شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الوزير الذي خذله القطار فأنقذته الدراجة!
عندما تسلمت مارجريت تاتشر رئاسة الحكومة البريطانية من السياسي العمالي المخضرم ((جيمس كالاهان)) عام 1979م أسندت حقيبة شؤون أمن إيرلندا إلى واحد من أكثر الساسة خبرة وعراقة وهو ((ويلي وايتلو)): Willie - Whitelaw، وكانت النقابات العمالية والتي تشكل جزءاً هاماً من المؤسسات العمالية تقوم - آنذاك بإضرابات شبه يومية في المدن البريطانية، وكان الجميع بمن فيهم أمثالنا الطلاب الغرباء والذين يستخدمون القطار في تنقلاتهم يعانون من تلك الإضرابات التي عرفت تاتشر - فيما بعد - كيف تحد من غلواء زعمائها، وكان النصل الذي اخترق جسد الاشتراكية الأوروبية وأصابها في مقتل!
وكان على الوزير الهام ((وايتلو)) أن يتنقل من منزله في أطراف لندن إلى ((10)) دواننغ ستريت لحضور جلسة وزارية، ولكنه فوجىء - كغيره - بتلك الإضرابات الشاملة، ولم يعد الرجل إلى منزله وينظر من شرفة داره إلى حركة الناس وتفاعلهم مع الحياة اليومية اللندنية المثيرة للغرابة والخوف في كثير من الأحيان، ولكنه بدلاً من إعطاء نفسه إجازة اضطرارية توجه إلى دراجته العادية والتي كان يزاول بها رياضته المحببة، وركبها وتوجه بها إلى دواننغ ستريت وأوقف مركبته البسيطة بجانب الجندي الذي يقف أعزل على باب الموقع الحجري القديم، ودخل إلى الاجتماع في الموعد المحدد، ونقل التلفزيون البريطاني الخبر ولم يجد البريطانيون في ذلك غرابة، فإذا كان الوزير المحافظ وصل إلى مقر الحكومة بدراجة، فإن مايكل فووت Michael Foot، والذي كان زعيماً للمعارضة 1980 - 1983م، كان ينتقل من داره إلى مجلس العموم على قدميه حيث كان ينطلق صوته قوياً وفصيحاً ولم تكن ((تاتشر)) تستطيع مجاراته في القدرة الكلامية مع أنه عمالي، ولكنها الحرفية والإتقان التي عرف بها الساسة البريطانيون من ذلك الطراز الفريد الذي كاد أن ينقرض.
وكان ((فووت)) يرفض تغيير اللباس العمالي والذي كان يخطب به في الجموع العمالية والتي تحتشد لسماع صوته وكان لفرط حماسه وصدقه يبكي وينتحب فكان المحافظون من أصحاب ((الياقات الزرقاء)) يتسللون إلى المواقع التي يتحدث فيها ((فووت)) ليتعلموا منه فن الإقناع والقدرة الكلامية على جذب الناس. وبالمناسبة فهو أي ((فووت)) صحافي متقشف وله ما يقرب من 12 مؤلفاً من أهمها ما أطلق عليه اسم ((القلم والسلاح)) The Pen, and, the sword.
لم تتغير حياة ((فووت)) البسيطة إلى اليوم فهو الآن في التسعين من العمر وعندما رأى زميله ((جورج غالاوي)) يتعرض لحملة عدائية من ((بلير)) بسبب موقفه الرافض لسياسة بوش الإمبريالية، لقد خرج فووت عن صمته مع السياسي اللامع ((توني بين)) والذي ذهب إلى المحكمة في الستينيات الميلادية وخلع لقب ((لورد)) المتوارث في عائلته ودخل مجلس العموم نائباً بصفته الشخصية، وقدم الاثنان دعماً معنوياً لـ((غالاوي)) ولم يغيرا مبادئهما.
والسؤال الذي يطرح نفسه - تُرى من أين اكتسب القوم هذه البساطة في الحياة؟ والتعامل مع أشيائها بعيداً عن الصنعة والتكلف؟؟ أليس في تراثنا الغابر الكثير من هذه الأمثلة الرائعة فأين ذهبت وكيف اندثرت؟ وترى أين منظرو اليسار واليسارية في العالم الثالث من هذا النموذج الفريد الذي عاشه ((فووت)) على مدى ما يقرب من عقد من الزمن بساطة وعفوية ونقاء والتزاماً بالقول الذي ترتفع أصواتهم به تحت قبة المجلس ثم يطبقونها على أنفسهم بكثير من الاعتزاز والرضا.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :751  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 399 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

المجموعة الكاملة لآثار الأديب السعودي الراحل

[محمد سعيد عبد المقصود خوجه (1324هـ - 1360هـ): 2001]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج