شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الفِكْر السَّلفي ومنطلقاته الدِّينية الصحيحة والمعتدلة
دخل العالم العربي في نفق مظلم منذ تفكك الإمبراطورية العثمانية وكان رفض السلطان عبد الحميد للهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين باعثاً رئيسياً وراء المشروع الغربي لتفكيك الدولة الإسلامية، ويذكر إبراهيم المويلحي العروض المالية المغرية التي قدمت له ولكنه رفضها رغم حاجته الملحة لها (ومن حسنات السلطان - عبد الحميد - المعروفة رفضه لمشروع هرتزل بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين رغم ما عرضه الصهيوني الماكر من ملايين الليرات الذهبية على جلالة السلطان، وعندما أزيح السلطان عن سريره، سمح الاتحاديون لليهود بإقامة مستوطنات لهم في فلسطين) (انظر: ما هنالك من أسرار بلاط السلطان عبد الحميد، دراسة تاريخية، أحمد حسين الطماوي، تقديم د. علي شلش، كتاب المركز العربي، ص: 43). ولقد كان للحركات الدّينية مثل السنوسية، والمهدية، وجمعية العلماء المسلمين في الجزائر، بزعامة عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي دور في تحرير الأمتين العربية والإسلامية، وقد حث الشيخ حسين أحمد آبادي المحدّث بالحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة - عند لقائهما به سنة (1331هـ 1913م)، على مغادرة المدينة لمقاومة الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وكان موضوع تربية الجيل الجديد وغرس المفاهيم الإسلامية الصحيحة هو جوهر هذه الحركة، ممّا يظهر بوناً شاسعاً بين هذه الحركات الإسلامية التي قارعت الاستعمار مُعتمدة على تهذيب النفوس وتربيتها تربية صحيحة، وتلك الحركات الدينية الأخرى الحديثة التي ركّزت على الجوانب السياسية دون تفعيل القيم الإسلامية المعتدلة، مما أدى إلى نشوء أجيال تستخدم كثيراً من المصطلحات الشرعية دون أن تدرك مراميها الحقيقية، وذهبت - فيما بعد - إلى استخدام النصوص التي نزلت في حق الكافرين في الجاهلية وإسقاطها - جهلاً - على المسلمين، ومن هنا كانت بداية ذلك القاموس الشاذ الممتلىء بعبارات التفسيق والتبديع، والشرك وأنواعه، والبدعة وأقسامها متناسية أنها أمام أمة مؤمنة ومجتمع مسلم، (لمزيد من المعرفة عن جمعية المسلمين في الجزائر ودورها الديني والوطني في مقاومة الاستعمار) (انظر د. مازن صلاح مطبقاني، عبد الحميد بن باديس - العالم الرباني الزعيم السياسي، ط2، 1411هـ 1990م، على أنه يجب التنبيه على أن هذه الحركات الدينية الواعية، استمدت بعض أسسها من حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في الجزيرة العربية، وهي حركة معتدلة ووسطية في صورتها الأصلية ورسالة الشيخ ابن عبد الوهاب لأهل القصيم خير دليل على ذلك والتي تؤكد على رفضه المطلق لتكفير أحد من أهل القبلة بل إنه رفض الأقوال التي نسبها إليه سليمان بن سحيم فقال بعبارات صريحة وواضحة (فمنها قوله: إني مبطل كتب المذاهب الأربعة، وإني أقول: إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء، وإني أدّعي الاجتهاد، وإني خارج عن التقليد، وإني أقول: إن اختلاف العلماء نقمة، وإني أكفر من توسل بالصالحين، وإني أكفر البوصيري لقوله: يا أكرم الخلق وإني أقول: لو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها وجعلت لها ميزاباً من خشب، وإني أحرم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وإني أنكر زيارة قبر الوالدين وغيرهما، وإني أكفر من حلف بغير الله، وإني أكفر ابن الفارض وابن عربي، وإني أحرق دلائل الخيرات، وروض الرياض، واسمّيه روض الشياطين، جوابي عن هذه المسائل: أن أقول: (سبحانك هذا بُهتان عظيم) انظر (الرسالة الأولى من الرسائل الشخصية ضمن مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب المنشورة باهتمام جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية،) القسم الخاص/ ص: 27).
وتأتي رسالة ابنه الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - والتي كتبها بعد دخول الإمام سعود - رحمه الله - مكة المكرمة سنة 1218هـ لتكون دليلاً قاطعاً على بعض الجهلة من طلاب العلم في هذا القصر لم يعوا حقيقة هذه الدعوة وأساءوا إليها وإلى مضمونها الإصلاحي المعتدل، فهذا الشيخ عبد الله بن عبد الوهاب يوضح مسائل هامة جدير بشباب الصحوة الاستماع إليها وواجب على علماء الأمة نشرها بين طلاب العلم الذين حصروا الدين الإسلامي في قضايا شكلية وجعلوا من أنفسهم وحدهم - الطائفة المنصورة - وأخرجوا من سواها من دائرة الرحمة - التي لا يملكها سوى رب العالمين وحده - يقول الشيخ العلامة عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - قبل حوالي قرنين من الزمن.. (وما نحن عليه، أنا لا نرى سبي العرب ولن نفعله ولم نقاتل غيرهم، ولا نرى قتل النساء والصبيان - وأما من يكذب علينا ستراً للحق، وتلبيساً على الخلق بأنا نفسر القرآن برأينا، ونأخذ من الحديث ما وافق أفهامنا، من دون مراجعة شرح ولا معوّل على شيخ، وإنا نضع من رتبة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بقولنا (النبي رمَّة في القبر، وعصا أحدنا أنفع له منه، وليس له شفاعة، وأن زيارته غير مندوبة وأنه كان لا يعرف معنى لا إله إلا الله حتى نزل عليه) فاعلم أنه لا إله إلا الله)، مع كون الآية مدنية، وأنا لا نعتمد على أقوال العلماء. فتتلف مؤلفات أهل المذاهب لكون فيها الحق والباطل وأنَّا مُجسمةٌ، وأنا نكفّر الناس على الإطلاق أهل زماننا من بعد الستمائة، إلا من هو على ما نحن عليه، ومن فروع ذلك أن لا نقبل بيعة أحد إلا بعد التقرير عليه بأنه كان مشركاً، وأن أبويه ماتا على الشرك بالله، وأننا ننهى عن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحرم زيارة القبور الشرعية - مطلقاً - وأن من دان بما نحن عليه، سقطت عنه جميع التبعات حتى الدّيون، وإنا لا نرى حق أهل البيت - رضوان الله عليهم - وإنّا نجبرهم على تزويج غير الكفء لهم، وإنّا نجبر بعض الشيوخ على فراق زوجته الشابة لتنكح شاباً إذا ترافعوا علينا) فلا وجه لذلك، فجميع هذه الخرافات وأشباهها لما استفهمنا عنها من ذكرٍ أولاً: كان جوابنا في كل مسألة من ذلك (سبحانك هذا بهتان عظيم).
...ومن خلال هذه الرسالة العظيمة والتي تعتبر البيان الحقيقي والنقي للدعوة السلفية يمكننا التأكيد على ما يأتي من أسسها ومنطلقاتها الصحيحة والسليمة... موافقتها لهدي النبوة من تحريم قتل النساء وسبيهم وكذلك تحريم قتل الصبيان، وفي قوله - رحمه الله - (ولم نقاتل غيرهم)، فإنه تحذير واضح من استباحة دم المسلمين وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى وكذلك تأكيده على موقف الإسلام الصحيح من قضية الرق فالإسلام كان من أكثر الديانات دعوة إلى إلغاء التفريق العنصري، وهذا ما اعترف به صراحة المفكر الغربي (أرنولد توينبي) في محاضرات ألقاها باللغة الإنجليزية بين عامي 1947م - و1952م، يقول المفكر توينبي مقالاً له، (فعدم وجود التمييز العنصري بين المسلمين هو أحد أبرز الإنجازات الأخلاقية للإسلام، والعالم المعاصر في وضعه الراهن بحاجة ماسّة لنشر هذه الفضيلة الإسلامية) (أرنولد توينبي، الإسلام والغرب والمستقبل، تعريب د. نبيل صبحي، ط1، 1389 - 1969م دار العربية للطباعة والنشر - بيروت، ص62).
... إقرار واعتراف الدعوة السلفية بالمذاهب الإسلامية المعتمدة وعدم الخروج عليها أو التقليل من منزلة أصحابها.
إقرارها بفضل أهل العلم السابقين ومنازلهم العلمية. وإفساد المقولة الشائعة على ألسنة بعض طلاب العلم والذين يعانون من قصور في فهمهم الشرعي، وهي المقولة التي تحمل استخفافاً بالمجتهدين من السلف الصالح (نحن رجال وهم رجال).
الإقرار بفضل أهل البيت النبوي الطاهر، وليت بعض هؤلاء الطلبة - هداهم الله - يرجعون إلى رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - (فضل أهل البيت وحقوقهم)، وما ذكره كذلك - رحمه الله - في كتابه المعروف (اقتضاء الصراط المستقيم) والكتاب من تحقيق العالم السلفي الشيخ محمد حامد الفقي - رحمه الله - قال ابن تيمية - رحمه الله أنه خير الناس نفساً ونسباً... انظر: اقتضاء الصراط المستقيم، طبعة مطابع المجد، ص 151، وانظر للشيخ أيضاً، رسالة (فضل أهل البيت، بتعليق الشيخ المرحوم أبي تراب الظاهري، ط1، 1405هـ - 1984م مطابع سحر بجدة).
إقرار الرسالة بمنزلة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والتي خصه الله بها حتى وهو في حياته البرزخية، وعدم وجود ما يمنع زيارة قبره الشريف، وأنه يمكن الجمع بين نية زيارة مسجد الشريف والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم حيث قال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في هذه القضية قولاً شرعياً فصلاً، والذي نفتقده أن رتبة نبينا - صلى الله عليه وسلم - أعلى مراتب المخلوقين على الإطلاق وأنه حيى في قبره حياة برزخية أبلغ من حياة الشهداء، المنصوص عليها في التنزيل، إذ هو أفضل منهم بلا ريب، وأنه يسمع سلام المسلم عليه، وتسن زيارته إلا أنه لا يشد الرحل إلا لزيارة المسجد والصلاة فيه، وإذا قصد مع ذلك الزيارة فلا بأس).
انظر عن هذه الرسالة ومدلولاتها في كتاب (الشيخ محمد بن عبد الوهاب، عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية، من تأليف أحمد بن حجر آل أبو طامي، الطبعة الثانية، بتقديم سماحة المرحوم الشيخ عبد العزيز بن باز، شركة مطابع الجزيرة، ص 70 - 76.
لقد حدثت فجوة واسعة بين الدعوة السلفية في مبادئها الأساسية ومنطلقاتها الصحيحة والتي تحمل روحاً وسطية ومعتدلة تقر بفضل العصور الإسلامية السابقة واجتهادات العلماء الفقهية، مركزة على جوهر الإسلام الحقيقي ونائية عن كل مظاهر القسوة والجفوة والغلظة التي اتسم بها بعض المنتسبين إلى الدعوة - بغير وجه حق - لذا يفترض في المؤسسات الدينية الرسمية مثل هيئة كبار العلماء، ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، ورابطة العالم الإسلامي، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والجامعة الإسلامية أن تسعى لتوضيح مقاصد هذه الدعوة الإصلاحية ونفي عنها ما لحق بها من تغيير وتبديل، وإن الأمة التي تمر بظروف حضارية وفكرية واجتماعية صعبة، لهي في أمس الحاجة إلى مثل هذا التوضيح والبيان... فهل نحن فاعلون أم أن الصمت يبقى هو سيد الموقف؟‍!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :631  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 397 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.