((الدوافع الدينية والسياسية خلف وعد بلفور))
(1)
|
كَشَفَ أستاذُ التَّاريخ المُعاصر في جامعة ويلز البريطانية البروفسور ((ويليام روبنشتاين)) بأن كاتب المسودة الأخيرة للوثيقة البريطانية هو ((يهودي سري)) لعبت هويته الدينية دوراً هاماً في اختيار نص مُحْكم ينسجمُ مع طموحات الحركة الصهيونية في تحقيق حلم وطن لليهود في فلسطين، هذا الرجل هو ((ليوبدلد أميري)) (Amery)، المستشار السياسي لوزير الخارجية البريطاني السابق ((آرثر بلفور)). |
انظر، صحيفة الحياة، الاثنين 15 مارس 1999م)). |
ويذْكُر ((بلفور)) الذي كان وزيراً للخارجية البريطانية - آنذاك - أنه قَبْلَ صدور القرار التاريخي المعروف دعا - أيْ - بلفُور - كُلاً منْ لورد ((روتشيلد)) Rothshild، والبروفسور ((وايزمان)) Wieizman - وكلا الرجلين صهيوني - إلى تقديم مذكرةٍ عن المطالب الصهيونية، وعلى ضوء هذه المذكرة، صدر ما يعرفُ باسم وعد ((بلفور)) الذي صدق عليه مجْلسُ الحرب البريطاني في 21 أكتوبر 1917م، وإذا كانت المذكرات الشخصية للسياسيين البريطانيين تشير إلى أن الوعد كان نابعاً من قلْب الحركة الصهيونية فكرة وصياغة وجاءت المُوافقة عليه بصورةٍ سريةٍ مِِنْ المصادر الرسمية التالية: |
ـ الرئيس الأمريكي ((ويلسون)). |
ـ زعماء الحركة الصهيونية. |
ـ ممثلو الجمعية اليهودية - الإنجليزية. |
* فإنه أيضاً من المفيد الإشارة إلى الخطوات العملية التي اتخذتها الحكومة البريطانية - آنذاك - والتي من شأنها تقوية واستمرارية اللوبي الصهيوني. |
* إنْشاء فرع للدعاية السياسية اليهودية في وزارة الخارجية البريطانية، ويخضع هذا الفرع في إدارة شؤونه للحركة الصهيونية. |
* العَمَلُ على نشر وتوزيع مواد دعائية فيما يختصُ بإنشاء وطن قومي لليهود داخل التجمعات اليهودية في جميع أنحاء العالم. |
* تكوين لجنة رسمية من الدّكتور ((وايزمان)) Weizmann وإرسالها لفلسطين لمتابعة خطوات إنشاء الوطن القومي. |
وقد قام الجنرال اللنبي General Allenby، بتسهيل مهامِّ هذه اللجنة في أرض فلسطين. |
لقد قدمت الحكومات البريطانية المتعاقبة والتي رأسها كل منْ ((رامزي ماكدونالد)) و((تشرشل)) و((كليمنت أتلي)) و((أنتوني إيدن))، و((هارولد ويلسون))، قدمت كل ما تستطيعه من مساعدات مادية ومعنوية، لتثبيت دولة الكيان الصهيوني في أرض فلسطين، متغافلة في الوقت نفسه - عن الوجود الفلسطيني كشعب له تاريخه وحقوقه وتطلعاته. |
ولعل العامل الرئيس خلف المواقف الغربية المناصرة للحركة الصهيونية يعود بالدرجة الأولى إلى الدور الذي لعبه اليهود أفراداً وجماعات في الدعاية لقضيتهم داخل المجتمعات الغربية - نفسها - تلك الدعاية التي كانت وما زالت تلتزم بالجد والحزم واليقظة، وعدم التنازل، ولقد كان الغياب العربي كبيراً عن مسرح السياسة العالمية في تلك الفترة التاريخية، بينما كان الوجود الصهيوني يملك وسائل الاتصال والتأثير، ولعل ذلك يتجلى بصورة واضحة عندما ننظر في مضمون الرسالة التي بعث بها ((وايزمان)) إلى ((بلفور)) في 31 مايو 1918م، والتي يحث فيها الإدارة البريطانية التي كانت تشرف على شؤون فلسطين، على اتخاذ الخطوات الكفيلة بمنع ((العرب)) من الاقتراب من الشؤون السياسية للمنطقة،ووصفهم بسمات الغدْرِ والخيانة، وذلك لأن الحركة الصهيونية كانت تعلم - جيداً - بأن العرب هم - وحدهم - الذين يعرفون الأرض الفلسطينية، ويتقنون لغتها ويفقهون عاداتها وتقاليدها، وأنَّ ذلك يعود - بلا شك - إلى انتمائهم الفطري لها وارتباطهم التاريخي بها - منذ - أقدم العصور. |
لقد تمكنت الحركة الصهيونية خلال الفترة الزمنية 1930 - 1940م، من تقوية مواقعها تدريجياً داخل أروقة السياسة البريطانية وعلى وجه الخصوص ضمن دائرة الحركة العمالية البريطانية حتى استطاعت في نهاية الأمر أنْ تكون عاملاً فعَّالاً في المسارات التي تنتهجها هذه الحركة العُمَّالية، ويُمْكن التدليل على هذا التغلغل الرهيب من خلال فقرات القرار المُنْحاز إلى اليهود انحيازاً واضحاً - والذي اتَّخذته اللجنة التنفيذية لحزب العُمَّال في سنة 1944، ثم تبناهُ الحزبُ في اجتماعه السنوي استناداً إلى القرار السابق الذي اتخذه الحزب بالأغلبية، كما أن الحركة الصهيونية أخذت في نشاطها السياسي - المعروف - لتسهيل مهمة صُعود حزب العُمَّال إلى سُدة الحُكْم في بريطانيا،وهذا ما حصل فعلاً في عام 1945م، حيث تغلب العماليون على المحافظين بأغلبية ساحقة وهو الحدث الذي عبر عن فرحته واغتباطه به، الإرهابي المعروف ((مناحيم بيغن)) ترجمة وتقديم ((معين أحمد محمود، ط2، بيروت، 1403هـ، ص 25)). |
ولم تمض مدة طويلة على استقرار رئيس الوزراء العمالي Clement Attlee ((كليمنت أتلي)) في ((10)) دواننغ ستريت حتى كتب إليه الرئيس الأمريكي ترومان في أغسطس 1945م طالباً منه - حالاً - تسهيل مهمة هجرة عشرة آلاف يهودي إلى فلسطين، ولقد شجع هذا الدَّعم البريطاني - الأمريكي الفصائل الصهيونية مثل ((الهاغاناة)) “Hagana” والأرغون، Irgun على ارتكاب أعمال إرهابية ضد الوجود العربي والمصالح البريطانية على حد سواء في فلسطين، ومنها تفجير فندق الملك داود في القدس وقتل ما يقرب من مائة شخص بين عرب وإنجليز. وعندما قامت الحكومة البريطانية بسحب قواتها من فلسطين، كان مجموع من قُتل على أيدي العصابات الصهيونية من الإنجليز أنفسهم بين سنوات 1945 - 1948م ما يقرب من ((340)) شخصاً، إضافة إلى ما تحملهُ الآخرون من أفراد الشَّعْب البريطاني بلغ مقدارها ((100)) مائة مليون جنيه استرليني، وكان ذلك نتيجة للسياسة المُنْحازة التي انتهجتها الحكومات البريطانية المتعاقبة في سبيل إنشاء وطن قومي لليهود على حساب الحقوق العربية والمسلمة. |
|