شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ليس دفاعاً عن نزار... ولكن!!
كتب الدكتور سليمان الشمري مقالاً في صحيفة الوطن ((الثلاثاء 13 رجب 1421هـ)) عن النقد الثقافي، محمِّلاً الشعر جزءاً كبيراً من مأساتنا الفكرية والحضارية، وهو يدافع بحماس ملحوظ عن الذين جعلوا من الشطرنج والبلوت ((وللتأريخ فالناقد عابد خزندار أول من تعرض للنقد الثقافي قبل أقل من عقدين من الزمن في صحافتنا المحلية)) جعلوا من فنون التسلية هذه ميداناً لأدواتهم النقدية مهمشين بهذا التحول الثقافة الجادة لصالح الثقافة التي تدخل في ضياع الوقت وإهداره، وكان الأولى بالدكتور ((الشمري)) أن يكون أكثر جرأة - وهو الذي دعا في مقاله لدراسات استشرافية من خلال جهود المفكرين أو المؤسسات التي ينتمون إليها - كان الأولى والأجدر بهذا القلم الواعي أن يبحث في أسباب أن يُعلن ناقدٌ أو كاتبٌ - ما - فجأة موت النقد الأدبي بعد أن أعلن قبل عقد من الزمن موت المؤلف؟ ولماذا الفرار من المعركة دون بحث في أسباب هشاشة البنيان لحركة كنا نعوِّل عليها كثيراً في تغيير الوجهة الأدبية لصالح تحوُّل حضاري تفيدُ منه الأمةُ في حاضرها والتي هي أحوج ما تكون فيه للسَّاري والدليل؟؟ ولماذا لم يتعرَّض كاتبنا الكريم للشعارات التي تطرحها حركاتٌ وتوجهاتٌ عديدة في عالمنا العربي - ونحن جزء منه - ثم تنهزم - أو ينهزم دعاتها - أمام القدرة على تحويل هذه الشعارات إلى حقائق ماثلة، وقيام هذه الحقائق يقي الأمة مغبَّة الفجيعة في مثقفيها ومفكريها، كما يحفظ عليهم توازنهم الفكري فلا يخرجون على الساحة بتقليعات أدبية ليس لديها القدرة على التصدِّي والمقاومة ومن البداهة بمكان أن من وُلد ضعيفاً - حتى وإن كثر الضجيج حوله - سرعان ما تنطفىء جذوته، وتأْفلُ شمسه، ولا يجد حتى من يواريه الثرى حفاظاً على كرامته.
لقد كان حماس الدكتور ((الشمري)) مفرطاً لصالح إلغاء الشعر من حياتنا الأدبية والفكرية، ووصْم الشاعر بسمات الطغيان والتسلط، وتحميل هذا الفن الأدبي الرفيع بدءاً من إلياذة ((هومير)) ومروراً بروائع الفردوس والمعري والخيام وإقبال وشوقي وحمزة شحاتة، ونزار قباني، وأمل دنقل، ومحمود درويش، ((تحميله)) مسؤولية تخدير الأمة، مما جعل التناقض يبدو صريحاً في مقولة مَنْ دافع عنهم دكتورنا العزيز، عندما شبَّهوا شاعراً عربياً قديماً بـ ((الشحاذ)) وآخر ((بطاغية العصر))، وتناسى الدكتور ((الشمري)) أن العيب ليس في الشاعر، والنقيصة ليست في الشعر بل هي في كيفية استخدام الكلمة سواء هذه الكلمة كانت بيتاً من الشعر، أو قطعةً أدبيةً من النثر، أو لوحة زاهيةً من الفن، أو مقولةً نقديةً تريد التَّعمية على عيوبها الذاتية من خلال إسقاطها على الآخرين، ويمكن القول بكل ((حياديّة)) أن لشاعر كبير مثل ((نزار قباني)) مثالبه وسقطاته كما أن له تاريخه الطويل مع الكلمة الشعرية الفاعلة والإيجابية والحية.
ولعله من الإنصاف أن ننظر إلى ذلك الحسِّ الاستشرافي لديه والذي دعا إليه كاتبنا الشَّمري بينما هو موجود عند البعض ومفقود عند آخرين.
يقول ((نزار)) وكأنه يعيش حال ((الأمة)) وجزعها من السَّفاح اليهودي الذي يقتلُ بدم بارد الطفل العربي.
وطني!
يا أيها الصدر المغطَّى بالجراح
وطني
من أنت؟ إن لمْ تنْفجرْ
تحت إسرائيل، صندوق سلاح.
وهل نسي الدكتور ((الشمري)) وهو في غمرة الاندفاع أو الدفاع عن شطب اسم ((المتنبِّي)) و((نزار)) وغيرهما لصالح معرفة نسق ((الصَّنْ)) و((الشُريا)) إن نسي هو، فلن تنسى الذاكرة العربية ((لا تصالِحْ)) أمل دنقل، و((عابرون في كلام عابر)) تلك الملحمة الشعرية النضالية إن صح التعبير - التي قال عنها الإرهابي ((إسحاق شامير)) إنها أقَضَّتْ مَضْجَعَه، وعندما قام - أخيراً - وزير التعليم الإسرائيلي بطرح فكرة تدريس بعض قصائد محمود درويش وغيره في المدارس الإسرائيلية لمعرفة هذا الآخر العربي المقهور، قامت الدنيا ولم تقعدْ في ((الكنيست)) وخارجه، فالكلمة الشعرية الصادقة قادرة على التحويل، وتستطيع صنْع مستقبل الأمة ورسم ملامحه، وتفجير الطاقات الكامنة في أبناء هذه الأمة التي جنى عليها بعض الباحثين في الفكر السياسي، والتنظير الحضاري، والفعل الثقافي أكثر مما جنى عليها الشعر الحي الذي منحه قيمته الحقيقية رسول الأمة وهاديها عليه - صلوات الله وسلامه - عندما قال لحسان بن ثابت - رضي الله عنه - أهجهم وروحُ القُدُس معك، فكانت قصيدته المعادل الحقيقي لسيف ((خالد بن الوليد)) في معركة الأمة مع الطغيان والتسلط.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :578  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 403 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.