شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((سَيِّدُ الكلمة المُرْتجلة..محمد حُسين زيْدان)) (1)
لنْ أنْسى يوماً مِنْ أَيَّام النَّشأَةِ في البَلَدِ الطَّاهر، حيْثُ المقامُ الذي تهْفُو إليه قلوبِ المحبينِ، هنَاك مَرْقَدُ خَيْر مِنْ وطأَ الثرى وتحدَّث بالكلام بليغاً وفصيحاً، القائل ((أنا أفصحُ العرب بيد أَني منْ قريش)) - عليه صلواتُ الله وسلامُهُ - ولا أعلم أينَ يفرَّ أو يَهْرُبُ زميلُنا الدكتور حمزة المزيني، منْ هذا الأثر الصَّحيح؟ وهو لا يفتأ يُقلِّل من شأن اللغة التي نزل بها القرآن مدعياً في جفوة غريبة أنها ليست الأفصح، ولكن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية كما قال صاحب اللغة الممتعة والرَّشيقة الدكتور طه حُسين، نعم لن أنْسى اليوم الذي همس فيه في أذني أستاذنا محمد حميدة - أطال الله بقاءه - هلا قرأت ((سيرة بطل)) للأستاذ الزَّيدان فإذا أنا أسلُكُ الدَّرْبَ منْ باب ((جبريل)) إلى برحة باب السَّلام، حيث تقوم مكتبة الشيخ عبد المحسن - رحمه الله - وأخرج ممَّا أدخره من مصروف الدراسة، وانطلق مسرعاً ((للصفة)) في المسجد النبوي الشريف ولم يكن - يومها - يسألك أحدٌ لماذا تقرأ كتاباً هنا؟
ترى هل كان الناس من اتساع الأفق ورحابته، فلا يسألونك كذلك لماذا أطلتَ الوقوف أمام المقام مُسلِّماً؟ لماذا تقفُ متأدِّباً - وأنت الذي تنطق بالشهادتين مُوحِّداً ومُوقناً - أمام المُواجهة الشَّريفة، ولماذا يضيِّقون واسعاً، ويحجرون على رأيك، وكيف يتأتى للأمة أن تجتمع كلمتها ما دام البعض يقف عند ظواهر الأمُور ولا ينفذ إلى الجوْهر والحقيقة.
قرأت سيرة بطل، فإذا الأستاذ ((الزيدان)) يكتبُ عن مواقف مؤثرة لصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محبَّتهم لبعضهم البعض، أدبهُم، تسامحهُم، إيثارُهم الآخرين على أنفسهم، وكان الجرْسُ في عبارات ((الزيدان)) رحمه الله قوياً،وهو جَرْسُ شبيه بعبارات أديب العربية الأستاذ مصطفى صادق الرَّافعي، أو المهذار الأصم كما كانوا ينعتونه، ولم تأخذني دهشةُ عندما أخبرني ((الزيدان)) في حياته أنَّه رثى صاحب ((وحْي القلم)) و((تحت راية القرآن))، و((المساكين)) و((أوراق الورد)) بكلمة نشرها حيث نشأ في صحيفة المدينة المنورة - التي تُذكرُ بدور الرَّائدين السَّيدين علي وعثمان حافظ - رحمهما الله - فإذا ((رِسَالة)) أديب العربية الكبير أحمد حسن الزيات تنشُرها - نقلاً - عن صحيفة البلد الطيب والتربة الزكية المباركة يقول سيِّدُ الكلمة المرتجلة كما نعتهُ الأديب الدكتور ((عبد الله منَّاع)) عن ((الرَّافعي)) ورجُلُ الإيمان والفضيلة الرَّافعي، يكتب بإيمانه وعقيدته ليُدافع عن إيمان الأمَّة، ويثبِّت إيمان الأمة وعقيدتها، فتسير بنور الإيمان ثابتة العقيدة، طاهرة المبادىء، جريئة في الحق، صريحة في نبذ الباطل، يفعلُ هذا لأنَّ فيه طبيعة المسجد، وشيوخ المسجد، ولأنَّ فيه أثراً من وراثة الأسرة المجيدة والبيت الرَّفيع (2) .
ويقول في موضوع آخر من المقالة نفسها ((والآن هو ميتٌ نُسمعهُ أنين الحزن، وبكاء المتألم، وطفق أحدنا يبكي ويقول: لكمُ العزاءُ في الرَّافعي))، فقد حرمنا - نحنُ - النَّاشئة أديباً كبيراً تعلم من البيان، والأدب العالي، والنبل، والفضيلة)).
لا بُدَّ أن الأستاذ الزيدان كتَبَ هذه المقالة، وهو يستعيد ذكرياته بين حلقات العلم في جامعة مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه حلقة الرجل الذي تبنَّاهُ وتبنَّى معهُ السيد أحمد عبيد المدني، والشيخ صلاح الدين عبد الجواد - رحمهم الله جميعاً - إنه الشيخ عبد القادر الشَّلبي - رحمه الله - أدركت داره في حارة الأغوات، حيث كان يسْكُنُ ابنُهُ سعيد - رحمه الله - وحيث كان يقيم زين الشَّباب في مُنعطفات الحارة، وبالقرب منْ ((عينها)) الصافية، المرحوم أحمد شلبي،الصديق الأثير لبقية النَّاس في البلد الطيب الشيخ إسماعيل مصلوخ.
حدِّثني - يا أبا أسعد - أين ذهبتْ حلقاتُ ((القشاع))؟ وكيف اختفت الأصوات النَّدية منْ منائر المسجد؟ أين حسين وعبد الستار بخاري، ومحمود نعمان، والسيد عبد الرزاق نجدي، والسيد هشام غباشي، حدِّثني - يا أَبتاهُ - لماذا غابت البسْمةُ عن الشِّفاه؟ والفرحة عن القُلُوب؟ والمشهد الجميل عن العيون؟ وأين القاماتُ الرَّفيعةُ صاحبة الثياب المُنشَّاة))، والعمائم ((الصَّفراء))، هناك - يا أبتاهُ - ضمَّتهم الرَّبوة، واحتضنتهم ذرات التُّرْب الطاهر.
لم يكن الشيخ ((الشلبي)) الوحيد الذي جلس إليه الأستاذُ الزيدان، فلقد كان - رحمه الله - نهماً في العلم، يطلبه أيضاً عند المشايخ - ألفا هاشم، ومحمد العائش، وأبي الطيب الأنصاري وغيرهم، ثم تحينُ اللَّحظة الحاسمة في حياة الأستاذ، هذا الشَّيخ حسن موسى - رحمه الله - صديق للشيخ محمد سرور الصبَّان، والشيخ عباس قطَّان، وكان أيضاً ((العُزْوة)) والمرجعية لأهْل مكة الذين جاوروا حُبًّا في سيِّدي - رسول الله صلى الله عليه وسلم - يلمح الذكاء ويدركُ الفطنة في الشَّاب الطلعة، يأخذُ بيده ليعمل عند رجل من كبار أهل سوق الليل، والشَّعب في مكة، الشيخ ((حامد عبد المنان)) - رحمه الله - وعرف الزيدان في مهبط الوحي ما عرفه في موئل الهجرة، فإذا هو النَّسابةُ في ((الحجاز)) حاضرة وبادية، ولقد كان ينشدُ الشعر الفصيح، فتعجب من ذاكرة رجل في الثمانين، وكأنه ابْنُ العشرين - ربيعاً - ويحفظ بحكم نشأته في ((حوش خميس بالمدينة)) حيث مضاربُ البادية من قبيلة ((حرب)) العريقة وغيرها، فإذا هُو يسأل الشيخ الرَّاوية عبد الله بن خميس، عن أبيات رائعة تصوِّر خلافاً دبَّ بين مشايخ ((الأحامدة)) في الحقبة الماضية.
تقول هذه الرِّواية النَّبطية الجميلة والمقروءة:
الله منْ جُرْح لجى في الحشا ما احتملَهُ
لاهُو اللي يبّرا، ولا ودي يبين
منْ خوف يعملَه دوا، مينْ كُلِّ علة
لاوين يا حلال عبور المستحين
كان ((الزيدان)) يعلمُ أن القائِل هو الشيخ ((حذيقة)) - رحمه الله - وأن مَنْ أجابَه - عَنْ ألمه وحُرْقته - هو الشيخ ابن ((مطلق)) والذي رفع صوته في ((الفِقْرة)) و((رحقان)) و((عرقوس)) قائلاً ومُجيباً على ابن أرومته:
إنْ كانَ جُرْحك في الحشا ما تحْتملَهُ
داوهْ بما داوى به جُرُوح الأوَّلين
إطحلَّهُ ((المرْمُول)) ثم علّه
ضيم الرَّفاقة باحَ سَدَّ المُسْتحين
ولعلِّي لا أجدُ ما أختمُ به هذه الكلمة إلا عبارات أنقلها من كتاب تلميذه الوفي الذي بادر فَنَشَرَ عنه سفْراً رائعاً وهو ((الزيدان)) زوربا القرن العشرين)) فكان الوفاءُ والنُّبْل والإخلاص مِنْ أبي وجْدي ((عبد الله جفري))، لأستاذه ومعلمه أبي فيصل ((الزيدان)) - رحمه الله -.
يقولُ السَّيد الجفري ((حين توقف الزيدان)) عن إملاء كلماته، فإنَّه لم يتوقف عن صياغة الكلمة، يقولها، ينثرها، يجيب بها عن أسئلة منهمرة عليه لا تتوقف عن استفتاء رأيه، ورجاحة حكمته، كان ((جواهرجي)) كلمة، لا يقدر أن يسكت، فإذا سكت كان - كما عبَّر يبلور فكرة في رأسه تشغله حتى تضنيه، وينشغل بها حتى يسْكبها مثل عقْدٍ مَنْ اللُّؤلؤ!، ووجدتهُ يحنُّ، وينسكبُ كقارورةٍ ((عطر))، وإذا به يصفُ ((الليلَ)) في ((رمضان))، عندما كان فتىً وشاباً، وينطق شجونه بصوت أفراح الماضي ورائحة ((الفاغية))، ((زهْرةُ الحنَّة))، والنَّمام،والفُل، ومنظر الأطفال والفتْيان، والرِّجال، وهم يسيرون في الليل جماعات، كل فريق يذهب ليتحلق حول البيوت، وينشدون الأغاني الجماعية (3) .
وإذا كُنَّا لم نوفِّ جيل الرُّواد حقَّهُ في حياته، فما أجدرنا - اليوم - شداة الأدب وناشئة الفكر، بالذكرى والتّذكُّر، في حقِّ مَنْ أنارُوا الدَّرْبَ في زمن العتْمة، ومهدوا الصَّعْبَ مَنْ المسالك بنورِ العلم وضياء الفكر والأدب.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :915  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 421 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج