شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الملف الأخلاقي في سياق الانتخابات الأمريكية
في خضمِّ الحملة الانتخابية بين الجمهوريين والديمقراطيين تسربت عبر الصحافة الأمريكية أخبار تتَّصل بالسلوك الشخصي لـ((جورج بوش الابن)) والأمر لا يخرج أنه قبض على حاكم تكساس السابق عندما كان في الثلاثين من عمره وبالتحديد في سبتمبر 1976م، وهو يسوق سيارته مخموراً، ويبدو أن عدم إفصاح ((بوش)) عن هذا السلوك الشخصي قبل ترشيحه من قِبَل حزبه لمنْصب الرئاسة هو الذي جعل منافسيه من الحزب الديمقراطي يحاولون إحراج الحزب الذي سعى حثيثاً لإقالة الرئيس بيل كلينتون بسبب فضائحه المتعددة قبل وصوله للبيت الأبيض وبعد دخوله إليه واستقراره فيه، كما أنه الحزب الذي يسعى لتسويق برنامج انتخابي يقوم على محاربة الفساد الخلقي - نسبياً - وبمقاييس غربية محضة، وهذا البرنامج الانتخابي المحافظ هو الذي دفع بمنافسه الديمقراطي ((آل جور)) لاختيار نائب رئيس كان بحكم يهوديته الأرثوذكسية من أشد المنتقدين لـ((بيل كلينتون)) على سلوكياته خارج إطار الشرعية الزوجية، ولكن بعض الديمقراطيين وجدوا في ((جوزيف ليبرمان)) المرشح لمنصب نائب الرئيس عقلية يهودية متحجرة فهو لا يشعل ناراً في داره منذ مساء الجمعة حتى صباح يوم الأحد ويدخل في هذا رفضه لقيادة السيارة - لأنها تعمل بالوقود - والذي يصنفه اليهود بأنه شكل من أشكال ((النار)) التي يذيقون الآخرين بها - الفلسطينيين على وجه التحديد - كل صنوف القتل والتدمير البربري والفاشي... إضافة إلى أن ((ليبرمان)) الذي جُلب لإصلاح ما أفسده سلوك الرجل الأول في البيت الأبيض، لم يجب صراحة عن السؤال الذي طرحه - مراراً - زعيم ما يعرف بـ((أمة الإسلام)) ((لويس فرخان)) وهو إلى أين يتوجه ولاء ((ليبرمان))؟؟ للولايات المتحدة الأمريكية التي يحمل جنسيتها، أو لإسرائيل التي تغذي روحه ووجدانه وفكره بكل أصناف التفكير الحاخاماتي المتشدد؟؟
وفي إطار القضية - نفسها - فإن المرشح ((بوش)) برز عدم اعترافه بهذه القضية الأخلاقية على العكس من نائبه ((ريتشارد تشيني)) الذي اعترف عند تسميته في عام 1989م وزيراً للدفاع بأنه قبضَ عليه عندما كان في العشرينيات من عمره في حادثة مشابهة... لقد برر المرشح الجمهوري المحافظ ذلك الصمت على ماض مخجل، بأنه لم يشأ أن يفجع ابنتيه البالغتين من العمر ((18 عاماً)) وترك الأمر لوالدتهما وأنه حريص على - حد تعبيره - بأن لا يُقَلَّد من أبنائه وهم في سن المراهقة بما وقع له من محظور أخلاقي معترفاً في السياق نفسه بأنه لم يُقْلِع عن هذه العادة السيئة إلا عند بلوغه الأربعين.
... إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه على المجتمع الغربي الواقع إلى أذنيه في مشاكل وسلوكيات أخلاقية مرفوضة، هل من المنطقي أن يرفض هذا المجتمع غياب عقل الإنسان عندما يقود مركبته فقط؟ ولماذا لا يكون الرفض منصباً على مساوىء احتساء الخمر في كل الأحوال؟ وخصوصاً أن المؤسسات الغربية العلمية تدفع كل يوم بمعلومات عن المساوىء المترتبة على قيام علاقات غير شرعية وخارج إطار الحياة الزوجية، وبلغت هذه المساوىء ذروتها في انتشار داء الإيدز الذي اعترفت بعض المؤسسات الغربية الدينية بأنه عقاب من الله على الممارسات الشاذة.
...وأنه شيء حسن بأن يطالب المجتمع الغربي قادته ورؤساءه بهذه الشفافية والاعتراف بأنهم أقلعوا عما يمكن أن يتسبب في إعاقاتهم عن القيام بأعمالهم على الوجه الصحيح، ولكن لماذا لا يُنظر إلى هذه السلوكيات السيئة ضمن رؤية أشمل يتساوى فيها الفرد العادي مع الإنسان المسؤول؟؟ وأن ملفاً كهذا يمكن فتحه ليس فقط في خضم الانتخابات الرئاسية ثم يتم إغلاقه بعد دخول المسؤول المؤسسة الرسمية... ولكن يُفترض من وجهة نظر موضوعية أن يواجه المجتمع الغربي نفسه بهذه العادة السيئة وغيرها من العادات الأخرى في جميع الأحوال وعلى كل الصعد، حتى لا يقع في ازدواجية جديدة وسيئة.
...أما الدرس الذي يمكن أن تفيد منه مجتمعاتنا العربية والإسلامية، فهو أن الغرب محاصر بمشاكل أخلاقية عديدة ولهذا فإن دعاة الانفتاح على معطيات الحضارة الغربية دون تمييز أو الأخذ بمعايير دقيقة إزاء هذه المعطيات يجب عليهم التبصر في ما يمكن أن يترتب على مثل مطالبهم المتعجلة والمندفعة والمحكومة بعقدة الغرب في بعض الأحيان.
...إلا أن هذا الغرب الذي يَظَلُّ موضع إعجاب للبعض، وموضع نقد للآخرين هو مجتمع لديه القدرة على الاعتراف بمشاكله ورصدها رصداً دقيقاً وإن كان في كثير من الأحيان يصعب عليه الاعتراف بأن كثيراً مما يشكو منه مرده إلى الابتعاد عن منهج الله في هذا الكون.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :585  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 401 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.