شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مؤسسة الفرقان والإثنينيّة ودور في الحياة الثقافية والفكرية
في ضوء ما كتبه العبد الفقير إلى الله على صفحات هذا الملحق الأغر عن المرحوم عبد القادر عبد السلام، والذي طغى عليه لقب (الصَّقعة) اتصل بي الصديق الشاعر الأستاذ محمد صالح باخطمة وذكر أن من بقية الأدباء الظرفاء الأخ الشهم صديق أشعري، وأشاطره الرأي في هذا، فهو من أسرة كريمة من حارة القشاشية المجاورة لبيت الله الحرام، وهو ابن عم لأستاذنا الأديب حسن أشعري، وأخ للإنسان المفضال المطوّف الأستاذ حمزة أشعري والذي عُرف بحبه للخير وإصلاح ذات البين وقد عرفتُ أبا عمار عن طريق صديق الجميع وسليل أسرة الفضل السيد عباس مالكي ومن كانت داره في النقا منتدى علمياً وفكرياً، وهي الدار التي كان يعقد فيها محدث العصر فضيلة السيد علوي المالكي دروسه العلمية ومن بعده أبناه فضيلة السيد محمد علوي، وأبو عاصم السيد الداعية عباس.
ولم يكتف حبيبنا سليل أسرة العلم والأدب الأستاذ عبد المقصود خوجة بالإشادة بملحق الأربعاء وصحيفة المدينة للاهتمام بهذا الأدب الذي نسبه بنو قومه في حياته وأعني المرحوم الصقعة، بل كتب متفضلاً رسالة أخوية كريمة - أنقل منها ما يتصل بالشأن العام، والحياة الاجتماعية المتعددة الرؤى في الحقبة الماضية... فيقول أبو محمد سعيد (اطلعت بكثير من التقدير على مقالكم المانع) عبد القادر الصَّقعة آخر الأدباء الظرفاء في المجتمع المكي) الذي كان يمثل فاكهة المجتمع في وقت لم تكن وسائل الترفيه الحديث متاحة، فكان هؤلاء الظرفاء يمثلون متنفساً تأنس إليه النفس، والظرف والظرفاء امتداد طبيعي لإيقاع الحياة العربية الأصيلة منذ الجاهلية وصدر الإسلام يزدهر عطاؤهم ويضمر بحسب توافر المناخ لإبداعاتهم واليوم - لحسن الحظ أو سوئه - طغت وسائل الإعلام، فحجبت أمثال (الصَّقعة)، وإن كان وجودهم ما زال مستمراً على نطاق ضيق ومحدود وليت الفضائيات استقطبت ما بقي منهم لتعمم الفائدة وتتواصل الأجيال لما فيه الخير والمتعة.
وفي هذه العبارة الموجزة تعرض الأستاذ الأديب (الخوجة) إلى دور السياق الحضاري والاجتماعي في بروز هذا الصنف من الشخصيات الاجتماعية والمؤثرة، وأشير هنا إلى شخصية عرفها المجتمع المدني بكل أطيافه وهو المرحوم الأستاذ عبد الستار بخاري، والذي كان حافظاً ومجوّداً لكتاب الله، ومؤذّناً بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كان مرجعاً في السلم الموسيقي وعاش شطراً من حياته في مكة المكرمة فلقد كان مقرباً من الشيخ عباس قطان أحد وجهاء مكة المكرمة، ورئيساً لبلديتها وكان والده الشيخ يوسف قطّان من قبل وزيراً في حكومة الأشراف، وأخاله تولى منصب رئاسة البلدية في العهد السعودي الزاهر وكان الناس في مكة والمدينة يأنسون لشخص (الريس) عبد الستار لروحه الظريفة وكان - دوماً - يستشهد بالشعر ولقد حفظت منه لشاعر المدينة وعالمها الشيخ محمد العمري أبياتاً في (الغزل)، وأجبن عن روايتها ولا أريد الدخول في تفاصيل هذا (الجبن) والإحجام عن الرواية لشعر يقوله العلماء في زمن لم تكن فيه هذه التجزئة الطارئة بين علوم الشريعة والأدب واللغة، ولقد كان الشيخ عمر بري - والد حبيبنا الأستاذ عبد الله بري - محدثاً بين سواري المسجد النبوي الشريف وشاعراً كبيراً ومن قبله والده الشيخ إبراهيم بري رحمهم الله جميعاً.
ولعلّه من المفيد أن أنوّه بجهود الأستاذ عبد المقصود في نشر عدة من الأعمال الأدبية والفكرية وذلك بمناسبة اختيار (مكة المكرمة) عاصمة الثقافة الإسلامية حيث ذكر (إنه يعكف على إعداد وطباعة المجموعة الكاملة لكل ما يمكن الوصول إليه من نتاج الأساتذة الكرام الذين أسهموا في كتاب (وحي الصحراء)، بالإضافة إلى أعمال الأستاذ محمد حسين زيدان، وأعمال الشاعر الكبير محمد إسماعيل جوهرجي، ومن عادتي أن أثقل على صديقنا وعزيزنا أبي محمد سعيد، فأطلب منه في هذا المقال التوجّه لورثة الأستاذ عمر عبد الجبار لطباعة كتاب والدهم الهام (سير وتراجم بعض علمائنا في القرن الرابع عشر للهجرة)، وهو من أهم الكتب التي يرجع إليها الباحثون في تاريخ العلم والثقافة الدينية والفكرية في البلد الحرام، ويعرف أستاذنا فضيلة الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان، وأستاذنا الدكتور عباس طاشكندي، عن هذا الكتاب وسواه الشيء الكثير، وأعتقد أن الأستاذ الطيب نشره في تهامة إبان مسؤوليته عنها.
ولعلي لا أذيع سراً إذا ما ذكرت - هنا - أن فضيلة شيخنا عبد الوهاب قد انتهى مع زميله الدكتور محمد إبراهيم علي من تحقيق أهم كتب التراجم في العصر الحديث لعلماء مكة المكرمة وسواهم، للشيخ والفقيه الشافعي المرحوم زكريا بيلا، والموسوم (الجواهر الحسان في من لقيته من الأعيان)، والكتاب جاهز للطبع (كما عرفت) كما أن كتاب المرحوم الأديب والمؤرخ السيد عبيد عبد الله مدني عن تاريخ المدينة ومؤرخيها ورجالها يُعد من أهم المصادر التي لم تطبع بعد، وتقوم مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي والتي يرأس مجلس إدارتها المثقف والمفكر المعروف السيد أحمد زكي يماني بمشروع كبير بمناسبة اختيار مكة عاصمة للثقافة فسوف تقدم حوالي 24 كتاباً تتناول محاور عدة تتصل بمكة المكرمة وتاريخها وفكرها ودور العلم فيها.
وسبق لمؤسسة الفرقان أن نشرت مؤلفات هامة منها: مؤلف الباحث عبد الله المعلمي (أعلام المكيين من القرن التاسع إلى القرن الرابع عشر الهجري، 1421هـ 2000/م، وكتاب نيل المنى بذيل بلوغ القرى لتكملة إتحاف الورى) للمؤرخ محمد تقي بن فهد، كما قامت بطباعة كتابة د. محمد الحبيب بن الهيلة عن (التاريخ والمؤرخون بمكة) 1994/م، وعملت على ترجمة ونشر بعض أعمال المستشرقة الألمانية المشهورة (ماري شميل) المعروفة بتعاطفها عن الإسلام وقيمه الرفيعة وهي في هذا تُشبه المفكر الفرنسي المعروف (روجيه جارودي)، والذي دافع عن القضية الفلسطينية وانتقد الحركة الصهيونية العنصرية، في زمن أصبح فيه اليهود أصحاب القرار في عدد كبير من المؤسسات الغربية ولا يقوى على مواجهتهم أحد.
من الذي أشعل النار في قرطاس الجاحظ وابن المقفع فأعاد سيرة التتار عندما كنا نقرأ في كتب التاريخ أن التتار أتلفوا مكتبات (بغداد) وألقوا بها في نهر دجلة حتى أغبر لونه أو تحوّل، لم نكن نتوقع - بعد انقضاء زمن الطفولة والشباب - والولوج إلى مرحلة الكهولة، وفي زمن التقدم العلمي الذي طبع ثقافة العصر - أن يعيد التاريخ نفسه - فنرى مكتبات مهد حضارة بني العباس تتلف كتبها، وتسرق متاحفها، وتضرب المآذن التي يرتفع من فوقها صوت الحق والإيمان. كمسجد عالم الأمة وفقيهها أبي حنيفة النعمان - رحمه الله - ولم يسلم مرقد ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم - لم يسلم ذلك المضجع الآمن هو الآخر من رصاص هو أشبه ما يكون في تدافعه بغيظ من ناصبوا أهل بيت النبوة العداء واستكثروا أن يشملهم سيد الخلق بالرداء ويوصي بحبهم الأخيار.
هذا صنيع (الغرب) وهو إن لم يفعل الأمر بيديه فإنه لن يمانع أن يحدث هذا أمام عينيه في الوقت الذي يزعم فيه أنه جاء لتحرير البلد وإخراجه إلى عصر الحرية والديمقراطية.
ولا بد أن كثيراً من مثقفي الأمة العربية الذين ظلوا يراهنون على هذا الغرب الذي يرفع الشعارات التي استهوت عقول بني قومنا. حتى سمعت بعضهم يقول: سوف تشاهدون العلم الأمريكي مرفوعاً فوق الأرض العربية بعد أيام قليلة وسوف أقدم مثيل هذه الصورة في الصفحة الأولى من الصحيفة التي - يشرف عليها شخصياً وقام نفر من منظري الوطنية يبشرون بمقالة تتحدث عن وجه أمريكا المشرق - رافعين أيديهم - مبتهلين - أن يحمي صاحبها ويحفظه من زمرة المتخلفين فكراً وثقافة، أي وطنية تلك التي ظلوا لعقود من الزمن يفاخرون بأنهم من دعاتها وحماتها؟ كيف لنا أن نصدقهم فيما يدعون إليه؟ وأنى لنا أن نشاطرهم دعواهم وهم يقولون لمريديهم وحوارييهم شيئاً ثم هم على استعداد أن ينقضوه - صباحاً - إذا ما اقتضت المصلحة الذاتية والهوى الشخصي مثل هذا التناقض وتلك الازدواجية المقيتة والتي أضحت ماثلة لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. أقول لا بد أن تلك الزمرة المثقفة من أبناء العروبة قد فُجعت في علمانية الغرب ولكن الجبن يمنعهم من الاعتراف.
ولقد فاتهم أن يرجعوا للإرث الحضاري للأمة التي ينتمون إليها بالاسم أو الهوية. فيعلموا أن خريجي مدرسة محمد بن عبد الله - عليه صلاة الله وسلامه - منعوا اتباعهم ممن يحملون رسالة الإسلام للآخرين، ألا يقتلوا امرأة ولا طفلاً ولا شيخاً، بل وذهب أجدادنا إلى أبعد من ذلك بألاّ يتعرضوا لراهب في صومعته، وقسيس في كنيسته. هذا ما قاله - يا أبناء جلدتنا - أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - واتباعهم ومن أتى بعدهم - ورددوه على أسماع الأجيال ولا نعلم أن أحداً حاد عن ذلك وخرج عليه.
لقد شاهد العالم الغربي بأكمله كنيسة المهد في بيت لحم تقصفها الطائرات الأمريكية الصنع والتمويل والتدريب ويمنع أتباعه من الدخول إليها لأداء الصلاة فيها.
ولقد ذكرت صحافية بريطانية بأن سبب دخولها الإسلام هو فقدانها للثقة في بني قومها الذين جبنوا بأن يقولوا لشارون وزمرته بأن هذا اعتداء على أتباع (المسيح) و الذي يزعم الغرب أنه يتبع ديانته، ولم يخرج (البابا) أو يطل من شرفته ليشجب هذا الأمر أو يستنكره فالمسيحيون العرب وغيرهم لا يستحقون دفاعاً عن مهد ديانتهم، بينما عندما وصل الخليفة المسلم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - للقدس ليستلمها من - رجل الدين المسيحي القائم عليها - لأنه صمّم ألا يسلمها إلا للرجل الذي حفلت أسفار المسيحيين بصفاته، ابن الخطاب - رجل الإيمان والحق - رضي الله عنه رفض أن يصلي في كنيسة القيامة عندما حان وقت صلاة الظهر - احتراماً - لديانة المسيح الذي يسمي المسلمون أبناءهم باسمه ويطلقون على بناتهم اسم أمه العذراء السيدة مريم - عليها السلام - واختط هذا الإنسان المتحضر - حقاً - مكاناً خاصاً لصلاته، وهو ما يعرف باسم مسجد عمر حتى اليوم.
اذهبوا للناصرة وبيت حانون لتروا أن المسيحيين هناك يطلقون على أبنائهم اسم عمر، وعندما سألت أحدهم من أين أتى بهذا الإسلامي، أجابني بصدق، نحن - المسيحيين - في فلسطين نعتقد أن الخليفة عمر بن الخطاب هو الإنسان الديمقراطي - حقاً - وسبق أن أشرت في مقالة سابقة - أن محرر الموسوعة الإسلامية - الصادرة عن مؤسسة (بريل) في (لايدن) البروفيسور (إدموند بوزورث) ذكر في بحث له أن المسلمين لم يتعرضوا للكنائس في البلاد التي دخلوها كشبه الجزيرة الإيبرية - الأندلس، وفي جزيرة صقلية، وثقافة الإسلام المتسامحة هي التي صنعت من اليهودي ابن ميمون اسماً لامعاً في عالم الفلسفة حتى إن وزير الخارجية الإسرائيلي الراحل (أبايبان) أشار في مذكراته أن الحقبة الذهبية في تاريخ اليهود هي تلك التي قضوها في الأندلس. ونضيف أنه بعد حدوث محاكم التفتيش لم يجد اليهود ملاذاً آمناً لهم إلاّ في ظل الدولة العثمانية التي حمت أهل الديانات الأخرى من خلال نظام (الملة) الذي أخذت به، وذلك امتثالاً لتعاليم النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمر بعدم إخافة الذمي ونهى عن ترويعه.
(بغداد) هي التي حفظت (أرسطو) و(أفلاطون) من الضياع وقدمتهما من خلال مدرسة (ابن رشد) في الفلسفة الإسلامية، وهي التي حفظت تراث الفرس مثل كليلة ودمنة - بعد أن شجعت روحها المتسامحة الأديب عبد الله بن المقفع على ترجمته، وضاع هذا المصدر من التراث الفارسي فترجمه العرب مرة أخرى إلى اللغة الفهلوية بعد أن أصبح مصدراً في العربية وتراثها.
قارنوا - أيا أخوة لنا وأبناء عمومة - بين صموئيل هنتغتون الذي ينظر للصراع الحضاري بتمويل من المؤسسات الاستخباراتية، وبين من صنعتهم ثقافة الإسلام فسلموا الغرب الأوروبي تراثهم اليوناني بعد أن أضافوا إليه وأبدعوا حول دائرته فكان ابن الهيثم، وابن المقفع، وجابر بن حيان، وابن رشد، والكندي، والفارابي، والرازي، وابن النفيس، وغيرهم، واستحضروا فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أسراه يوم بدر فلم يقتلهم أو يعذبهم وفي يوم حنين أطلق سراحهم إكراماً لأخته الشيماء من قبيلة بني سعد حيث استرضع، وفي غزوة خبير، عندما أمسك المسلمون بالأسرى من اليهود، تزوج صلى الله عليه وسلم - صفية بنت حيي بن أخطب - زعيم اليهود. فأضحت أماً للمؤمنين مثل خديجة وعائشة - رضي الله عنهم وأرضاهم - فلما سمع المسلمون بذلك أطلقوا أسراهم من اليهود، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها قولي لهم أي لبقية زوجاته من أمهات المؤمنين - إن أبي موسى وأخي هارون، ودعا لإكرام القبط إكراماً لأم المؤمنين السيدة مارية القبطية رضي الله عنها وعنهم. إن هذا دفاع عن تراث الأمة فما عشقنا صدام يوماً وما رأينا لأمريكا وجهاً مشرقاً.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :708  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 395 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأربعون

[( شعر ): 2000]

وحي الصحراء

[صفحة من الأدب العصري في الحجاز: 1983]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج