شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
المدينة المنورة في كتابات المؤرخين الإسلاميين (1)
الحلقة الرابعة:علي موسى الأفندي
لم يعثر له الأستاذان حمد الجاسر، والسيد عبيد مدني - رحمه الله - على ترجمة وافيه له، إلا أن السيد المدني يؤكد أنه كان حياً، إلى عهد الفريق أحمد شاكر باشا، محافظ المدينة المنورة، نحو 1319 - 1320 هـ، كما رواه له بعض المعمرين، من سكان المدينة المنورة (2) .
إلا أننا عثرنا على إشارة موجزة عنه في ((مرآة الحرمين)) لإبراهيم رفعت باشا، الذي أثبت له قصيدة تقع في اثنين وسبعين بيتاً، يتحدث فيها عن واقعة رد بعض قبائل حرب للمحمل الشامي، في 26 من شهر ذي القعدة سنة 1295هـ؛ فقدم لهذه القصيدة قائلاً: ((وها نحن أولاء، نذكر لك القصيدة على علاتها - التي قالها علي موسى الأفندي، ثاني أئمة المالكية بالمسجد النبوي)) (3) .
والقصيدة تتضمن تسجيلاً دقيقاً لهذه الحادثة، التي انتهت بفوز ساحق لسلطة المدينة العسكرية على رجال قبيلة حرب، وهو أمر نادر الحدوث؛ حيث ظلت هذه القبائل تكسب معظم جولاتها مع جميع الأطراف، طوال القرنين الثاني والثالث عشر الهجري (4) .
ويحدثنا الشاعر، خلال عرضه، عن كثير من الشخصيات المعاصرة له، والتي قد تلقي ضوءاً على الفترة الزمنية، التي عاشها المؤلف؛ فهو يذكر سعيد باشا، ومحسن ابن حازم، وصبري باشا (5) وسعد بن حذيفة (6) .
ولعله ليس بالغريب عليه العناية بتسجيل مثل هذه الحادثة: لصلتها بوظيفته، التي ذكرها السيد عبيد مدني - رحمه الله - وهي رئاسة القلم العربي في ديوان محافظ المدينة، واسم الوظيفة، في تصنيف الوظائف في العهد العثماني: ((باش كاتب)) (7) .
ويرى الدكتور عمر الفاروق السيد رجب أن اشتغال هذه الشخصية المجهولة، نسبياً، بالعمل في دواوين المدينة الحكومية لسنوات طويلة - كان له أثر واضح في تقديم مؤلفه عن تاريخ المدينة، بذهن لامع، ومنهج واضح؛ حيث يظهر ذلك في منهجه في التبويب والتصنيف، وفي عدم الاستطراد بتاتاً، وفي الدقة البالغة في الوصف (8) .
ومؤلفه الذي سوف نعرض له هو وصف المدينة المنورة في سنة 1303 هـ - 1885م.
ويرى المرحوم السيد المدني أن قيمة هذا الكتاب تتحدد في أنه جاء على غرار كتب الخطط، التي وضعها المهتمون بأوطانهم؛ كالمقريزي - من القدامى، والأستاذ محمد كرد علي - من المحدثين (9) ، ويتردد بين اعتباره أول ما وصل إلينا من نوعه، أو أنه سبق بمؤلفات قبله؛ ككتاب شمس الدين بن عمار (768هـ/ 844 هـ - 1367م/ 1440م) المعروف باسمه فقط ((العناية الإلهية في الخطط المدنية)) وكتاب ابن طولون الصالحي (880 - 953 - هـ 1475 - 1546م المعروف باسمه - أيضاً - فقط (المحاسن اللطيفة في معاهد المدينة الشريفة).
ويضيف الدكتور عمر الفاروق - إلى هذين المؤلفين - مؤلفاً آخر في الموضوع نفسه للسيد عبد الحي بن عبد الكريم الحسيني الكناني الإدريسي، وهو التراتيب الإدارية والعمارات والصناعات والمتاجر والحالة العلمية التي كانت على عهد تأسيس المدينة الإسلامية، مؤكداً أنه طبع طبعة وحيدة في الرباط بتاريخ 1346 هـ - 1926م.
لقد احتفظ الكتاب بمصور جغرافي للمدينة المنورة (10) ، حتى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، إلا أنني لا أسلم برأي الدكتور الفاروقي في اعتبار الكتاب صورة للمدينة المنورة، ووصفا لها، خلال العصور الوسطى برمتها (11) ؛ وذلك لتعرض المدينة في خلال هذه العصور لعدة تغييرات أملتها عوامل عديدة يتصل بعضها بوضعها العسكري، خلال معظم فترة حكم الخلافة العثمانية، ويتصل بعضها الآخر بوضعها الاجتماعي الخاص بين مدن منطقة الحجاز الأخرى.
فعوامل الهجرة إليها من جميع أقطار العالم العربي والإسلامي؛ لأنها المنفذ الوحيد إلى تلك البلاد، ولما نشأ من صراع بين طبقات المجتمع المدني، والذي أذكته عوامل متعددة لا يتسع المجال لبحثها هنا، وهذا في نظري ما جعل المدينة عرضة لتغييرات كثيرة، خلال الفترة، التي تحدث عنها الدكتور الفاروقي.
والمتصفح لهذا الكتاب يجده يختلف تماماً عن بقية المؤلفات السابقة، التي عنيت بتاريخ المدينة، على مر العصور، ولقد وضح المؤلف منهجه في المقدمة التي أشار فيها إلى سبب وضع هذا المؤلف؛ وهو الاستجابة لطلب (12) السيد علوي أفندي ابن السيد عبد الرحيم السقاف، وهو جد السيدين عمر عباس سقاف رحمه الله وزير الدولة للشؤون الخارجية - سابقاً (13) ، وأخيه السيد علوي - أمد الله في عمره.
لقد وضح ذلك المنهج قائلاً: (اخترت بيان التعارف - الآن - بحسب الزمان والمكان، لا على ما تغيرت مراسمه، واندرست معالمه؛ لأن ذلك شرحه يطول؛ فإن في ((الخلاصة)) ((والوفاء)) للسيد السمهودي (14) ، وفي ((تاريخ العباسي المدني)) (15) من الإيضاح القديم ما يغني عن ذلك (16) .
ويمكن إيجاز الجوانب التاريخية الهامة في هذه الرسالة في النقاط التالية:
يعد الكتاب مصدراً في معرفة علماء المدينة وأعيانها ووجهائها في أواخر القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر الهجريين.
يشير إلى بعض النواحي الإدارية للمدينة في تلك الفترة؛ كالخزينة الديوانية، مجلس الإدارة، دار الحكومة.
يشير إلى بعض الوظائف العسكرية بها، قائمقام، ميرالاي (17) وبعض الوظائف الخاصة بالحرم النبوي الشريف، شيخ الحرم النائب، الخزندار، المستسلم، النقيب.
يشير إلى النواحي التعليمية فيها، الكتاتيب، المدارس، مع تحديد مواضعها، ووصفها وصفاً كاملاً؛ فمن تلك المدارس التي وجدت في المدينة - في ذلك العصر - المدرسة المحمودية، والمدرسة الحميدية، ومدرسة بشير آغا، ومدرسة الساقزلي، ومدرسة الأزبك،ومن الكتاتيب العديدة بها: مكتب الرشدية لتعليم الفنون؛ من نحو، وصرف، واللسان التركي، والرسم، ومكتب لتعليم اللسان الفارسي.
يشير إلى مكتباتها العامة والخاصة،و هي حوالي تسع مكتبات.
يشير إلى بعض الأقطار العربية، التي كانت تعتمد عليها المدينة في بعض النواحي الاقتصادية والعلمية.
يشير إلى عادات أهلها في الأعياد والمناسبات؛ كعيدي الفطر، والأضحى.
يشير إلى تاريخ بعض المنشآت، التي ظل بعضها قائماً فيها حتى الوقت الحاضر.
ومن الاعتراضات والمآخذ على هذا الكتاب:
ذكر الشيخ حمد الجاسر أن وجود المؤلف، في عهد الجمود والتأخر الفكري، بوجه عام - أدى إلى تضمن مؤلفه بعض ما ابتدع في الدين، وأدخل عليه (18) ، وقد أشار الشيخ جزاه الله خيراً - إلى ذلك في مواضعه.
استعمل المؤلف - في كتابه - لغة سهلة تكاد تقرب، أحياناً، من اللغة الدارجة؛ حيث استعمل بعض كلمات من عامية المدينة؛ مثل: الباب البراني، والجواني، والبلدان، والحدائق الحمم، وهي جمع حمى، وأوضه، والصور، الزهورات، والصيادين، والقياع، وهي جمع قاعة، وهي الغرفة المستطيلة في أسفل المنزل.
كما يظهر تأثره باللغة التركية في مثل: أسبق، رشدية، حمدية.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :852  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 406 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.