شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الهولوكوست قضيةٌ سياسيةٌ أمْ عقيدةٌ دينيّةٌ (1)
((ديفيد إيرفينج)) مُؤرِّخ بريطاني مَعْروف، كتب دراساتٍ عِدَّة موضوعُها الحرب العالمية الثانية ومنها: Hitler's War وكتاب: Churchill's War وكتاب: The Destruction of Dresden، لم يحفظ ((إيرفينج)) مِنْ اللُّوبي الصُّهيوني على رَغْم إعجابه بالزَّعيم البريطاني - تشرشل - الذي كان أحد الزعماء الغربيين الذين ناضَلُوا ضدَّ النَّازية وقائدها، لم يحفظه هَذَا الإعجابُ مِنْ أَنْ يكونَ عُرْضَةً للنَّقْدِ والتَّجريح والتَّشهير مِنْ كُتَّابٍ غربيِّين - بعضهم مِن بني جنْسهِ - بسبب - إنْكاره لعددِ اليهود الذين ذهبُوا ضحيَّةَ ((الهولوكوست)) حيث يُوصلُهم اليهُود إلى ملايين عدَّة، ويَرَى اليهودُ أنَّهم - وحْدَهُم - كانوا عُرْضَةً للتَّمييز العُنْصري، مع أَنَّ أمماً أخرى ومنهم ((البولنديُّون)) تعرَّضوا للتَّعذيب النَّازي.
وكما أنَّ إعجابهُ بـ ((تشرشل))، وإقرارهُ بحدوث الهولوكُوست - حيث يقُول: ((إنني لستُ مِنْ المُنْكرين للهولوكوست وأرفضُ أنْ أُوصَف بذلك، لأنني قدَّمتُ الكثير مِنْ الوثائق للعُلَماء والمؤرِّخين، والقُرَّاء وهي وثائق اكتشفتُها - بنفْسي،وترجمتها ثم نشرتُها - ((انظر: مقالة جعفر هادي حسن، الحياة، 28 يناير 2000م)).
كُلُّ ذلك لم يمنعْ الأكاديمية الأمريكية الدّكتورة دييرا ليبستات لاتّهامه بنفْي حُدوث المذَابح النَّازيَّة ضِدَّ اليهود، وقد أطلقتْ ((ليبستات)) على إيرفينج والذين يشككون في عدد اليهود الذي يُوصلونه بحسب مزاعمهم إلى رقم مُبالغ فيه وهو ستَّة ملايين شخص أطلَقْتْ عليهم عبارة أو مُصْطلح ((مُنْكرو الهولوكوست)) Holocaust Deniers، وهي عبارة تحملُ ظلالاً دينيةً، وكأنَّ ((الهُولوكوست)) أصبح معْتقداً دينياً - يجب عدم المسَاسَ به مِنْ قريب أو بعيد -، وكما أَفْلحَ اليهودُ في جَعْل العَهْد القديم بأسَاطيرهِ وتُرَّهاتِه - مما يتنافى حَتَّى مَع ما تزعمه الحضارةُ الغربيةُ مِنْ عقلانيةَ - تُبالغُ فيها، وماديّة تُحاول فَرْضَها على الآخرين، كما أفْلحُوا في جعْل العقيدة المسيحية وسيلة لنشْر الأفْكار اليهودية المُضلِّلة، فقد أفْلحُوا في جعْل الهولوكوست مِنْ المحْظورات والمُحرَّمات في عالم الكتابة، لذا فإننا نجد الأكاديمية الأمريكية ((ليبستات)) تُطالبُ السَّماح لمنْ يُشكِّكون فقط في عدد ضحايا المحرقة بنشْر آرائهم ويجب معاقبتهم على هذه الجريمة النَّكراء، ولقد استطاع اللُّوبي الصهيوني أنْ يحمل المؤسَّسات الغربية - التي تدَّعي الدِّيمقراطية والحريَّة والتعددية - لإصدار تشريعاتٍ تُجرِّمُ كُلَّ مَنْ يُشكِّكُ في عدد ضحايا المحرقة وليس في ((المحرقة)) - فهذا أمر أَعظم جُرْماً، وربما كان عقابه في المُستقبل الموْت شنْقاً أو حرْقاً.
وتحقَّق للُّوبي الصَّهيوني طموحاته التي لا يحلم حتَّى بتحقيقها في الكيان العُنْصري الإسرائيلي، فلقد أصدرتْ ألمانيا وفرنسا، تشريعاتٍ بهذا الصدد، ويذكرُ ((إيرفينج)) أنَّ له أصدقاءً سُجنُوا في ألمانيا لكلماتٍ تفوهوا بها حوْل عدد ضحايا الهولوكوست، أما القانون الفرنسي فيصفه ((إيرفينج)) أنه الأسوأ، ففي عام 1991م صدر قانون من البرلمان الفرنسي - في البلد الذي يزعم قادته ومفكِّروه والمعجبون به أنه بلد الحرية والنُّور - وهذا القانون يجعل كُلّ مَنْ يُشكِّك في جرائم الحرْب أو بالجرائم الإنسانية - وهذا المصطلح الأخير يقتصرُ على اليهود - وحدهم - وهي الجرائمُ التي حدَّدتها محكمة نورمبرغ - مُجْرماً ويُعاقبُ بالسِّجْن، أوْ الغرامة، ولهذا حُورب المُفكِّر الفرنسي ((روجيه جارودي لإصداره كتابه الشَّامل والجريء ((الأساطيرُ المؤسِّسة للسِّياسة الإسرائيلية))، ويذكرُ ((جارودي)) في مقدمة الكتاب ما أسماه بجريمة الفكر، قائلاً ((أجد نفسي مضطراً - اليوم - لأن أصدر هذا الكتاب على نفقتي الخاصَّة، ذلك لأنني منذ عام 1982م، أقدمت على انتهاك حُرْمة أحد المقدسات: ألا وهو انتقاد السِّياسة الإسرائيلية، وهي الحرمة التي سيحميها من الآن - فصاعداً - قانون - جيسو - فابيو الجائر الصادر في 13 يوليو 1990م، والذي يُعيد إلى فرنسا جريمة الرَّأي، التي سادت عصْر الإمبراطورية الثانية وبذلك يتوارى ضعف الحجة وراء قانون قمعي. ((أنظر: روجيه جارودي، الأساطيرُ المؤسِّسة للسِّياسة الإسرائيلية، تقديم، الأستاذ محمد، حسنين هيكل، دار الشروق، ط3، 1420هـ)).
وينقلُ الأستاذ ((هيكل)) صورةً حقيقيةً لما أسماه أو أطلق عليه ((جارودي)) بـ ((القانون القمعي))، وهو قانون تستخدمه المؤسِّسات المسؤولة المُدافعة - في شبه هستيريا - عن كُلِّ ما هو يهودي وصهيوني، كما يستخدمهُ العامَّة الذين تلقَّفُوا الأساطير المُضللة عن دور اليهودي في الحياة، يقول الكاتب ((هيكل)) عن مشهد عايشه ولم يسمع به - فقط - ((ثم أتيح لي أنْ أرى بنفْسي - وليْس بمجرَّد القراءة ما حدث فيما بعد للمؤرِّخ البريطاني المُدقِّق ((دافيد إيرفينج))، وشاءت الظُّروفُ أَنْ أَشْهد واقعة ضرْبه ضَرْباً مُبرِّحاً رافعاً شعارات برَّاقة مثل حُريَّة الشُّعُوب، وحُقوق الإنسان وتحقيق العدالة، ولكن كل هذه الشعارات وئدتْ على أيدي مُنظري الْحزب منْ أنصار الحركة الصهيونية العنصرية.
ويعيد التاريخ - نفسه - في حرب 1967م، عندما وقف ((هارولد ويلسون)) - الزعيم العمالي الأشهر - يعطي لإسرائيل الأحقيَّة في الاحتفاظ بالأراضي التي احتلتها بالقوة.
وتَسْعَى المؤسسة العمالية - اليوم - بزعامة صاحب نظرية الطريق الثالث في الاقتصاد - مع الزعيم الأمريكي الديمقراطي - كلينتون - لإصدار تشريعٍ بتجْريم التَّشكيك في الحوادث المتصلة بـ((الهولوكوست))،وسوف يقوم ((بلير)) بإعلان يوم خاص عن المحرقة النَّازية، محدِّداً عام 2001م، كبداية للانطلاق في حملة تستهدفُ كل من تسوِّل له نفْسهُ بالتَّشكيك فيما يبدو أنه أصْبح عقيدةً دينيةً، بعد أن كان لنصف قرن من الزَّمن قضية سياسيةً يُمْكنُ الاختلاف أوْ تبادل الرَّأي حوْلها، هذا هو الغرْبُ بمعاييره المزدوجة والصَّارخة والمُعْلنة عنْ فكْرٍ استعماري جديد.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :806  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 420 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج