً محبباً وهو ((العُمَّال)).
وكان زعيمهم في أواخر الخمسينيات رجلاً يختصر التَّعبير الإنجليزي مواهبه في المصطلح المعروف States Man)) - رجل دولة - ويحمل المصطلح في طيَّاته قدرة الزعيم على القول المؤثر، واللفتات الذكية في الحوار، وكان هذا الزعيم الذي ينتمي لما يعرف عند القوم باسم ((يمين الحزب)) هو ((هيو جيتسكل))، وحدث أن فاز أنصار منافسة في الحزب ورائد اليسار فيه ((بيفان)) (Bevan Aneurin)، بقرار يدعو إلى جعل بريطانيا دولة غير نووية - وكان ذلك في وقت مضى - ممّا أثار مشاعر ((جيتسكيل)) فانتظر إلى اليوم الذي ينصت فيه أعضاء الحزب لما سوف يقوله زعيمهم، فإذا بالرَّجل يختم خطابه بهذا القول الذي ذهب مثلاً في بريطانيا إلى اليوم وهو ((سوف نقاتل، ثم نقاتل، ثم نقاتل، حتى ننقذ الحزب الذي نحب))، ولكن القدر لم يمهل ((جيتسكيل)) طويلاً فمات فجأة، فافتقده في المجلس محبوه ومناوئوه على حد سواء، فخلفه في زعامة الحزب ((هارولد ويلسون)) وتصف ((تاتشر)) قدرته في الحديث على أنه كان بمقدوره أن يخترق مسام جسد الزعيم المحافظ ((هارولد مكميلان)) في إشارة إلى مواهبه في الحديث والتي كان من أبرز ما يميزها النكتة ذات المغزى العميق، وقالوا إن ((ويلسون)) إذا لم يجد من يوجه إليه ((نكاته)) السياسية، فإنه على استعداد أن يجعل الآخرين يضحكون عليه، ولا يزال الاستشهاد جارياً بقوله المعروف ((إن يوماً في عالم السياسة يعتبر طويلاً))، في إشارة إلى ما يمكن أن يتبدل أو يحدث عند صانعي القرار استجابة لمتطلبات السياسة وما يتصل بها.
وكان من ذكاء ((ويلسون)) أنه استقال في أوج مجده السياسي عام 1976م، ولم يعرف أحد بقراره، ودخل المجلس وخاطب المتحدث باسم مجلس العموم وكان واحداً من المعجبين بـ((ويلسون)) وهو ((جورج توماس))، لم يبتسم - يومها - ((ويلسون)) كعادته، بل كانت دمعة تطفر من عينيه وهو يقول ((مستر سبيكر)) لقد قاربت الستين من العمر، وقضيت في رئاسة ((دواننغ ستريت)) ثماني سنوات، وأتى الوقت الذي يجب أن أفسح فيه لزملائي أن يصعدوا السلم من بعدي))، وحمل ((هارولد ويلسون)) غليونه، ثم لوح بيديه لأعضاء المجلس، وتركهم حيارى، وكان هذا هو الفرق - بين زعيم محنك - مع أنه صهيوني التوجه - مثل ((ويلسون))، وبين زعيمة قوية مثل تاتشر التي حملها موقف زميلها في الحزب ((مايكل هزلتاين)) على الاستقالة قسراً، وقال لها في أدبه السياسي الكبير ((لورد كارنجتون)) لقد حان الوقت للرحيل.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :703  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 424 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.