شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عُلَمَاءُ مِن الحَرَمِ النَّبَوِيِّ الشَّريفِ (1)
كثيراً ما حدثتني نفسي أن أكتب عن هذا الرجل الذي كان يؤم الناس في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزمن طويل توشجت فيه الألفة بينه وبين سكان البلدة الطاهرة؛ فإذا هم يؤمون داره؛ ليسألوه قضاء حوائجهم، وإذا هو الحفي بهم، العطوف عليهم، والمحقق لرغباتهم، إنه الشيخ صالح ((الزغيبي)) رحمه الله - الذي كان إماماً في المحراب، وواعظاً بالآيات البينات.
وإنني إذ أتحدث عن الشيخ ((الزغيبي)) من خلال تلك السيرة العطرة التي تركها بين كثير من الناس إلا أنني أدركت، وأنا في مقتبل العمر، عالماً آخر كان يجلس على كرسي، في مؤخرة الجزء القديم من المسجد النبوي.
إن ثوبه الأبيض الذي كان يلف جسده الضامر يشف عن نظافة أخلاقه، وطهارة مسلكه، وكنت أرى قارئاً يقرأ عليه من كتاب ولم تنكر عيني هذا القارىء أو طالب العلم، إنه الشيخ محمد منصور عمر.
أما العالم الذي أخذت بمرآه الوقور، ونظراته المشعة بالذكاء، وروحه المفعمة بالإخلاص فلم يكن إلا الشيخ محمد بن علي التركي - رحمه الله - ولا زلت أذكر ذلك اليوم - وهو يوم جمعة - عندما خرجت المدينة تشيعه إلى مثواه الأخير، لقد شيعت فيه علماً من الأعلام، ورجلاً ورعاً عف اليدين واللسان.
والحرم الذي حفلت سواريه بأئمة من الأعلام المتخصصين في علوم القرآن؛ كفضيلة الشيخ عبد الفتاح أبو خضير، وفي السيرة النبوية كالشيخ حميدة الطيب.
وكذلك الشيخ الخضر الذي عرف بتعدد علومه، وتشعب معارفه، هو الحرم الذي أدركت فيه، في مطلع حياتي، حلقة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي الذي كان يدرس تفسير القرآن، في الرواق القائم بين الحصوتين، كان يجتمع عنده جمع غفير من الناس، وخصوصاً في شهر رمضان المبارك؛ ليسمعوا ذلك الشيخ وهو يقف وقفات طويلة عند آيات من التنزيل، ويمزج في هذه الوقفات بين علوم اللغة والبيان وعلوم الأثر النبوي المتسلسل الصحيح؛ فيتركوا درسه وقد أخذوا بروعة البيان، وحسن التخريج، وعميق المعنى.
وكما كانت الشمس تشرق - كل صباح - في بهاء على جنبات المسجد الطاهر، كان يطل علينا ذلك الوجه الوضاء، ليفسر آيات من القرآن، أو ليطرب الآذان وينعش النفوس بسيرة سيد ولد عدنان - صلى الله عليه وسلم - أو ليفقه الناس في أمور دنياهم التي هم أحوج ما يكونون إلى معرفة أوجه الحق فيها، إنه شيخنا الراحل محمد المختار بن محمد بن سيد الأمين الجكني - أسكنه الله فسيح جناته.
وغير بعيد عن درسه كانت تقوم حلقة من حلقات العلم الخالص، كان صاحبها يستزيد قارئه من قراءة الحديث النبوي، ويزيد هو سامعيه بما تطمح نفوسهم إليه من معرفة للقواعد والأحكام، إنه فضيلة الشيخ محمد المنتصر الكتاني - شفاه الله - والذي ينتسب إلى أسرة عريقة في العلم، ترجع أرومتها إلى بلاد المغرب العربي المسلم، ويقوم رجالها بواجب العلم والدعوة في بلاد الشام، وبلاد الحرمين الشريفين، وشيخنا الكتاني من مواليد المدينة المنورة.
وليس ببعيد عن خوخة الصديق أبي بكر - رضي الله عنه - كان يجلس شيخ؛ يشع الوقار من بين قسمات وجهه، وتحف الأنوار موضع حلقته؛ إنه يجاوز المائة، ومع هذا فهو يستمع لعدد من الطلاب يقرأون عليه في وقت واحد؛ فلا يذهب بصره بعيداً عنهم، ولا تخطىء أذناه ما تردده ألسنتهم.
إنه فضيلة الشيخ حسن الشاعر - رحمه الله - الذي كان القرآن وتجويده وتلاوته درسه في المسجد حتى إذا ما عاد أدراجه - بعد ذلك - إلى المنزل الذي كان يقع في باب المجيدي - فإنه لمحتفل بأولئك القادمين من بلاد الإسلام المختلفة خير احتفال؛ يكرم وفادتهم، ويتعهدهم بالحب والرعاية، وإنني رأيت العلماء الأجلاء يؤمون حلقته، ويتسابقون على السلام عليه، ويكفيه ذكراً حسناً أن عدداً من أئمة المسجد النبوي، ممن لهم منزلة سامية في العلم والفضل، تلقوا على يديه قراءة كتاب الله الكريم، وما يتصل بذلك من علم شريف ومعرفة جليلة.
واليوم تقوم في حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حلقات للدرس النافع، والتي يستمد الناس منها معرفتهم لأحكام كتاب الله، وروايتهم لأحاديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وتمرسهم باللسان العربي المبين.
وفي مقدمة هذه الحلقات حلقة الشيخ عمر محمد - الأستاذ بالجامعة الإسلامية - والتي يستمر شيخنا في أداء مهمته السامية فيها منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وحلقة الشيخ عطية سالم، والتي يتسابق الناس إلى حضورها في كل الأوقات، وحلقة الدكتور الطيب الخلق عمر حسن فلاتة، أمد الله في عمرهم، ونفع بهم، وبغيرهم من علماء الحرم الذين أرجو - في فرصة أخرى - أن أشير إلى دروسهم المفيدة، وآثارهم الحسنة، والله ولي التوفيق.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :650  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 407 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ترجمة حياة محمد حسن فقي

[السنوات الأولى: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج